قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية في تقرير نشرته، الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن مشروع نيوم العملاق في السعودية يدفع لكبار الرؤساء التنفيذيين حوالي 1.1 مليون دولار سنوياً لكل مدير منهم، وذلك حسبما كشفت وثيقة داخلية لمشروع نيوم، مما يعرض كيفية استخدام المملكة حِزم الأجور الضخمة لإغراء المواهب العالمية لتنفيذ خطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتعلقة ببرنامج التحول الوطني.
تستهدف جهود انتداب المواهب العالمية الدفع لانطلاق خطة بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة، التي تعد أكبر مُصدِّر للنفط في العالم. وفي إطار هذا التحول، يخفف ولي العهد البالغ من العمر 37 عاماً، القيود على النساء ويسهل السفر إلى المملكة. وفي غضون ذلك، يقمع المعارضة ويسجن من يعارضون خططه.
أجور مرتفعة لمديري مشروع نيوم
أوضحت الصحيفة أن متوسط الأجور في مشروع نيوم، الذي يبلغ 1.1 مليون دولار سنوياً بالنسبة للرؤساء التنفيذيين، ذُكر بالتفصيل في قائمة داخلية لأجور الوظائف المختلفة. ويُقارَن هذا الرقم بمتوسط رواتب 2021 الذي يبلغ 830 ألف دولار سنوياً للرؤساء التنفيذيين في أكبر ثلاثة آلاف شركة مسجلة في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات لشركة MyLogIQ LLC، التي تتبع السجلات العامة. وتظهر البيانات أيضاً أن هذا المتوسط الذي يُدفع لرؤساء نيوم يبلغ أكثر من ضعف ما يحصل عليه الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون في المعتاد، إذ يحصل كبار المسؤولين الماليين الأمريكيين على 486 ألف دولار سنوياً، فيما يحصل كبار مسؤولي التسويق على 416 ألف دولار في المتوسط.
يمكن أيضاً أن يصل إجمالي الأجور للمسؤولين التنفيذيين الأمريكيين إلى ملايين الدولارات بعد إضافة المكافآت والحوافز الأخرى. قال أشخاص مطلعون على المشروع إن مبلغ الـ1.1 مليون دولار المتحصل عليه في المتوسط لهذه الفئة من المسؤولين في نيوم، يشكل الأجر الأساسي، ويحصل هؤلاء المسؤلون على مكافآت أيضاً.
20 مسؤولاً سعودياً وأجنبياً
يتألف فريق كبار القادة في نيوم من حوالي 20 مسؤولاً سعودياً وأجنبياً، وتتوزع مجالات خبراتهم بين الخدمات المالية والتسويقية والإعلامية وخدمات الطاقة، وذلك وفقاً لعرض تقديمي تسويقي لنيوم اطلعت عليه صحيفة The Wall Street Journal وأشخاص مطلعون على الوضع الداخلي للمشروع.
يتضمن هؤلاء بيتر تيريوم، الرئيس التنفيذي السابق لشركة الطاقة الألمانية RWE AG، ويرأس الآن قطاعات الطاقة والمياه والغذاء في نيوم؛ وفيشال وانشو، الرئيس والرئيس التنفيذي السابق لقسم جنوب آسيا في شركة جنرال إلكتريك، ويدير الآن قطاع التصنيع في نيوم؛ وتيم شوروكس، كبير مسؤولي التسويق، الذي عمل في السابق مديراً في مجموعة خدمات أمازون ويب. كذلك يرأس جوزيف برادلي، المسؤول السابق في شركة سيسكو سيستمز، قسم التكنولوجيا الرقمية في نيوم.
في سياق متصل، يقول وكلاء التوظيف إن أحد أكبر عوامل الجذب إلى العمل في السعودية بالنسبة للمغتربين هي إمكانية تحويل إجمالي المبالغ التي يربحونها إلى بلادهم؛ إذ إن الضرائب على الدخل في المملكة تساوي صفراً%. وكثير من الموظفين تجذبهم فكرة تأسيس صناعات وشركات جديدة كلياً في بلد كان منعزلاً تماماً في الماضي، ويشهد الآن انفتاحاً اقتصادياً واجتماعياً.
بناء نظام طاقة متجددة
من جانبه، قال تيريوم في حديثه مع صحيفة The Wall Street Journal: "نحن في غنى عن القول بأن بناء نظام طاقة متجددة بنسبة 100% من الصفر، وبناء أكبر مصنع هيدروجين في العالم، يشكلان حافزاً أكبر من الراتب الفعلي المدفوع".
لم يرد القائمون على مشروع نيوم وكذلك لم يرد المسؤولون التنفيذيون المذكورون في السطور السابقة على طلبات الصحيفة للتعليق. ويقول المشروع على موقعه الرسمي: "تجمع نيوم ألمع العقول في العالم لتحقيق حلم بناء مستقبل أفضل".
في سياق متصل، تتنافس السعودية على جذب العمال ذوي الياقات البيضاء مع جارتها الإمارات، التي نجحت منذ بداية الجائحة في جذب مزيد من المواهب من مراكز أعمال راسخة مثل هونغ كونغ وسنغافورة.
بحسب قائمة المواقع الوظيفية التي اطلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal، يحصل المديرون التنفيذيون في نيوم، وهو مستوى أدنى من الرؤساء التنفيذيين، على رواتب تقدر بـ660 ألف دولار سنوياً في المتوسط. أما المديرون، الذين تصل أعدادهم إلى العشرات في نيوم، فيحصلون في المتوسط على 270 ألف دولار سنوياً. ويحصل كبار الإداريين على 193 ألف دولار سنوياً في المتوسط، فيما يحصل الإداريون على 130 ألف دولار في المتوسط، وذلك وفقاً للقائمة المؤرخة بتاريخ العام الماضي. تتراوح خبرات الإداريين وكبار الإداريين بين عامين وثمانية أعوام، وهو ما يظهر في موقع الوظائف الخاص بنيوم.
البطء في إحراز التقدم
بالرغم من هذه الرواتب، يكافح مشروع نيوم من أجل الإبقاء على الموظفين، فكثير منهم يشعر بخيبة أمل بسبب البطء في إحراز التقدم وثقافة العمل العدوانية.
اطلعت الصحيفة على تسجيل لاجتماع سابق لنظمي النصر، الرئيس التنفيذي لمشروع مدينة نيوم، قال فيه: "أقود الجميع كالعبيد.. عندما يسقطون ميتين، أحتفل. هكذا أنفذ مشروعاتي". ولم يرد القائمون على مشروع نيوم على طلبات للتعليق على كلمات النصر.
من جانبه، يشغل ريان فايز منصب نائب نظمي النصر في نيوم، وكان سابقاً الرئيس التنفيذي لأحد أكبر البنوك في السعودية. لم تستطع صحيفة The Wall Street Journal معرفة قيمة أجور المسؤولين السعوديين في المشروع العملاق.
تصل أجور الموظفين المبتدئين في نيوم إلى حوالي 54 ألف دولار سنوياً، مما يشير إلى أن المشروع يرغب في رفع الأجور للموظفين ذوي الخبرات في المجالات المختلفة، أكثر من رغبته في دفع أجور مرتفعة للموظفين الذين يؤدون أعمالاً أدنى.
من خلال المقارنة، ارتفعت الرواتب في شركات شارع وول ستريت والشركات الاستشارية الرائدة بالنسبة لحديثي التخرج، وبعضهم يحصل على فرص عمل في وظائف يحصلون فيها على 100 ألف دولار سنوياً في الولايات المتحدة.
وظائف شاغرة
يعلن نيوم حالياً عن وجود 79 وظيفة شاغرة عبر الموقع الرسمي للمشروع، وهي وظائف تتنوع بين مهندس اتصالات ومدير استثمار في مجال الأزياء، ورئيس خدمات مصرفية.
قال الأشخاص المطلعون على عملية التوظيف في نيوم إن المشروع الآن يعرض رواتب استناداً إلى الرواتب السابقة للمرشحين للوظائف، مما يعني أن العمال الذين يؤدون أدواراً مماثلة قد تكون الفجوة في الرواتب بينهم كبيرة استناداً إلى البلاد التي كانوا يعملون فيها.
في حين يقول أشخاص مطلعون على المشروع إن موقعه في منطقة نائية شمال غربي السعودية، حيث ينام الموظفون في خيام مؤقتة، يشكل ميزة مالية أخرى للموظفين. إذ إن المشروع يتكفل بأماكن الإقامة في كبائن تشبه المنازل المتنقلة، ويُوفر الطعام في مطاعم المشروع، مما يعني أن الموظفين ينفقون القليل من الأموال التي يكسبونها.