عاشت نابلس شمال الضفة الغربية ليلة دموية، بعد ارتقاء 5 شهداء من أبرز قادة خلايا "عرين الأسود" بنيران جيش الاحتلال الذي اقتحم المدينة بحشودات عسكرية ضخمة، لم تشهدها المدينة منذ انتفاضة الأقصى قبل عقدين.
وأعلن جيش الاحتلال في بيانه أن قوات كبيرة من سلاح المشاة وأفراد من وحدة اليمام الخاصة وقوات من لواء جفعاتي، بالإضافة لضباط من جهاز الأمن العام – الشاباك قد شاركوا في هذا النشاط الأمني الكبير في نابلس.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت طائرات مسيَّرة غطت سماء المدينة وأمَّنت غطاءً جوياً لإنجاح هذا الاقتحام الذي أشرف عليه رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك رونين بار.
تكتيكات عسكرية جديدة
بات لافتاً لجوء إسرائيل لتكتيكات عسكرية مختلفة خلال اقتحاماتها المتكررة لمدن الضفة الغربية وبشكل خاص في مدينة نابلس، فعلى سبيل المثال يشكل استخدام الطائرات المسيّرة في اقتحامات الضفة الغربية حدثاً استثنائياً لم تعتَد عليه إسرائيل في السابق.
بموازاة ذلك لجأ الجيش لأساليب الاغتيال عن بعد لأول منذ عقدين، إذ ارتقى الشهيد تامر الكيلاني بعد اقترابه من دراجة نارية مفخخة، كان قد وضعها الجيش في أحد أزقة البلدة القديمة لمدينة نابلس.
كما برز أسلوب وعاء الضغط كنهج إسرائيلي جديد يلجأ إليه حصار المقاومين وتصفيتهم جسدياً، ويعرف بأنه تكتيك عملياتي مركز، ولكنه متعدد المراحل، بهدف تحييد الطرف المنوي استهدافه سواء بالاعتقال أو الاغتيال.
وقد بات هذا التكتيك العسكري عنواناً للعملية العسكرية الجارية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة على مناطق متفرقة من شمال الضفة الغربية.
ووفقاً لشهود عيان من مخيم بلاطة في نابلس تحدثوا لـ"عربي بوست" فقد جرى اقتحام المدينة اليوم الثلاثاء من جهة حارة الياسمينة، بعد أن تسللت قوات من المستعربين منذ ساعات المساء الأولى.
والمستعربون هم عبارة عن قوات خاصة من الجيش عادة ما يكونون من فلسطينيي الداخل أو الدروز الذين يُتقنون اللغة العربية، ويستخدمهم الجيش عندما يجد صعوبة في الدخول إلى أزقة المخيمات أو المناطق التي يتحصن بها المقاومون.
القتل بدلاً من الاعتقال
منذ أن أطلق الجيش عملية "كاسر الأمواج" في مارس/آذار 2022، بات لافتاً أن الجيش غيَّر من شكل استراتيجيته في التعامل مع الخلايا العسكرية، فباتت جهوده مركزة على قتل واغتيال المقاومين بدلاً من اعتقالهم.
يقول ياسر مناع، الخبير في الشؤون الإسرائيلية من مدينة نابلس، لـ"عربي بوست" إن "إسرائيل أدركت أن من يقود خلايا العمل المقاوم حالياً في جنين ونابلس كانوا سابقاً أسرى معتقلين لدى إسرائيل، وتم الإفراج عنهم بعد انتهاء فترة اعتقالهم".
وأضاف المتحدث أن "أسلوب الاعتقال لم يعد رادعاً أمام عودتهم للعمل العسكري، بل سيشكل حافزاً لهم للانتقام من إسرائيل، لذلك يأتي قرار التصفية الجسدية كشكل من أشكال تحييد الخطر المحتمل".
وأضاف المتحدث أن "هنالك من يرى في إسرائيل ضرورة العمل على كيّ وعي الشارع الفلسطيني، لذلك نرى أساليب واستراتيجيات تحمل في مضمونها ضرب الحاضنة الشعبية".
وأشار المتحدث إلى أن إسرائيل لجأت إلى أساليب "فرض الحصار المشدد على مداخل ومخارج المدينة، وفرض حظر التجوال، وسحب التصاريح من أقارب ومنفذي العمليات، وهدم المنازل، والتنكيل بجثث الشهداء".
ضعف السلطة يزيد من الضغط الإسرائيلي
لعل أبرز ما يثير الانتباه في الأيام الأخيرة أن إسرائيل باتت تتعامل مع الحالة الأمنية المتصاعدة في الضفة الغربية بشكل منفرد دون الرجوع للسلطة، التي تعاني من تراجع في شعبيتها.
هذا الأمر أثَّر على فقد السلطة الفلسطينية لقدرتها على ضبط الأمن أو ممارسة صلاحياتها في تحييد أفراد الأجهزة الأمنية أو مناصري حركة فتح من الانخراط في هذا العمل المقاوم.
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه وسائل إعلام إسرائيلية أن منسِّق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان بعث برسالة لعباس يُطالبه فيها بالتحرك الميداني الفوري لإعادة الأمن للمناطق الفلسطينية، لأن صبر إسرائيل بدأ ينفد.
وأدت السياسة الإسرائيلية الجديدة في التعامل مع الضفة الغربية إلى إحراج السلطة؛ إذ طالب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل لوقف سياسة الاقتحامات اليومية للمناطق (أ) الخاضعة لسيطرة السلطة، إلا أن إسرائيل رفضت هذا الطلب.
طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، قال لـ"عربي بوست" إن "ما يقلق إسرائيل أنها اضطرت للشهر السادس على التوالي للدخول في مواجهة مع خلايا عسكرية تخوض معها حرب العصابات".
وأشار عوكل إلى أن هذه الخلايا من أبناء الأجهزة الأمنية، وبالتالي لا يمكن للسلطة أن تدخل في مواجهة مباشرة مع كوادرها ومناصريها؛ لأن ذلك يعني انهيارها والدخول في صراعات داخلية مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس عباس".