جاءت دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مفاجئة لجميع الفرقاء السياسيين والكتل البرلمانية والنواب، حين دعا لجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً لميشال عون، غداً الخميس، وذلك بعد أن كان رئيس المجلس يتريّث بتوجيه هذه الدعوة، إلى حين بروز حدّ أدنى من التوافق أو اكتمال الصورة الانتخابية.
وفي حين كان يفضل بري سابقاً عدم الدعوة إلى جلسة تقاطعها كتل نيابية ونواب مستقلّون فيتعذّر تأمين النصاب لانعقادها، إلّا أنّه عدل عن هذه المقاربة ودعا إلى جلسة يعلم مسبقاً أنّه من شبه المستحيل أن يحضر 86 نائباً لعقدها. فماذا تغيّر؟ وما الرسائل التي يوجهها بري من خلال هذه الدعوة؟ وإلى أي جهات؟
رداً على الكنيسة..
يشير مصدر حكومي في قوى 8 آذار لـ"عربي بوست" إلى أن بري تعهَّد بالدعوة إلى جلسة فور التصويت على الموازنة التي أُقرت مساء الإثنين، وأن بري أراد الرد على الانتقادات الضمنية التي وجهها له البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الكنسية يوم الأحد الماضي؛ حيث وصف الراعي "أي محاولة لعرقلة الانتخابات الرئاسية" بأنها تهدف إلى إسقاط الجمهورية.
يؤكد المصدر نفسه أن بري يسعى إلى الضغط على كل القوى حتى يتوصلوا إلى اتفاق حول اسم وسطي؛ خاصة أن الغالبية العظمى منهم الآن تؤيد فكرة انتخاب رئيس توافقي، وهذا ما عبَّر عنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي ترك الباب مفتوحاً لمثل هذا الاحتمال، بالإضافة لبيان دار الفتوى منذ يومين بعد اجتماع النواب السنَّة المدعوم من السفارة السعودية.
ضغط على عون وباسيل
يقول مصدر حكومي لـ"عربي بوست" إن هناك أسباباً أخرى لتوجيه بري هذه الدعوة في هذا التوقيت، وهي الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل؛ إذ إنّ ما ظهر من مطالب وشروط للسماح بتشكيل الحكومة يناقض الإيجابية التي كانت تُشاع حول الولادة الحكومية، خلال الأسبوع الماضي.
يعتقد المصدر أن السبب المباشر لدعوة بري إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، الضغط على عون وباسيل للقبول بالصيغة الحكومية التي جرى الاتفاق عليها بمبادرة حزب الله، بعد أن فرضا شروطاً ومطالب جديدة على مستوى الأسماء أو التعيينات والقرارات الحكومية التي تشترط على المعنيين الاتفاق عليها قُبيل تشكيل الحكومة.
فيما السبب الآخر، وفقاً للمصدر، يتمثل في رسالة يود بري توجيهها للدول الكبرى، وخاصة بعد البيان الثلاثي للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية لإظهار التزامه في المهل الدستورية، كذلك فمن المؤكد أنّ كتلة حركة أمل التي يرأسها بري ستحضر إلى جلسة الخميس، وكان رئيس المجلس قد أرسل إشارات بأنّ كتلته تلتزم العمل المؤسساتي والمواعيد الدستورية، بينما لا يلتزم بها آخرون محسوبون على دول وعواصم أخرى.
إحراج للأطراف؟
تشير الكاتبة والمحللة السياسية راكيل عتيق إلى أن بري يُحرِج القوى السياسية، لا سيما غير المستعدّين منهم لهذه الجلسة، والذين لم تنضج خياراتهم الرئاسية بعد، أكانوا حلفاء وأصدقاء كحزب الله أو الحزب التقدمي الاشتراكي، أو خصوماً ومعارضين كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فيعتبر أنّه يفضح باكراً معرقلي جلسة الانتخاب أمام الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي على حدٍّ سواء.
ترى عتيق أن فتح بري بهذه الدعوة الباب الرئاسي وضع الجميع أمام هذا الاستحقاق، لمقاربته جدياً وتسريع وتيرته، ربما للاستفادة من تسوية دولية تلوح في الأفق، وقد تنعكس على مستوى الرئاسة اللبنانية برئيسٍ توافقي أيضاً. وبالتالي، مهما كان مصير هذا الاستحقاق، يغسل بري يديه من جريمة تأخيره أو تأجيله إلى ما بعد المهلة الدستورية التي تنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحيث إذا حلّ الفراغ الرئاسي، يكون من غير المتسبّبين به، أقلّه شكلياً، إذ يكون "أدّى قسطه للعُلى" بالدعوة إلى جلسات انتخابية ضمن المواعيد الدستورية إضافةً إلى تلبية كتلته النيابية كلّ هذه الدعوات.
الكتل الأخرى حائرة
وكما توقع بري كانت الدعوة سبباً لإرباك الكتل البرلمانية؛ إذ دعت معظمها لاجتماعات، وهذا ما يرويه النائب في كتلة نواب التغيير، والذي أكد لـ"عربي بوست" أن التكتل لا يزال يدرس خياراته في المشاركة من عدمها.
فيما يقول نواب من حزب الكتائب والاشتراكي والقوات اللبنانية لـ"عربي بوست" إن الموقف لا يزال غير واضح، وإن الموضوع قيد التدارس بين الأطراف على ضوء الدعوة المفاجئة لبري.
بالمقابل وقُبيل الدعوة بساعات كانت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للعاصمة الفرنسية باريس في توقيت متلازم مع دعوة بري، وتشير المعلومات إلى أن بري سيلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومسؤولين بالخارجية والمخابرات الفرنسية، ووفقاً للنائب في كتلة الحزب الاشتراكي فيصل الصايف، فإن لزيارة جنبلاط سبباً رئيسياً وهو بحث ما يمكن القيام به على خط إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وكيفية تسخير الاتفاق الثلاثي بين واشنطن وباريس والرياض والاتصالات الجارية بين باريس وطهران؛ لترتيب ظروف التوافق في لبنان على شخصية تكون قادرة على الجمع والحصول على دعم معظم الأطراف من مختلف القوى، ولا تكون مستفزة لأحد.
توازنات خارجية
بالتوازي، يشير الباحث والمحلل السياسي ربيع دندشلي إلى أن هذا الملف له تشعبات خارجية وحساباته ليست داخلية فقط، وخاصة بعدم وجود معايير رئاسية، لكن يمكن الحديث عن مسار أصبح واضحاً عند القوى الدولية، سواء بعد البيان السعودي الفرنسي الأمريكي المشترك، والذي حدد مواصفات المرحلة ومقتضياتها، أو بكلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حول انتخاب شخصية تكون مقبولة وقادرة على استعادة الثقة، وصولاً إلى الحركة التي سيستمر بها السفير السعودي وليد البخاري، والذي سيلتقي بحزب الكتائب والنواب المستقلين بعدما كان قد التقى وليد جنبلاط والنواب السنّة.
وهذا مسار سيستكمل أيضاً في المرحلة المقبلة؛ تمهيداً لعقد لقاء جامع لهؤلاء، بغية الاتفاق على اسم أو مواصفات.