تعمدت القاهرة التكتم على زيارة اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، إلى شرق ليبيا وتفاصيلها حتى الآن، وذلك بالتوازي مع توتر بين القاهرة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة.
وزار عباس كامل بشكل سري شرق ليبيا قبل أيام، والتقى بكل من خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، وفتحي باشاغا رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب.
كواليس زيارة عباس كامل لليبيا
كشف مصدر حكومي لـ"عربي بوست" أنه بالإضافة إلى رغبة مصر في إعادة تنشيط التواصل مع حفتر وباشاغا، فالزيارة كانت تضم رسائل للدبيبة.
وأضاف المتحدث أن مصر بعثت برسالة واضحة إلى الدبيبة بأنها تمتلك أوراق ضغط و"كروت لعب" عديدة في ليبيا في حال أصر على استكمال سياسة العناد مع القاهرة.
المصدر نفسه قال إن حفتر لم يحصل على ضوء أخضر من مصر لاستئناف نشاطه ضد حكومة الدبيبة، وإنما كان الهدف من الاجتماعات هو الاتفاق على مجموعة من خطوات العمل في الفترة المقبلة.
وطالبت مصر بالتنسيق لعمل جبهة ليبية موحدة من حفتر وباشاغا وعقيلة صالح، في مواجهة الدبيبة ومساعيه لتهديد مصالح القاهرة في ليبيا.
أيضاً حملت الزيارة مطالب لشرق ليبيا بضرورة تنسيق المواقف بين الفرقاء الليبيين بخصوص مستقبل العملية السياسية هناك قبل زيارة عبد الله باتيلي المبعوث الأممي لليبيا.
وبالإضافة إلى ذلك، أرسلت مصر رسالة إلى الدبيبة كونه ليس اللاعب الوحيد في ليبيا، وتواجد مصر في الشرق الليبي ضروري لضمان عدم المساس بمصالحها هناك.
ونفى المصدر الحكومي وجود أي تحالف مصري-فرنسي لدعم حفتر وباشاغا للهجوم على طرابلس ومدن الغرب لإعطاء العالم انطباعاً بأنها عاجزة عن تحقيق الاستقرار في ليبيا.
وأضاف أنه رغم المساعي المصرية لاحتواء عناد الدبيبة إلا أنها لم تفقد الرهان على تحسن العلاقة معه، خاصة أن الأمور لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة.
لماذا كانت الزيارة سرية؟
كشف مصدر دبلوماسي مصري لـ"عربي بوست" أن مصر لم تُعلن عن الزيارة لأنها غير رسمية، وهي خاصة بمناقشة ترتيبات أمنية وسياسية مع حفتر وباشاغا ضمن الجهود المصرية لدعم الاستقرار في ليبيا.
وأضاف المصدر نفسه أن تلك الزيارة ليست الأولى التي لم يُعلن عنها، وغالباً لن تكون الأخيرة، كونها تدخل ضمن النشاط الطبيعي والمستمر للجنة الأمنية العليا المشكّلة في مصر للتعامل مع الملف الليبي.
وكشف المتحدث أن اللقاءات التي عقدها عباس كامل في شرق ليبيا تهدف لتنسيق المواقف مع حفتر وباشاغا وترتيب الأولويات قبل زيارة عبد الله باتيلي المبعوث الأممي لليبيا ولقائه مع جميع الأطراف.
ونفى المصدر الدبلوماسي أن تهدف الزيارة إلى بحث إمكانية زعزعة الاستقرار في طرابلس وباقي مدن الغرب الليبي لإظهار عجز حكومة الوحدة الوطنية أمام القوى الدولية التي لا تزال تتعامل معها.
أيضاً نفى المصدر الربط بين الزيارة الأخيرة وتوقيع الدبيبة مذكرة تفاهم مع تركيا رفضتها القاهرة بشكل رسمي، مشيراً إلى أن رفض مصر للمذكرة ينطلق من أن حكومة الدبيبة منتهية الصلاحية.
واستغرب المسؤول الدبلوماسي "المغالاة في تحليل وتفسير دلالات الزيارة ونتائجها، خصوصاً بعدما عاد حفتر عقب الزيارة لإعادة تسويق نفسه كقائد لما يسمى الجيش الليبي الحر".
الدبيبة والقاهرة.. لماذا تدهورت العلاقات؟
وجاءت هذه الزيارة بالتوازي مع توتر العلاقات بين مصر ومع عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بسبب توقيع هذا الأخير اتفاقاً مع تركيا يسمح لها بالتنقيب عن النفط والغاز في مياه ليبيا.
وحول تدهور العلاقات، قال المصدر إن هناك عدة أسباب يتحملها الجانب المصري وأخرى مسؤول عنها الدبيبة، من بينها إهمال القاهرة التواصل مع الدبيبة منذ انتخابه، وعدم جديتها في دعمه.
أيضاً مصر اكتفت بإرسال قائم بالأعمال بدلاً من استئناف العلاقات الدبلوماسية كاملة بعد انتخاب الدبيبة، هذا الأخير الذي رد بتأجيل اتفاقياته مع القاهرة.
ومن بين الاتفاقيات التي أجلها الدبيبة: الاستعانة بشركات مصرية لتنفيذ إعادة الإعمار في ليبيا، وزيادة الاستعانة بالعمالة المصرية بمعدل يصل إلى مليوني عامل مصري.
مصر وتركيا.. وئام كاذب
كشف مصدر مسؤول في وزارة الخارجية المصرية لـ"عربي بوست" أن مصر تتجنب أن تذكر اسم تركيا، وحتى عندما رفضت اتفاق الدبيبة مع أنقرة ألقت باللوم على الدبيبة فقط.
في المقابل، لم يذكر وزير الخارجية التركي مصر نهائياً في تصريحاته حول الدول المتضررة من الاتفاق، واكتفى بتعبير "دول أخرى"، قبل أن يخص اليونان تحديداً بسخريته من رفضها لمذكرة التفاهم.
ويلخص المسؤول مغزى تلك المشاهد بأن لا القاهرة ولا أنقرة تريد الصدام في الوقت الحالي، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها البلدان.
كما أن تركيا، حسب المتحدث نفسه، تتفهم جيداً المصالح المصرية في شرق ليبيا، وتتجنب إثارة غضبها؛ بدليل أنها تفادت التصعيد بعد تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل سنتين بأن خط سرت/الجفرة خط أحمر.
هل تضحي مصر بوزير خارجيتها؟
مصدر أمني أكد لـ"عربي بوست" أن هناك بالفعل خلافات بين القاهرة وحكومة الدبيبة في إعادة لسيناريو فائز السراج الذي فضل الجانب التركي رغم علاقاته التي كانت ممتازة مع مسؤولين مصريين.
ولفت المصدر إلى أن مصر تتفّهم غضب الدبيبة، خصوصاً بعد تصعيد غير مبرر من سامح شكري، الذي انسحب من جلسة وزراء الخارجية العرب قبل شهرين.
واحتج سامح شكري على إلقاء نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية في حكومة الدبيبة كلمتها؛ بدعوى أنها تمثل حكومة منتهية ولايتها وليس لديها الحق في تمثيل ليبيا.
أيضاً، دعا سامح شكري في وقت مبكر من أكتوبر/تشرين الأول 2022 المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتحديد موقفهما من حكومة الدبيبة، وهل هي شرعية أم غير شرعية.
وكشف المصدر أن مواقف شكري الحادة لم تعبر بدقة عن الدولة المصرية التي تدعم إقامة انتخابات نيابية من أجل تشكيل حكومة تُعبر عن الشعب الليبي.
لكن بعض المواقف أظهرت وكأن هناك عداء شخصياً لسامح شكري تجاه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد حميد الدبيبة؛ وهو أمر غير صحيح.
كما أن شكوى الجانب الليبي من تجاهل القاهرة لهم منذ تكليف الدبيبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تقع على عاتق الواجهة الدبلوماسية التي لم تنجح في إظهار الاهتمام المصري للمسؤولين الليبيين.
ولم يستبعد المصدر أن تُقدم مصر على استبدال وزير خارجيتها في الأسابيع القليلة المقبلة كإعلان ضمني عن حسن نواياها تجاه الدبيبة وحكومته.
أيضاً يقول المصدر نفسه إن القاهرة بالحاجة إلى تجديد وجهها الدبلوماسي باختيار وزير يناسب المرحلة المقبلة، التي تشير التوقعات إلى أنها سوف تكون أكثر انفتاحاً على دول المنطقة عمّا كانت عليه.
وتبحث القاهرة عن مجموعة من السيناريوهات بشأن التعامل مع الأزمة الليبية، في ظل تواصل الاعتراف الأممي بالدبيبة، ومن من بين هذه السيناريوهات تصحيح مسار العلاقة مع حكومة الدبيبة.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”