غذت الأزمة السياسية والاقتصادية المستعرة في تونس نزوحاً جماعياً للشباب الفارين إلى أوروبا؛ لترتفع محاولات الهجرة من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا إلى أعلى مستوياتها منذ الربيع العربي قبل أكثر من عقد من الزمان، وفق تقرير نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية، الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
إذ حاول ما لا يقل عن 45421 تونسياً عبور البحر المتوسط بالقوارب أو نجحوا في ذلك منذ مطلع العام حتى 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقاً لحسابات وكالة بلومبرغ بناءً على أرقام من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. في حين بلغ العدد نفسه 36424 مهاجراً عام 2011 في أعقاب الانتفاضة التي أطاحت بزين العابدين بن علي.
زادت خمسة أضعاف منذ 2019
وهذه الأرقام مقلقة تحديداً، لأنَّ تونس كانت أفضل أمل في المنطقة للديمقراطية، وتأتي الزيادة في الوقت الذي عادت فيه عمليات عبور اللاجئين والمهاجرين إلى بؤرة الاهتمام في أوروبا.
بينما تتجه الغالبية عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا، حيث وعدت رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة الجديدة، جورجيا ميلوني، ببذل مزيد من الجهد لإبعاد المهاجرين.
وارتفع عدد المهاجرين الإجمالي أيضاً خمسة أضعاف منذ عام 2019، حينما انتخب الرئيس قيس سعيد، الذي اتُّهِم بإعادة تونس إلى الحكم الاستبدادي والفشل في إنعاش اقتصاد شابته سنوات من النمو الفاتر. وبلغ معدل التضخم أعلى مستوياته منذ ثلاثة عقود، ووصلت البطالة بين الشباب إلى نحو 40%، وفق بلومبرغ.
بدوره، قال الرئيس التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، علاء طالبي: "الهجرة اليوم لم تعد خطة للأفراد أو المنحرفين، بل مطلب أسر بأكملها. اليأس يسود"، ملقياً باللوم في ذلك على تدهور الأوضاع الاقتصادية وموجات الجفاف المتكررة.
أزمات في تونس
وتتحرك تونس، التي شهدت نقصاً في الوقود والخبز بالأشهر الأخيرة، لتأمين حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي، لكن هذا لا يفعل الكثير لتهدئة القلق العام.
بينما تستعد الحكومة لسنّ تخفيضات على الدعم مطروحة منذ فترة طويلة في عام 2023، بينما حذّر الاتحاد العمالي الرئيسي هذا الأسبوع من "معركة اجتماعية" إذا حدثت تغييرات كبيرة تؤثر في مستويات المعيشة بين السكان البالغ عددهم نحو 12 مليوناً.
خلال العام الجاري اعتُرِض طريق ما يقرب من ثلثي المهاجرين المحتملين، على الرغم من نجاح 16292 مهاجراً في الوصول إلى إيطاليا، وهي الدولة الوحيدة التي قُدِّمَت بيانات عنها لعام 2022.
يُذكر أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية -ومقره تونس- يجمع الشهادات والأرقام من عدة مصادر؛ منها السلطات التونسية ووكالة الأمم المتحدة للاجئين وحكومات الاتحاد الأوروبي.
رحلة محفوفة بالمخاطر
وتحُف المخاطر هذه الرحلة الخارجية. فقد غرق أو فُقِد أكثر من 540 شخصاً بعد مغادرة الشواطئ التونسية إلى أوروبا هذا العام، ارتفاعاً من 440 في عام 2021. وهزت الاحتجاجات التي استمرت أياماً في أكتوبر/تشرين الأول، مدينة جرجيس، بسبب ما قال السكان المحليون إنها عمليات دفن سرية تجريها السلطات التونسية لمن ماتوا في البحر.
في الأسابيع الأخيرة، سلّطت تقارير صحفية عن وصول طفلة تونسية غير مصحوبة بذويها تبلغ من العمر أربع سنوات إلى إيطاليا، الضوء على الهجرة الجماعية. يقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنَّ المغادرين يشملون الآن عدداً أكبر من الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً مقارنة بالسنوات السابقة.
وفي أماكن أخرى من القارة، تقدم صربيا تأشيرات دخول للتونسيين، في خطوة قد تمنع استخدام البلاد كنقطة دخول إلى الاتحاد الأوروبي المجاور. وفي الداخل، ترد السلطات التونسية بموجات من الاعتقالات و"عسكرة" المناطق الحدودية، بحسب الرئيس التنفيذي للمنتدى علاء طالبي.
وتساءل "طالبي": "بصراحة، ما الذي يمكن أن يحفز الشباب والنساء التونسيين على البقاء في تونس؟ كل تونسي هو مهاجر قيد الإعداد".