بعد تأجيلها لثلاث سنوات بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا، عادت عجلة القمم العربية إلى الدوران وعاد معها الجدل حول جدواها وأهميتها وفاعليتها، ومستوى التمثيل فيها، أكثر من الحديث عن جدول أعمالها وتوصياتها ومدى تنفيذ قراراتها، في ظل تصاعد موجة التطبيع الذي عمق الخلافات والاختلافات في جسد أمة يصعب لملمة شملها المتصدع أصلاً من زمان، ويصعب تجاوزه في قمة الجزائر الحادية والثلاثين التي تعقد في سياق إقليمي ودولي مشحون، يتميز باستمرار تغييب سوريا بسبب تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وفي غياب معهود لعدد من القادة العرب لأسباب مختلفة، بعضها مبرر كما هو الحال بالنسبة لليبيا ولبنان، وبعضها مثير للتساؤلات وعلامات الاستفهام في وقت تمكنت الجزائر من مصالحة الفصائل الفلسطينية فيما بينها قبل انعقاد القمة لتسهيل مهمة دعم القضية الأم والتركيز على قضايا أخرى تهم الأمة.
الجزائر بذلت مجهودات كبيرة لأجل عقد القمة المعلقة منذ سنوات، وهي التي كانت دوماً تستضيف القمم في محطات استثنائية ملغمة وصعبة، تخرج بقرارات تاريخية كما كان عليه الحال عام 1973 بعد حرب أكتوبر التي تقرر فيها استخدام سلاح النفط لدعم القضية الفلسطينية، وسنة 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي اقتضت تنظيم قمة طارئة تم فيها تجديد الالتزام بمقاطعة إسرائيل، ثم قمة عادية في سنة 2005 بعد سقوط بغداد ووفاة الراحل ياسر عرفات واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، تم فيها حشد الدعم لسوريا ولبنان، ليأتي الدور على قمة بلغ في زمنها الاختراق الصهيو-أمريكي درجة كبيرة منعت البعض من المشاركة حتى ولو كانت شكلية في زمن التطبيع الذي تحول الى تحالف سياسي وعسكري ضد فلسطين والمناهضين للتطويع، أكثر من كونه تقارب لأجل تحقيق الدعم للشعب الفلسطيني وقضيته.
قمة الجزائر حضرتها كل البلدان العربية ما عدا سوريا بسبب تجميد عضويتها من طرف جامعة الدول العربية، لكن مستوى التمثيل كان منخفضاً لخمس دول خليجية غاب ملوكها وأمراؤها، مثلما غاب ملك الأردن، وملك المغرب الذي لم يشارك في أشغال القمم العربية منذ قمة الجزائر في 2005، وغاب الرئيس اللبناني بسبب انتهاء ولايته الرئاسية، بينما حضر أمير دولة قطر، وحضر رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي، ورؤساء تونس وليبيا والسودان والعراق واليمن والصومال وجيبوتي وجزر القمر، وفلسطين، في سيناريو لم يختلف عن قمم سابقة لم يتجاوز فيها عدد القادة المشاركين النصف في العديد من المرات، وكانوا دائماً يكتفون بمن ينوب عنهم لأسباب أغلبها واهية.
رغم التحديات المحلية والإقليمية والدولية، السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه العرب في أول قمة منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن بعض الأطراف عملت على تأجيل قمة الجزائر مرات عديدة على مدى سنوات خاصة من أنظمة مطبعة تجنباً للإحراج، وبعد أن تقرر الموعد سعت إلى منع إدراج بند في البيان الختامي يدين جميع أشكال التطبيع باعتباره قضية داخلية حسب المغرب والبحرين والامارات، في وقت برره أصحابه في حينه بأنه جاء لخدمة القضية الفلسطينية، بالمقابل أصرت بعض الأطراف على إدراج بند في البيان الختامي للقمة يدين التدخلات الإيرانية والتركية في المنطقة العربية، لكن ذلك لقي اعتراض بعض البلدان الأخرى التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مع إيران وتركيا.
الجزائر لم تبخل بجهودها، ونجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي، بعد أن نجحت قبل القمة في لمّ شمل كل الفصائل الفلسطينية التي اتفقت على خريطة طريق سياسية لتجاوز كل الخلافات المتراكمة منذ سنوات والتركيز على استعادة حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته، بينما تبقى الكثير من الملفات الأخرى عالقة من زمان، لن تحلها قمة الجزائر ولا قمة في المريخ بين دول وأنظمة تعمقت الهوة بينها عندما انقسمت بين مطبعة ومقبلة على التطبيع، ودول معارضة وممانعة تعاني صعوبات اقتصادية واجتماعية وأزمات سياسية وأمنية، وبين دول حليفة لأمريكا وبريطانيا، وأخرى موالية لروسيا والصين، ودول موالية وأخرى مناهضة لإيران وتركيا، لكن كلهم يمارسون ازدواجية المعايير في تعاملهم، حسب مصالحهم ومصالح معسكرهم.
لقد ساد الاعتقاد من زمان أن مكان انعقاد القمة ونسبة التمثيل فيها هو من يحدد نجاحها أو فشلها ليتبين مع الوقت بأن الأمر نسبي، يخضع لمعايير ومعطيات خاصة، لا ترتبط بحضور القادة من عدمه؛ لأن أكثر القمم التي شهدت حضوراً قياسياً للقادة العرب شهدت انقسامات وخصومات وتراشقات، ولم تتوصل إلى قرارات هامة، ويتبين أن نجاحها لا يقاس بمستوى التمثيل ولا بالتوصيات التي تصدر بقدر ما يحسب بمدى التزام الدول الأعضاء بتنفيذ الالتزامات على أرض الواقع، خاصة عندما يتزامن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ومكافحة الفقر والجهل والإرهاب والتطرف، مع اهتمام العرب بقضايا الأمن الغذائي والتربية والتعليم والبيئة والمناخ، والاستغلال الأمثل للثروات التي تزخر بها الكثير من الدول العربية.
نجاح أو فشل قمة الجزائر سيكون لكل العرب وليس للجزائر؛ لأنها قمة عربية-عربية، وليست جزائرية-عربية، تعني الجزائر فقط دون غيرها من البلدان العربية التي تدعي السيادة والريادة في مشهد عربي يبقى تعيساً حتى ولو عقد العرب قمة كل أسبوع ما دامت النوايا غير صادقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.