قال موقع Middle East Eye البريطاني في تقرير نشره الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن الجالية الإسلامية في مدينة سلفادور بولاية باهيا البرازيلية، تضغط على جامعة هارفارد الأمريكية من أجل استعادة جمجمة رجل مستعبد يُزعم أنه شارك في ثورة مشهورة للمسلمين الأفارقة في المدينة عام 1835.
تعد هذه الجمجمة واحدة من مجموعة رفات بشري تحتفظ به جامعة هارفارد لـ19 شخصاً من أصل إفريقي كانوا مستعبدين على الأرجح في الأمريكتين.
متحف في هارفارد يحتفظ بجمجمة لأحد السكان الأصليين
يحتفظ متحف بيبودي ومتحف وارنز التابعان لجامعة هارفارد، أيضاً بمجموعة رفات لـ6500 شخص من السكان الأمريكيين الأصليين، وواجه منذ عقود ضغوطاً في الولايات المتحدة لإعادتها جميعاً إلى مجتمعات السكان الأصليين أو أحفادهم.
وفقاً للصحيفة الطلابية The Harvard Crimson، وافقت الجامعة في سبتمبر/أيلول 2022 على إعادة الرفات، لكنها لم تنشر حتى الآن أية تفاصيل حول العملية.
من جانبها، تخطط الجالية المسلمة في باهيا، التي بدأت حملتها في سبتمبر/أيلول، في الوقت الراهن للتواصل مباشرة مع جامعة هارفارد من خلال المركز الإسلامي ومركز نيجيريا الثقافي في سلفادور.
يذكر أنه وفي عام 1835، خرج 600 مسلم إفريقي- بعضهم كان محرراً، لكن غالبيتهم كانوا مستعبدين- إلى شوارع سلفادور وقاتلوا الجنود وحاولوا السيطرة على المدينة والريف المحيط بها.
أسفرت ليلة القتال عن وفاة 70 رجلاً من "الماليز"، وهي كلمة كانت تستخدم لوصف المسلمين الأفارقة في باهيا خلال القرن التاسع عشر، وهي مشتقة على الأرجح من كلمة "إيمالي"، التي تعني "مسلم" في لغة شعوب اليوروبا الإفريقية. سُجن حوالي 500 شخص وجُلدوا ثم رُحِّلوا. ويفترض أن الجمجمة تعود إلى رجل تعرض لجروح خلال القتال وتوفي في المستشفى.
ثورة مسلمي البرازيل
فيما عرف جواو خوسيه رايس، المؤرخ البارز في البرازيل والخبير في تاريخ ثورة الماليز، أو ثورة مسلمي البرازيل، عن هذه الجمجمة الموجودة في هارفارد للمرة الأولى في وقت سابق من هذا العام.
من جانبه، قال رايس خلال حديثه مع موقع Middle East Eye: "تقول سجلات الجمجمة إن ذلك الشخص شارك في الثورة بوصفه قائداً، وإنه اصطُحب إلى المستشفى بعد تعرضه لجروح".
في حين تقول جامعة هارفارد إن المواطن الأمريكي جيديون تي سنو، الذي عاش في البرازيل خلال القرن التاسع عشر، أرسل الجمجمة إلى بوسطن، حيث جرى التبرع بها- قبل عام 1947- إلى جمعية بوسطن لتطوير الطب. وفي عام 1889، أدرج متحف وارن التشريحي المجموعة ضمن مقتنياته.
في الوقت نفسه يجادل رايس، وهو أستاذ لدى الجامعة الاتحادية في باهيا، بأن جامعة هارفارد يجب عليها أن تستخدم الحمض النووي للجمجمة لتحديد الأصول العرقية لصاحبها، من أجل الأغراض البحثية وأيضاً من أجل الجالية المسلمة في ولاية باهيا.
ثورة الماليز
في سياق متصل، تحمل ثورة الماليز أهمية جوهرية بالنسبة لمسلمي باهيا منذ العقود الثلاثة الماضية.
من جانبه، قال أحمد علي الصيفي، أحد منظمي الجالية المسلمة البارزين في البرازيل الذي ولد في لبنان ويعيش في مدينة ساو برناردو دو كامبو بولاية ساو باولو البرازيلية: "سمعنا عن الماليز وعرفنا أن هناك وثائق عنهم في باهيا. سافرت إلى هناك في نهاية الثمانينيات وقابلت خبراء في تاريخهم".
فبعد مدة وجيزة، دعا الصيفي مصباح أكاني، الطالب النيجيري المبتعث الذي يعيش في سلفادور، من أجل دراسة الماليز والمساعدة في تنظيم مسلمي المنطقة الذين لا يملكون مجتمعاً محلياً راسخاً.
قال أكاني: "المرة الأولى التي سمعت فيها عن الماليز كانت في الجامعة في نيجيريا، خلال محاضرات أستاذ برازيلي زائر". وأضاف: "الثورة ملهمة للبرازيليين الفقراء أصحاب البشرة السمراء. إنها تجعل كثيرين منهم يشعرون بالفخر".
من ناحية أخرى، تشير تقديرات رايس إلى أن عدد المسلمين الأفارقة في المدينة بلغ حينها ما بين 3300 و4400 شخص.
ظروف الحياة الرهيبة
كانت أسباب الثورة عديدة، بداية من الظلم المتأصل في الاسترقاق ومروراً بظروف الحياة الرهيبة التي يعيش فيها المستعبدون، ووصولاً إلى غياب الحراك الاجتماعي في باهيا بين الأشخاص المحررين ذوي الأصول الإفريقية.
الأكثر من ذلك أن البرازيل لم تلغ الرق حتى عام 1888، وكانت المسيحية الكاثوليكية هي ديانة الدولة، مما يعني أن الماليز كانوا يواجهون صعوبات دائماً لأداء شعائر عقيدتهم الإسلامية.
فيما قال أكاني: "الماليز كانوا مثقفين، فقد كان كثير منهم متعلمين، وكثير من أصحاب البشرة البيضاء لم يكونوا كذلك. عقيدتهم أسهمت في الثورة، نظراً إلى أن الإسلام لا يقبل أن يُستعبد الرجل على يد رجل آخر".
من جانبه، قال فالديمار أوليفيرا، طالب الدكتوراه في جامعة نيويورك الذي يبحث في تاريخ الجالية المسلمة بالمدينة، إن استعادة الجمجمة "يمكن أن تساعد في تعزيز دور الماليز في سلفادور. ويمكن أن تكون طريقة للجالية المسلمة الحالية كي تقول إن هزيمة الماليز في القرن التاسع عشر لم تجسد نهاية تجربة المسلمين الأفارقة في باهيا".
فيما قالت هانا بيليني، باحثة ما بعد الدكتوراه في الجامعة الاتحادية في باهيا التي تدرس أيضاً تاريخ الجالية المسلمة في سلفادور، إن الذكور المسلمين لم يحظوا بمراسم الدفن الملائمة في عام 1835.
أوضحت في حديثها مع موقع Middle East Eye: "إعادة الجمجمة لن تمثل مجرد إجراء مهم للتعويض من جانب هافارد، بالنظر إلى تاريخها الحافل بالتورط في العنصرية العلمية. بل إنها ستكون أيضاً طريقة لتصحيح ممارسة عنيفة للغاية، بالنسبة للمسلمين، وهي عرض الرفات البشري في المعارض".
كذلك يعرب الشيخ المحلي المولود في نيجيريا عبد الأحمد، عن قلقه من احتمالية وصول الجمجمة في نهاية المطاف إلى متحف برازيلي. وقال: "بمجرد وصول الجمجمة إلى البرازيل، يجب أن نقدم لها المراسم الجنائزية الملائمة وندفنها. جسم الإنسان ببساطة ليس أحد المقتنيات التي تعرض في المتاحف".