علم فريق "عربي بوست"، من عدة مصادر داخل العراق، أن وفداً من 5 أفراد ينتمون إلى جهاز المخابرات الخاص بدولة الإمارات العربية المتحدة، قد زاروا في زيارة سرية العراق بشكل غير معلن وغير رسمي، في الأيام القليلة الماضية، وأكدت عدة مصادر داخل الفصائل الشيعية المسلحة، أن الوفد الأمني الإماراتي قد عقد لقاءات مع الجماعات المسلحة الشيعية.. فلماذا يتواصل الإماراتيون مع هذه الجماعات الشيعية؟ وما الذي دار في هذه اللقاءات؟
الهجمات الصاروخية على الإمارات
يقول مسؤول أمني عراقي بارز، لـ"عربي بوست": "تم تنسيق زيارة الإماراتيين مع قادة الجماعة المسلحة التي اجتمعوا بها، وأنا شخصياً قد عرفت بمسألة الزيارة بعد مرور 3 أيام على دخول الوفد الإماراتي للعراق".
وبحسب مصدر سياسي مقرب من الجماعات الشيعية المسلحة، فإن الوفد الإماراتي الاستخباراتي، قد التقى قادة من فصائل "عصائب أهل الحق"، وهو فصيل شيعي مسلح قوي، ينضوي تحت مظلة الحشد الشعبي العراقي، ومقرب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويقوده قيس الخزعلي.
وبالتواصل مع قائد في فصيل عصائب أهل الحق، أكد لـ"عربي بوست"، هذه المعلومة، قائلاً: "نعم، التقينا، منذ أيام، عدداً من ضباط المخابرات الإماراتيين، في محاولة لمناقشة بعض الأمور المهمة التي تخص العراقيين".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "جاء الإماراتيون لمناقشة الضربات الصاروخية والهجمات بالمسيرات، التي انطلقت من العراق، باتجاه أبوظبي، إنهم يطلبون ضمان عدم تكرار هذه الأمور".
مصالح اقتصادية
بعد أن ناقش الوفد الإماراتي مع قادة الفصائل المسلحة العراقية الشيعية، مطالبهم بضمان عدم تهديد تلك الفصائل لدولة الإمارات واستهدافها بضربات صاروخية وطائرات من دون طيار، طلب الجانب الآخر عدم تدخل الإمارات في الشؤون الداخلية للعراق.
وفيما يتعلق مناقشة المصالح والدوافع الاقتصادية لضمان ما تم مناقشته، يقول مصدر مقرب من فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "عرض الإماراتيون على قادة عصائب أهل الحق، التعاون الاقتصادي لتعزيز العمل بينهم".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "في البداية طلب قادة عصائب أهل الحق من الإماراتيين الإفراج عن الأصول المالية المجمدة للفصيل في دبي، وبعد ذلك تم التطرق إلى إمكانية التعاون الاقتصادي داخل العراق".
جدير بالذكر هنا أنه، بحسب مصادر عراقية، فإن فصيل عصائب أهل الحق، لديه العديد من الاستثمارات داخل إمارة دبي، لكن بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على الفصيل في العام الماضي، تم تجميد أصوله المالية.
في هذا الصدد، يقول قائد في عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "نعم، طلبنا من الإماراتيين الإفراج عن الأصول المالية المجمدة، لكن إلى الآن لم يتم الرد علينا بخصوص هذا الأمر، قالوا إنهم يحتاجون إلى مناقشة المسألة مع قادتهم".
كما أشار المصدر المقرب من فصيل عصائب أهل الحق في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى تناول مسألة الاستثمار الإماراتي داخل الأراضي العراقية، في هذا اللقاء الذي جمع الوفد الإماراتي الاستخباراتي بقادة الفصائل المسلحة الشيعية في العراق.
يقول المصدر السابق لـ"عربي بوست": "جدّد الإماراتيون في هذا اللقاء نيتهم الجادة في استثمار مليارات الدولارات في العراق، كنوع من التعاون الاقتصادي مع العراقيين الشيعة".
ويعلق قائد ثانٍ في فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست"، على هذه المسألة قائلاً: "مسألة الاستثمارات الإماراتية في العراق، مسألة شائكة، يصعب تنفيذها في الوقت الحالي، كل ما يهمنا الآن، أن يرفع الإماراتيون أيديهم عن التدخل في بلادنا، هم يريدون ضمان عدم استهداف فصائل المقاومة لبلدهم، ونحن نريد استقرار العراق".
كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد تعرضت لهجمات صاروخية وضربات بطائرات من دون طيار من قبل جماعة أنصار الله في اليمن والمعروفة باسم "الحوثيين"، في مطلع العام الحالي، وفي شهر فبراير/شباط الماضي، وأعلنت جماعة عراقية مسلحة تدعي "ألوية الوعد الحق"، عن استهدافها لإمارة أبوظبي بطائرات من دون طيار، انطلقت من العراق، واستهدفت منشآت حيوية في أبوظبي، دعماً للحوثيين في اليمن.
وقالت مصادر عراقية لـ"عربي بوست"، إن جماعة "ألوية الوعد الحق"، هي جماعة مجهولة، حديثة النشأة، يتركز عملها على استهداف المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر مقرب من الجماعات الشيعية المسلحة في العراق، لـ"عربي بوست": "لم نسمع قبل استهداف أبوظبي في شهر فبراير/شباط، عن جماعة ألوية الوعد الحق، وأغلب الظن أنها جزء من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق".
بالعودة إلى زيارة الوفد الاستخباراتي الإماراتي إلى العراق، يقول قائد في عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "التقينا بالوفد الإماراتي، الذي طلب هذا اللقاء منذ فترة طويلة، كانوا يريدون مناقشة تهديد فصائل المقاومة لهم، والعمل على حل هذه المسألة".
جدير بالذكر هنا، أن المقصود بفصائل المقاومة التي أشار إليها القائد شبه العسكري في حديثه لـ"عربي بوست"، هي الفصائل المسلحة الشيعية العراقية المقربة من إيران، والتي تطلق على نفسها اسم "فصائل المقاومة الإسلامية"، أو محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في المنطقة.
اتهامات عراقية للإمارات
في أثناء اللقاء الذي جمع الوفد الاستخباراتي الإماراتي، بعدد من قادة الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، وعلى رأسهم فصيل عصائب أهل الحق، اتهم قادة عصائب أهل الحق، الإماراتيين بالتدخل في الشؤون العراقية.
يقول قائد ثانٍ في فصيل عصائب أهل الحق، وكان من ضمن الحاضرين لهذا اللقاء، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "أخبرنا الإماراتيين بغضبنا الكامل من تدخلهم في الشأن الداخلي العراقي، ودعمهم للجماعات السياسية السنية لأغراض خفية".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "الإماراتيون يتدخلون في العراق بشكل كبير، يدعمون الحركات الاحتجاجية المختلفة، كما يدعمون بعض القادة السنة، وحاولوا تقديم الدعم المادي للمتظاهرين في أكتوبر/تشرين الأول 2019".
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أرجاء العراق، مطالبة بالتخلص من النظام السياسي الحالي، الممتد منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، فيما عرفت الحركة الاحتجاجية باسم "حركة تشرين"، والتى استطاع بعض قادتها الانضمام إلى البرلمان العراقي الحالي.
لم تتوقف الاتهامات العراقية للإماراتيين عند هذا الحد، فبحسب قائد ثالث ينتمي للجماعات المسلحة الشيعية العراقية، وكان أيضاً من ضمن الحاضرين لهذا اللقاء، فقد اتهم قادة الجماعات المسلحة الشيعية دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل، مقتدى الصدر، في محاولة للإطاحة بخصومه من الإطار التنسيقي الشيعي.
في هذا الصدد، يقول القائد في فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "أخبرنا الإماراتيين بأننا على علم بخطواتهم السابقة لدعم التحالف الثلاثي بين مقتدى الصدر وبارزاني الحلبوسي، وبأننا غير راضين عن هذا الدعم الإماراتي والتدخل الذي من شأنه أن يعرض العراق للخطر".
جدير بالذكر، أنه بعد حصول مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، على أعلى عدد من المقاعد البرلمانية (73 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان العراقي)، في الانتخابات البرلمانية التى تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، ونجاحه في أن يكون الكتلة البرلمانية الكبرى في مجلس النواب (الكتلة البرلمانية الكبرى هي التي يحق لها بحسب الدستور العراقي، تشكيل الحكومة الجديدة)، الدخول في تحالف ثلاثي مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم حزب "تقدم" السني، ومسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، للإطاحة بخصومه الشيعة في الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران.
لكن هذا التحالف الثلاثي انهار في شهر يونيو/حزيران 2022، عندما أمر مقتدى الصدر نواب كتلته البرلمانية بالاستقالة من البرلمان، بعد الضغوطات التي تعرض لها من قبل خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي، الذين نجحوا أخيراً في إزاحة مقتدى الصدر من المشهد السياسي، وتشكيل حكومة عراقية جديدة.
وساطة إيرانية
في اللقاء الذي جمع بين وفد إماراتي استخباراتي وقادة من فصيل عصائب أهل الحق، والذي تم في العاصمة العراقية بغداد، في الأيام القليلة الماضية، أشارت بعض المصادر لـ"عربي بوست"، إلى أن اللقاء تم بحضور قادة من الحرس الثوري الإيراني.
يقول مصدر مقرب من فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "في البداية وقبل زيارة الوفد الإماراتي إلى العراق والاجتماع بقادة عصائب أهل الحق، طلب الإماراتيون من الإيرانيين التوسط لدى الجماعات المسلحة العراقية، لضمان عدم استهداف الإمارات مرة أخرى".
لكن قائداً في فصيل عصائب أهل الحق المقرب من إيران، نفى لـ"عربي بوست" هذا الكلام، قائلاً: "في جزء صغير من اللقاء كان هناك حضور لعدد من قادة الحرس الثوري، لكنهم لم يكونوا وسطاء، ولم يفرضوا علينا أية شروط أو مطالب لصالح الإماراتيون، فقط طلبوا من الإخوة الإيرانيين الاطلاع على مجريات الأمور دون المشاركة".