بعد 18 عاماً من وفاته ظهرت تحقيقات اغتيال عرفات، الرئيس الفلسطيني الذي تحل ذكرى رحيله في 11 من نوفمبر/تشرين الثاني، أعيد الحديث عن قضية اغتياله بعدما نشرت مجموعة على تطبيق تليغرام تحمل اسم "أيقونة الثورة" وثائق تُعرض لأول مرة، بخصوص اغتيال الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات.
ونشرت المجموعة إفادات مسؤولين حاليين وسابقين في السلطة الفلسطينية بعدما كانت قد سعت أطراف في السلطة الفلسطينية إلى إبقاء تفاصيل وإفادات لجنة التحقيق في اغتيال عرفات سرية طيلة هذه السنوات؛ ما طرح تساؤلات عن سبب نشر هذه التسريبات الآن.
كشفت الوثائق التي أكدها رئيس "لجنة التحقيق الوطنية" الخاصة باغتيال ياسر عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، العلاقة المتوترة بين عرفات ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
لماذا ظهرت تحقيقات اغتيال عرفات الآن؟
ثمة سؤال جوهري يحوم حول توقيت الكشف عن هذه التسريبات بعد 18 عاماً من اغتيال عرفات، ولعل الجواب يكمن في الصراع المحتدم بين توفيق الطيراوي وحسين الشيخ اللذين يتجهزان لمعركة خلافة أبو مازن في رئاسة السلطة.
إذ شهدت الأسابيع والأشهر الأخيرة حالة من الصدام غير المسبوق بين أقطاب اللجنة المركزية لحركة فتح، بعد أن صعد اسم حسين الشيخ بشكل لافت وسريع ليتقلد موقعاً حساساً ومؤثراً في السلطة الفلسطينية، وهو أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبالتالي بات الشيخ على خطوة تسبق منافسيه لخلافة أبو مازن حال غاب أو غُيب عن المشهد تحت أي ظرف كان.
لم يكن تقلد الشيخ لهذا الموقع مرحباً به داخل حركة فتح، فظهرت بوادر الخلافات داخل اللجنة المركزية للحركة، حينما وجهت اتهامات للطيراوي بأنه من يقف خلف التحريض الذي أدى لاضطرابات واسعة قادتها اتحادات نقابية منها نقابة المحامين والقضاة ونقابات العمال والمعلمين.
كانت هذه الإضرابات تهدف للتشويش على تحركات حسين الشيخ الذي كان يسعى عبر مراسيم الرئيس التي أصدرها للإمساك بمواقع القوة داخل الضفة الغربية، وأهمها القضاء والأجهزة الأمنية.
سحب الصلاحيات من الطيراوي تمهيداً لإقالته
قال مصدر مقرب من اللواء توفيق الطيراوي لـ"عربي بوست" إن "الطيراوي سُحبت منه كل الامتيازات الممنوحة له بقرار من الرئيس محمود عباس منذ نحو 3 أشهر، وهي الامتيازات التي يحصل عليها عضو اللجنة المركزية لحرك فتح، كما تم سحب الحراسة الشخصية المسؤولة عن تأمين حياته، ووضع في منزله بأريحا تحت الإقامة الجبرية".
وأكد المصدر أن الطيراوي "استُثني للمرة الثانية من المشاركة في اجتماع للجنة المركزية لفتح، واجتماع آخر للقيادة الفلسطينية الموسعة إبان الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة نابلس.. كما تمت إقالته من رئاسة جامعة الاستقلال العسكرية وهي المسؤولة عن تخريج ضباط الأجهزة الأمنية والتي كان أحد مؤسسيها، كما فرض الرئيس قيوداً تمنعه من التحرك خارج منزله ويحظر عليه التنقل دون إذن مسبق من جهاز المخابرات العامة الذي يديره اللواء ماجد فرج".
وأضاف المصدر أنه جرى فرض هذه الإجراءات الأمنية المشددة بعد أن اعتزم الطيراوي قبل أسابيع مغادرة الضفة الغربية، والتوجه لتونس للقاء زوجة الرئيس الراحل سهى عرفات، ووضعها في صورة المخطط الذي تنوي حركة فتح تجهيزه له لاغتياله معنوياً وتشويه صورته لإبعاده عن المشهد السياسي.
وتابع: "هنالك تحركات داخل اللجنة المركزية لحركة فتح لتوجيه اتهامات خطيرة للطيراوي تدينه بارتكاب مخالفات مالية وإدارية، وتُهم أخرى تتعلق باستغلال منصبه ونفوذه تكراراً لنموذج الاتهامات التي وُجهت لزميله السابق في الحركة محمد دحلان، وابن شقيقة الرئيس السابق ناصر القدوة، اللذين أُقصيا من اللجنة المركزية لحركة فتح".
مَن هو الطيراوي؟
يعتبر اللواء توفيق الطيراوي أحد أبرز الوجوه البارزة في حركة فتح، وهو عضو في اللجنة المركزية للحركة منذ العام 2008 إلى الآن.
عاد الطيراوي من المنفى مع عودة السلطة الفلسطينية ضمن اتفاق أوسلو الموقَّع في العام 1993، وكان من أبرز مؤسسي جهاز المخابرات العامة، كما عمل مستشاراً أمنياً للرئيسين ياسر عرفات ومحمود عباس برتبة وزير.
كما شغل منصب مفوض عام المنظمات الشعبية في الحركة، وهو منصب يمنحه تواصلاً مباشراً مع اتحادات النقابات المختلفة، كما شغل منصب مفوض عام التعبئة الفكرية والدراسات، كما أسس الطيراوي الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية في العام 1998، التي تحولت لاحقاً لجامعة الاستقلال العسكرية، وهي كلية عسكرية تقوم بتخريج ضباط الأجهزة الأمنية.
يتمتع الطيراوي بنفوذ واسع داخل أوساط حركة فتح، ولديه ولاء كبير من ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية الذين عملوا تحت إشرافه لسنوات طويلة أثناء قيادته لجهازي المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية، وبالتالي يرى الطيراوي نفسه أنه الأحق بخلافة أبو مازن في رئاسة السلطة.
انتهاء مرحلة الرئيس أبو مازن
محمد مصلح الكاتب والمحلل السياسي قال لـ"عربي بوست" إن "ما يجري الآن داخل حركة فتح يشبه إلى حد كبير المرحلة التي سبقت غياب الرئيس عرفات، ولكن المشهد الحالي أكثر تعقيداً، هنالك صراع كبير جداً بين أقطاب اللجنة المركزية وتحديداً الطيراوي والشيخ والذي قد يمتد لصدام مسلح كون الرجلين يمتلكان قوة ونفوذاً كبيراً لدى العناصر المسلحة للأجهزة الأمنية وحركة فتح".
أما إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين، فأكد لـ"عربي بوست" أن "خروج هذه التسريبات وإفادات التحقيق في وفاة عرفات في هذا التوقيت يعني أن مرحلة أبو مازن شارفت على الانتهاء، وأن هنالك توجهاً إسرائيلياً وأمريكياً مشتركاً لتغيير القيادة الحالية؛ لذلك يجري اغتيال معنوي كل الشخصيات التي عاصرت حقبة الرئيس أبو عمار، حتى لا ينكشف المخطط الذي تم تدبيره إسرائيلياً وأمريكياً بأيادٍ فلسطينية محسوبة على أبو مازن".
تسريبات لـ300 قيادي.. وتلميحات بتورُّط عباس
وتضمنت التسريبات محاضر اجتماعات وتسجيلات صوتية وإفادات لنحو 300 قيادي كانوا على صلة مباشرة بالرئيس عرفات.
إلا أن القاسم المشترك في جزء كبير من هذه الإفادات كان يدين الرئيس الحالي محمود عباس، الذي أشار لمقربيه إلى أن الرئيس عرفات فقد أهليته وأنه رجل لا يريد صنع السلام.
كان لافتاً الإفادة الخاصة بجمال محيسن، العضو السابق في اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي أشار إلى أن خلافات عميقة كانت بين أبو عمار وأبو مازن في تلك الفترة، وأن هذه الخلافات كانت محرجة ومخزية، ولا يمكن الحديث عنها.
أما حنان عشراوي، العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فقالت في إفادتها: هنالك قيادات في السلطة كانت تريد تغيير النظام، وهم يشعرون أن أبو مازن لم يكن الشخص المناسب، وأنها كانت مقتنعة بأن نهاية أبو عمار قد شارفت على الانتهاء.
بالرغم من لجنة التحقيق التي شكَّلتها السلطة منذ اليوم لجريمة الاغتيال، إلا أنها لم تتوصل لنتيجة نهائية لمعرفة المتهم الأول أو المشرف المباشر عن دس السم الذي أودى بحياة عرفات.
ترأس لجنة التحقيق اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي أشرف بشكل مباشر على تشكيل طاقم أمني بحكم عمله كرئيس لجهاز المخابرات العامة، لتسجيل إفادات الأشخاص الذين كانوا على صلة مباشرة بالرئيس عرفات آنذاك.
ظلت إفادات المسؤولين من قادة الأجهزة الأمنية وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤولي ديوان الرئاسة وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير طيَّ الكتمان طيلة السنوات الماضية، إلا أنْ تم تسريب بعض منها في الأيام الأخيرة.