قبل أيام، نقلت وسائل إعلام معلومات عن قرب التوصل لاتفاق نهائي بين السلطة الفلسطينية ومصر، بموجبها سيتم منح الشركة المصرية القابضة للغازات "إيجاس" حق الامتياز لتطوير واستخراج الغاز في شواطئ غزة من حقل مارين قبالة الساحل، بعد حصولها على 45% من حقوق الحقل.
في المقابل، سيحصل الجانب الفلسطيني على 55% من الحقل، مناصفة بين صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين.
يتمثل السؤال هنا في دور إسرائيل في هذه الصفقة، وطبيعة المكاسب التي ستعود عليه مقابل الموافقة على تمرير هذا الأمر.
مكاسب إسرائيل الاستراتيجية من التنقيب على الغاز في شواطئ غزة
كشف مصدر في هيئة الاستثمار الفلسطيني لـ"عربي بوست"، أن السلطة الفلسطينية تلقت عرضاً من الإدارة الأمريكية، نقله حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في زيارته الأخيرة لواشنطن، يجري دراسته بشكل حثيث داخل مؤسسات السلطة.
يتضمن الاقتراح الأمريكي "منح إسرائيل الحق الكامل في إبرام عقود بيع الغاز الطبيعي المستخرجة من حقل غزة للأطراف الدولية لمدة 5 سنوات، لحين انتهاء أزمة الطاقة في أوروبا، على أن يعاد التفاوض حول ما تبقى من حقل مارين، بشروط سيكون للجانب الفلسطيني كامل الحق في تعديلها".
يأتي هذا كون اتفاق باريس الاقتصادي يقيد عمل السلطة فيما يخص التصرف بحرية في عقود الطاقة مع الأطراف الدولية.
وأضاف المصدر أنه سيتم منح الجانب الفلسطيني 10% من حقوق بيع الغاز كإيرادات مالية صافية، على أن تقوم إسرائيل بتحصيل ما يتم بيعه وتحوله شهرياً ضمن إيرادات المقاصة لميزانية السلطة.
والنسبة المتبقية من حصة الجانب الفلسطيني التي ستنخفض لـ45%، سيتم بموجبها خصم ديون الكهرباء المستحقة لإسرائيل على السلطة التي بلغت نصف مليار شيكل (150 مليون دولار)".
علاوة على ذلك ستقوم إسرائيل بخصم ما يُعرف بصافي الاقتراض، وهي تكلفة بيع خدمات المياه العذبة ومعالجة الصرف الصحي التي تبلغ قيمتها مليار شيكل سنوياً (300 مليون دولار) من إيرادات بيع الغاز التي ستبيعها إسرائيل للدول الأوروبية نيابة عن السلطة.
كما "ستتعهد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ودولة قطر بالشروع في تحويل محطات توليد الطاقة الكهربائية في غزة وجنين، لتعمل بالغاز الطبيعي"، حسب المصدر.
إذ سيتم تمويل هذا المشروع بقيمة 250 مليون دولار، وسيتضمن مد خط أنابيب لنقل الغاز من مصافي التكرير في حيفا ونقلها لمحطة جنين، ومن مصافي عسقلان ونقلها لمحطة غزة، على أن يتم منح السلطة امتيازاً ببيع الغاز للمستهلكين في السوق الفلسطيني بسعر تفضيلي بهامش 15-20% أقل من الأسعار الجارية، وأن يكون للسلطة حق التصرف بهذه الفروقات كدخل إضافي للميزانية العامة.
حقل مارين
يعد حقل مارين الأول من حيث اكتشافات حقول الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، فقد جرى اكتشافه عام 1999، إلا أن اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وسيطرة إسرائيل على الحدود البحرية أعاقا عملية تطوير الحقل منذ ذلك التاريخ.
وحقل مارين هو واحد من 4 حقول يقع في الحدود الاقتصادية قبالة سواحل غزة، يضم احتياطات تقدر بـ1.1 مليار قدم مكعبة، ما يوازي (32 مليار متر مكعب)، أما الحقول الثلاثة الأخرى، وهي حقول ماري بي، وحقل نوا، وحقل المنطقة الوسطى، فخضع جزء كبير منها للتطوير من قبل شركات الاستخراج الإسرائيلي.
وأثارت أزمة وقف روسيا لإمدادات الغاز للقارة الأوروبية، شهية إسرائيل لتحتل صدارة الدول في توريد الغاز على مستوى الشرق الأوسط، فأنهت قبل أيام اتفاقاً مع لبنان لترسيم الحدود، وصفه رئيس الوزراء يائير لابيد بالتاريخي، والآن تحاول أن تسير على ذات المسار فيما يخص تطوير حقول الغاز في بحر غزة.
إشكاليات قد تعيق تطبيق الاتفاق
جعفر صدقة، محرر الشؤون الاقتصادية في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، قال لـ"عربي بوست" إن منح إسرائيل الضوء الأخضر لبدء المفاوضات بين مصر والسلطة لتطوير حقل مارين، "لم يكن نابعاً من حسن النوايا الإسرائيلية"، فرغم الترويج بقرب التوصل لاتفاق بين صندوق الاستثمار وشركة إيجاس، فإن إشكاليات جمة قد تفجر الخلافات وتعيد الأمور للمربع الأول.
من بين نقاط الخلاف التي لا تزال عالقة مسألة كيفية إمداد محطات الكهرباء في جنين وغزة بالغاز الطبيعي، وهل سيمر الغاز عبر الأنابيب الإسرائيلية. فالمفاوض الفلسطيني يرى هذه المسألة بالغة الأهمية؛ لأن إسرائيل قد تقطع إمدادات الغاز، حال أرادت الضغط على السلطة لأي سبب كان.
المسألة الأخرى، وفقاً للمتحدث هي تسعيرة الغاز، لأن إسرائيل قدمت سابقاً عرضاً وتم رفضه من قبل الفلسطينيين وهو السعر التفضيلي، وتعيد الآن طرحه ليتحول فارق الأسعار كإيراد إضافي للموازنة العامة، في استغلال واضح للأزمة المالية الراهنة للسلطة.
بالإضافة لمسألة الكيفية التي سيتم من خلالها تحويل إيرادات بيع الغاز لموازنة السلطة، لأن هناك اشتراطات معينة في اتفاق باريس الاقتصادي تتطلب موافقة إسرائيل حين تحول الأموال لخزينة السلطة.
وبالتالي جاء الاقتراح الإسرائيلي بدمج إيرادات بيع الغاز كجزء من أموال المقاصة، وهذه المسألة تتم دراستها بشكل حثيث للوصول لصيغة آمنة تسمح بمرور الأموال دون اقتطاع.
حماس والتلويح بالخيار العسكري
تراقب حماس عن كثب ما يجري من مفاوضات بين الأطراف الإقليمية، فالحركة أبدت للمرة الأولى تحدياً بضرورة ألا يتم تحييد غزة عن أي اتفاق إقليمي أو دولي بشأن حقول الغاز قبالة سواحلها.
لوّحت الحركة باللجوء للخيار العسكري، تكراراً لنموذج المفاوضات الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وبالتالي قد تجد إسرائيل والسلطة الفلسطينية نفسها أمام عودة للمربع الأول حال لم تقبل حماس بشروط الاتفاق.
في هذه الحالة سيبقى حقل مارين معطلاً، ما قد يضع إسرائيل في مأزق قد يجبرها على التفاوض مع حماس، كون السلطة لا تمتلك سيادة داخل غزة.
عاطف عدوان، القيادي في حماس ومقرر اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي قال لـ"عربي بوست" إن حماس كانت قد أعلنت سابقاً أنها لن تقبل بأي اتفاق لا تكون غزة جزءاً منه، وبالتالي هذا موقف يجب أن تضعه السلطة ومصر بعين الاعتبار، لأن الحركة ستدافع عن هذه الحقول، حتى لو كلف ذلك مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
وأضاف "نحن ندير هذا الملف بثلاث مستويات، سياسي عبر إجراء اتصالات مع الدول الصديقة للتأكيد على أحقيتها في موارد الطاقة، والثاني قانوني لتدويل القضية ومحاولة البحث عن صيغة يمكن تقديمها للأطراف الدولية لاستخراج الغاز من مياهنا الاقتصادية".
أما المستوى الثالث فهو الخيار العسكري الذي "لن نتردد في استخدامه حال قبلت السلطة أو إسرائيل بالقفز عن حماس بأي اتفاق قد يُبرم لاحقاً" على حد قوله.
وأوضح أن رؤيتهم تتمثل في أن تحول إيرادات بيع الغاز على هيئة مشاريع تشغيلية داخل القطاع، وأن تقلل من تكلفة استيراد الطاقة التي تتصدر فاتورة الاستهلاك بالنسبة للمواطنين.
وتسعى الحركة وفق العدوان للاستفادة من هذه الثروات في تطوير العمل الحكومي وزيادة نسبة الرواتب للموظفين، الذين لم يتقاضوا راتباً كاملاً منذ 10 سنوات.