شهدت دار الفتوى في لبنان مساء السبت 24 سبتمبر/أيلول لقاءً أُطلق عليه "لمّ شمل السُّني" بدعوة من مفتي الجمهورية، عبد اللطيف دريان، حضرها 24 من نواب الطائفة السنية من أصل 27، فيما غاب نواب التغيير؛ حليمة قعقور، وإبراهيم منيمنة، وأسامة سعد.
وانعقد اللقاء في مقر إقامة السفير السعودي بلبنان وليد البخاري، وتمحور اللقاء حول أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، وانتخاب رئيس يلتزم بالدستور وتشكيل الحكومة، كما يلتزم باتفاق الطائف.
وكشف مصدر دبلوماسي عربي أن دعوة المفتي دريان للاجتماع جاء بطلب سعودي وخليجي بغية توحيد أغلبية النواب السنة على موقف سياسي واحد حيال أولاً: اختيار رئيس جديد للبلاد غير محسوب على حزب الله.
وثانياً: رفض أي مسعى للمسِّ باتفاق الطائف من قبل التيار الوطني الحر وحزب الله. وثالثاً، يقول مصدر "عربي بوست"، فإن اللقاء كان لدعم صلاحيات رئيس الحكومة والتي حاول رئيس الجمهورية ميشال عون المس بها.
ويؤكد المصدر أن المفتي تلقى اتصالات قبل أسابيع من المستشار في الديوان الملكي نزار العالولا، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان؛ للدفع في عقد هذا الاجتماع وإعطائه الغطاء الخليجي والعربي.
تفاصيل اللقاء
كشفت مصادر من دار الفتوى لـ"عربي بوست" أن الاجتماع كان فرصة لتقييم الوضع المتفكك الذي تجد البلاد نفسها فيه، والتأكيد على الثوابت الوطنية التي أقرها اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1990.
وعلى رأس الأولويات المذكورة انتخاب رئيس يوحِّد البلاد بعيداً عن المحاور السياسية بعد التجربة المريرة في عهد الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، والذي وفقاً لمصدر "عربي بوست"، انحاز لمحور معين.
وناقش الاجتماع ضرورة تشكيل حكومة لمعالجة الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، كما أن المفتي طالب بتشكيل فريق وزاري جديد. وقال إن "لبنان يحتاج إلى حكومة كاملة الصلاحيات وليس حكومة معنية بالأمور الجارية، أهمها ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال شغور منصب رئاسي".
ويشير المصدر ذاته إلى أن الاجتماع غير خيار النواب السنة الذين كانوا يتفقون على سليمان فرنجية، فأصبحوا يدعمون قائد الجيش جوزيف عون، والذي يتماشى مع مقترح البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي اقترح انتخاب رئيس يكون فوق النزاع السياسي وخارج الاصطفاف الحزبي.
عشاء في ضيافة السفير السعودي
وعلى هامش اللقاء، نظم السفير السعودي في لبنان عشاء في مقر إقامته على شرف عدد كبير من النواب السنة، باستثناء الذين يدورون في فلك حزب الله، بالإضافة إلى غياب نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت رغم دعوته.
ويروي أحد النواب الحاضرين لـ"عربي بوست" أن البخاري كرر أمام ضيوفه رغبة بلاده ودول الخليج الأخرى في مساعدة لبنان وإخراجه من المأزق بشرط وجود "محاورين صادقين وشفافين" أمامهم ودولة توقف سياسة الفساد.
وأضاف المصدر نفسه أن البخاري قال إن "سياسة السعودية تجاه لبنان لم تعد كما كانت، لقد ولَّى زمن العطاء من دول الخليج، خاصة أن الأموال كانت تستخدم في الفساد على حساب التنمية، ومن الآن فصاعداً، سيتم تقديم المساعدة في ظل ظروف معينة من الشفافية وتحت رقابة صارمة".
وأشار المصدر إلى أن السفير اللبناني أخبرهم أنه "في حال أتى رئيس لبناني وفق المواصفات المتفق عليها، سنقوم بتنفيذ جميع اتفاقيات التعاون الثنائي التي كان من المفترض أن تنجز خلال حكومة سعد الحريري الأخيرة وهي ما يقرب من 20 اتفاقاً".
في إطار متصل، يقول المحلل السياسي منير الربيع إن حركة السفير السعودي وليد البخاري في هذه المرحلة، ستحوِّل السعودية إلى لولب الحركة في لبنان وليس فرنسا، وهذا قد حصل بعد انتزاع السعودية لموقف دولي واضح تجلى في البيان الثلاثي الذي صدر عن أمريكا، فرنسا، والسعودية.
وبهذه المعادلة، يضيف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن السعودية لن تكون هي الطرف الأكثر تأثيراً، يأتي ذلك لتجنّب سابقة انعدام التنسيق الدبلوماسي للدول المهتمة بالساحة اللبنانية في العام 2016؛ ما أدى إلى إنتاج تلك التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون.
وبحسب الربيع، فإن هذا المسار الذي انطلق لا يبدو أنه سيتوقف عند هذه النقطة، بل يقتضي أيضاً أن يتم عقد لقاء سياسي موسع لعدد من الكتل والأحزاب إلى جانب عدد من النواب السنة، كالحزب التقدمي الاشتراكي، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، ونواب مستقلين، وذلك للبحث عن فرص التوافق فيما بينهم على مرشح معين لرئاسة الجمهورية.
موقف حزب الله
بالتوازي، يعتقد البعض أن الحركة التي يقودها المفتي بالتنسيق مع السعودية ودول عربية أخرى هدفها قطع الطريق على حزب الله في انتخابات الرئاسة وتسمية رئيس للحكومة.
يقول الصحفي والمحلل السياسي المقرب من حزب الله، قاسم قصير، إن الحزب تابع باهتمام شديد دعوة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى لقاء يجمع نوّاب الطائفة السُّنية من أجل توحيد الموقف والتشاور في مواجهة التحدّيات المختلفة.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن الحزب يرى الأهم هو كيفيّة تحويل هذه المبادرة إلى خطوات عمليّة، سواء على المستوى السياسي أو على صعيد معالجة الهموم التي يواجهها المسلمون في كلّ المناطق، والتي نشاهد بعض مؤشّراتها يوميّاً عبر قوارب الموت وعمليّات والانتحار.
والأوساط القريبة من حزب الله، وفقاً لقصير، لم تشعر بأيّ انزعاج من لقاء دار الفتوى، بل تعتبره مؤشّراً مهمّاً إلى ضرورة ترتيب البيت الإسلامي تمهيداً لترتيب البيت الوطني، وهذا ما انتهجته دار الفتوى والمرجعيات الإسلامية الأخرى طوال العقود الماضية.
وأشار المتحدث إلى أن من يراهن على جعل دار الفتوى منصّة سياسية لمواجهة الأطراف الأخرى فلا يبدو أنّ المفتي دريان في هذا الخطّ، وهذا ما برز من كلمته الافتتاحيّة في اللقاء وما توخّاه من نتائج عمليّة تصبّ في إطار الوحدة الإسلامية والوطنية.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”