لم تكن مصر واليونان وحدهما من اعترضتا على الاتفاق الليبي التركي المبدئي الذي وقّعه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، مع تركيا، والمتعلق بالتنقيب عن الغاز والنفط، بل أبدى البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً له، ويدعم حكومة بديلة برئاسة فتحي باشاغا، اعتراضه على هذه الاتفاقية، لكن لأسباب مختلفة.
فقد قال البرلمان إن الاتفاق الذي أبرمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية مرفوض وغير قانوني؛ نظراً لانتهاء ولاية الحكومة قانوناً، وانعدام أي إجراء تتخذه منذ انتهاء ولايتها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية الليبية وقعت اتفاقاً مبدئياً مع تركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز، وهو الأمر الذي سرعان ما اعترضت عليه اليونان ومصر لرفضهما أي نشاط في "المناطق المتنازع عليها" شرق البحر المتوسط.
داخلياً، فتحت هذه الاتفاقية الباب لجدل واسع في البلاد، نحاول في هذا التقرير توضيح تأثير الاتفاقية على الوضع الداخلي في ليبيا، في ظل حالة الانقسام التي تشهدها البلاد، ووجود حكومتين متصارعتين فيها.
لا أحد يعلم بنود الاتفاق
السياسي أبو بكر القطراني، رئيس حزب التفاؤل، قال لـ"عربي بوست" إن الحكومة مسحوب منها الثقة من البرلمان، ولذلك فإن الاتفاقية لا تمثل الدولة الليبية ولا تمثل الشعب.
وأضاف: "إذ كان مجلس النواب لديه رغبة حقيقية في رفض الاتفاقية فعليه أن يرفضها مع المجلس الأعلى للدولة"، لكن الخوف من أن يتعرض المجلس لضغوطات وتصبح الاتفاقية أمراً واجب النفاذ بحكم الأمر الواقع، على حد قوله.
وذكر القطراني أنه من حيث طبيعة الاتفاقية فإن هناك من يؤيد هذه الاتفاقية، وهناك من يرفضها، لكن يجب أن يكون هناك توضيح من متخصصين في القانون الدولي عن مدى أهمية هذه الاتفاقية لليبيين، والضرر الذي من الممكن أن يقع عليهم من ورائها.
وقال: "أنا لا أنتقد الاتفاقية من منطلق هل هي مع الليبيين أم ضدهم، لكنني أرفضها من حيث إن الحكومة الموقعة غير شرعية أصلاً، فإن كانت الاتفاقية في صالح الليبيين فينبغي أن يوضح هذا الأمر".
وأضاف: "يجب أن تكون هناك حكومة شرعية، بحيث تنال الاتفاقية موافقة إن كانت في صالحنا، وتُرفض إن لم تكن تصب في مصلحة الشعب الليبي".
صلاح البكوش، المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة، قال لـ"عربي بوست"، إنه من المهم أن نقول إنه لا أحد لديه نص الاتفاقية حتى يمكن أن نحكم عليها أو نعلق عليها باستفاضة وبدقة.
وأضاف أن هذه الوثيقة أساساً ليست اتفاقية، لكنها مذكرة تفاهم، ومذكرة التفاهم تعني أن الطرفين لديهما نية في التوصل إلى شيء ما حول اتفاقية معينة، بينما الاتفاقية لها بنود والتزامات محددة، وتكون تفصيلية أكثر وجدية بشكل أكبر.
اتفاقية في صالح الدبيبة
أوضح البكوش أن هذه المذكرة تمثل "التزاماً من تركيا بدعم حكومة الوحدة الوطنية في حالة الكر والفر بينها وبين عقيلة صالح وباشاغا"، على حد تعبيره.
وأضاف أن هذه الاتفاقية لصالح حكومة الوحدة الوطنية، خاصة بعدما رجحت مع اجتماع السيسي مع أمير قطر، لأن الاثنين اتفقا على بقاء حكومة الوحدة الوطنية مقابل تغيير المجلس الرئاسي، على حد قوله.
ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط، وهو ما يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي.
مصر واليونان.. زخم في ليبيا
أما بالنسبة للشارع، فيرى أن هذه القضية ستختفي بعد عدة أيام، وستأتي قضية أخرى للحديث عنها في الشارع الليبي.
من جهته، يرى عبد السلام الراجحي، مدير مركز أسطرلاب للدراسات والبحوث، أن رفض اليونان ومصر أعطى الاتفاقية زخماً شعبياً.
كما أوضح في حديثه لـ"عربي بوست" أن التصريحات التي قالها وزير النفط التابع لحكومة الوحدة، أحدثت "ربكة" أثرت على القبول الشعبي للاتفاقية، لأن الناس ليس لديهم تفاصيل عن الاتفاق.
من هنا، جاءت التصريحات الأخيرة التي صدرت من الخارجية اليونانية والمصرية لتعطي زخماً شعبياً، ويعتقد جزء من الليبيين أن الاتفاقية تخدم الشعب الليبي بحكم أن مصر واليونان رفضتا الاتفاقية، على حد تعبيره.
ووفق الراجحي، فإن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي اعترض على الاتفاقية في إطار "المناكفات السياسية"، وهو ما أعطى ثقلاً إضافياً للاتفاقية، وقبولاً شعبياً حتى لو لم يكن الليبيون يعرفون بنود الاتفاق، على حد تعبيره.
وكانت أنقرة أبرمت اتفاقية تعاون عسكري وأمني، ثم اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرّها طرابلس.
في أغسطس/آب 2020، ردَّت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.
وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا، منذ مارس/آذار، الأولى هي حكومة طرابلس، التي تأسست عام 2021 كجزء من عملية سلام برعاية الأمم المتحدة، والثانية يقودها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، وبدعم من جانب حفتر.