تحولت مدينة إسطنبول في تركيا إلى ملاذ للروس الهاربين من التعبئة الجزئية العسكرية التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار مواصلة الحرب التي تخوضها موسكو في أوكرانيا.
كان بوتين قد أعلن الأربعاء، 21 سبتمبر/أيلول 2022، عن التعبئة التي تُعد الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، للرجال الذين هم في سن القتال، ويصل عدد الذين شملهم القرار 300 ألف شخص.
مع صدور هذا القرار ارتفع سعر بعض تذاكر السفر من موسكو عشرة أضعاف، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن عدداً من الروس وصلوا إلى إسطنبول، السبت 24 سبتمبر/أيلول 2022.
أشارت الوكالة إلى أنه لم يشأ أحد من الروس الواصلين إلى إسطنبول والحاملين أمتعتهم المُعدّة على عجل، الكشف عن هوياتهم الكاملة، خوفاً من اتّخاذ الشرطة الروسية تدابير بحقّ أقرباء لهم اختاروا البقاء في روسيا.
عبّر الجميع عن قلق لم يعرفونه منذ بدء الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022.
داريا، البالغة 22 عاماً، قالت: "لقد تحدثنا إلى أصدقائنا وكُثر يفكرون في الرحيل، لم يكن أحد يريد الرحيل في فبراير/شباط، لكن القرار الصادر في 21 سبتمبر/أيلول 2022، أجبر كثرين على إعادة النظر بموقفهم".
من جهته، قال زوجها أندري، البالغ 23 عاماً، إنه كان يفكّر في المغادرة منذ الأيام الأولى للحرب، وكان الإعلان عن التعبئة سبباً كبيراً للمغادرة، وقال إن كثيرين قرروا المغادرة بسبب التعبئة أيضاً.
خشية من إغلاق الحدود
تركيا التي تعد إحدى الوجهات السياحية المفضلّة لكثير من الروس هي من البلدان القليلة التي لا تزال تستقبل رحلات جوية مباشرة من روسيا.
يُسمح للروس بدخول تركيا من دون تأشيرة، ما يسهّل السفر الذي يتقرّر في اللحظات الأخيرة.
كان الروس قد تهافتوا على شراء تذاكر السفر إلى تركيا، منذ أن أعلن بوتين التعبئة الجزئية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي صعّب على كثيرين المغادرة بسبب التكلفة.
بدورها، بدأت شركة خطوط الطيران التركية تستخدم طائرات أكبر حجماً للرحلات التي تربط البلاد بروسيا، لتعذّر جدولة المزيد من الرحلات على الفور.
تقول داريا إن "تركيا هي وجهتنا المرحلية، نحن هنا بشكل مؤقت، لأن مخاطر إغلاق الحدود بالكامل قائمة".
من جانبه، قال ساشا (48 عاماً)، وهو مدير في شركة، إنه يعرف أشخاصاً يريدون المغادرة، لكن لا سبيل لديهم لذلك، وأضاف في تصريح للوكالة الفرنسية: "أعتقد أن كثيرين يريدون مغادرة روسيا، لكن الرحلات قليلة جداً".
بحسب ساشا، من الصعب تقييم الوضع النفسي للروس بصورة حقيقية بعد إعلان التعبئة، لأن البعض لا يزالون يؤيدون الحرب، وهم على استعداد للقتال، وقال "لا توافق في روسيا حالياً. البعض يؤيدون بوتين والبعض الآخر لا يؤيدونه"، مشيراً إلى أن كثيرين يخشون التعبير عن آرائهم.
تابع ساشا: "بالطبع نحن نشعر بضغط. هناك في روسيا نظام مراقبة يقوم على التعرّف على الوجه، ومن السهل انكشاف هويتك إذا ما رأى أحدهم وجهك"، وأضاف: "هذه المقابلة يمكن أن يعتبرها الجيش الروسي مسيئة له، في المستقبل يمكن أن يتعرّض من يُجرون مقابلات من هذا النوع لمشاكل".
من جهته، أعرب أندري عن قلقه على أحد أصدقاء طفولته. وقال "لم يتمكّن صديقي من شراء تذكرة لأن ثمنها بلغ 400 ألف روبل (7130 يورو). وهذا المبلغ أغلى بعشر مرات مما كان عليه في الماضي".
تهدف التعبئة التي أعلنها بوتين إلى تدعيم صفوف القوات الروسية بمئات آلاف العناصر، بعد سلسلة نكسات هي الأقوى منذ بدء الحرب على أوكرانيا.
كان الجيش الروسي قد خسر مساحات واسعة منذ بداية سبتمبر/أيلول 2022، في شمال وشرق أوكرانيا، واضطرت قواتها إلى الهروب في مناطق بمقاطعة خاركيف، بعد استعادة كييف السيطرة عليها.
يُذكر أنه في 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا هجوماً عسكرياً على أوكرانيا، تبعه رفض دولي وعقوبات اقتصادية على موسكو، التي تشترط لإنهاء عمليتها تخلّي كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية، وهو ما تعده الأخيرة "تدخلاً" في سيادتها.