خصصت ألمانيا الخميس 29 سبتمبر/أيلول 2022 مبلغاً قدره 200 مليار يورو (194 مليار دولار) لحماية العائلات والأعمال التجارية من تداعيات الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، في وقت تجد أكبر قوة اقتصادية في أوروبا نفسها في "حرب طاقة مرتبطة بالازدهار والحرية" ضد روسيا.
المستشار الألماني أولاف شولتز، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، تعهّد بأن "الحكومة الألمانية ستبذل قصارى جهدها لخفض الأسعار"، معلناً عن تحديد سقف لأسعار الكهرباء والغاز وعن خطة للاستفادة من الأرباح الكبيرة التي حققتها شركات الطاقة التي لم تتأثر بشكل كبير بارتفاع أسعار الغاز.
وصُمم الصندوق لضمان تمكن ألمانيا من مواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار "هذا العام والعام المقبل والذي بعده"، بحسب شولتز.
تأتي خطوة برلين في وقت ارتفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 70 عاماً ليبلغ 10% في سبتمبر/أيلول، بحسب بيانات رسمية، مدفوعاً بازدياد أسعار الطاقة.
كما يتوقع أن تشهد البلاد ركوداً عام 2023، مع توقعات بوصول ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى 8.8% سنوياً، بحسب ما ذكرت معاهد اقتصادية بارزة.
وشهدت ألمانيا، التي تعتمد على واردات الوقود الأحفوري من روسيا لسد احتياجاتها من الطاقة، ضغوطاً شديدة، بينما رفع تراجع الإمدادات من موسكو أسعار الوقود.
إذ قال وزير المال الألماني كريستيان ليندنر: "نجد أنفسنا في حرب طاقة مرتبطة بالازدهار والحرية"، مشيراً إلى أن حماية المستهلكين من الفواتير المرتفعة يمثّل "رداً واضحاً للغاية على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين مفاده.. أننا أقوياء اقتصادياً".
خطة لدعم العائلات
ولفت شولتز إلى أن الحماية من الأسعار المرتفعة ضرورية من أجل "المتقاعدين والعمال والعائلات.. وأيضاً للخبازين والحرفيين أو المعامل الصناعية الكبيرة الي تعتمد على إمدادات الكهرباء والغاز". وتراجعت ثقة الأعمال التجارية والمستهلكين بشكل حاد في الأشهر الأخيرة في وقت تستعد ألمانيا لركود خلال الشتاء.
وإلى جانب ارتفاع فواتير العائلات، أُجبرت بعض الأعمال التجارية على خفض إنتاجها أو الإبقاء على عملياتها، مع تسجيل خسائر في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة.
وأفادت الحكومة في بيان بأن على سقف أسعار الغاز أن يغطي "ولو جزءاً" من الغاز الذي تستخدمه العائلات والأعمال التجارية مع "المحافظة على حافز يدفع لخفض استخدام الغاز" خلال الشتاء نظراً إلى أن الإمدادات محدودة.
وبالطريقة ذاتها، ستعمل الحكومة من أجل وضع حد لأسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلكين عبر الاستفادة من الأرباح التي حققتها شركات الطاقة التي استفادت من ارتفاع أسعار الغاز لكنها لا تستخدمه لتوليد الطاقة.
وقبيل الإعلان، حذّر محللون من أن تحديد سقف كامل للأسعار لن يترك للمستهلكين سبباً يدفعهم لخفض الاستهلاك، في وقت تحض الحكومة العائلات على توفير الطاقة بأكبر قدر ممكن خلال الشتاء.
وتستخدم شقة من كل اثنتين في ألمانيا الغاز للتدفئة، بينما أظهرت أرقام الخميس أن الاستهلاك الوطني يتجاوز المعدل المعتاد لهذه الفترة من السنة.
وحذر مدير وكالة الشبكة الفيدرالية كلاوس مولر من أنه "من دون خفض كبير، بما في ذلك في المساكن الخاصة، سيصعب تجنّب نقص في الغاز".
ضريبة الغاز
كما أعلن شولتز أيضاً أن الحكومة ستلغي ضريبة مثيرة للجدل على الغاز سمحت لشركات الطاقة بتحميل المستهلكين عبء ارتفاع الأسعار والمحافظة على استقرار أعمالها التجارية.
وتحرّكت ألمانيا لدعم سوق الطاقة، إذ أعلنت تأميم شركة "يونيبر" التي كانت إحدى أكبر الجهات المستوردة للغاز الروسي.
ولم يتم التوصل إلى اتفاق على تمويل الحزمة الجديدة إلا بعد سجالات استمرت لأسابيع ضمن الائتلاف الثلاثي المكوّن من حزب شولتز "الاشتراكي الديموقراطي" و"الخضر" و"الحزب الديمقراطي الحر" (ليبرالي).
وسيتم ضخ مبلغ 200 مليار يورو في صندوق للاستقرار الاقتصادي خارج موازنة الحكومة الرئيسية، ما يسمح للحكومة بالالتزام بقواعد الديون المنصوص عليها دستورياً، التي تحد أي عجز عام، وهو خط أحمر بالنسبة لليندنر، زعيم الحزب الديمقراطي الحر.
وقال: "نرغب عبر هذه الإجراءات ببعث رسالة واضحة إلى أسواق رأس المال مفادها أنه حتى عندما نستخدم درعاً من هذا النوع، ستحافظ ألمانيا على سياستها المالية التي تركز على الاستقرار. تبقى السندات الألمانية معياراً ذهبياً على مستوى العالم".
وعلى مدى الشهور الأخيرة، سارعت ألمانيا أيضاً للبحث عن مصادر طاقة جديدة لخفض الطلب على الغاز.
وفي وقت سابق هذا الشهر، ذكرت الحكومة أنها ستبقي محطتين نوويتين قيد التشغيل لفترة تتجاوز نهاية العام لدعم شبكة الكهرباء، وشكّل القرار تحوّلاً كبيراً، إذ وافق الخضر المناهضون تقليدياً للطاقة النووية على تأجيل خطط تعود إلى حقبة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل للتخلي عن الطاقة الذرية.