أنهى قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، فجر الخميس 22 سبتمبر/أيلول 2022، التحقيق مع قيادات بارزة في حركة النهضة، ومنهم رئيسها راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض.
ويُوجه قاضي التحقيق في تونس للغنوشي ومن معه من قيادات الحركة، بالإضافة إلى 817 شخصاً آخر تُهمة "تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر"، في كل من سوريا وليبيا والعراق.
مصادر من هيئة دفاع الغنوشي والعريض أكدت لـ"عربي بوست" أن الملف خالٍ من أي أدلة مادية أو غيرها تدين قيادات حركة النهضة، التي تمت دعوتها للتحقيق والاحتفاظ ببعضها.
ويبلغ عدد المشمولين بالتحقيق في ملف التسفير إلى بؤر التوتّر أكثر من 817 شخصاً، وفق ما هو متداول، تم الاحتفاظ بعدد منهم، فيما يقبع عدد آخر في السجن في انتظار استكمال التحقيقات معهم.
وآخرهم كان رئيس فرقة حماية الطائرات السابق بمطار تونس قرطاج الدولي، عبد الكريم العبيدي، الذي أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بطاقة إيداع السجن فجر اليوم الخميس، 22 سبتمبر/أيلول 2022.
الأدلة.. تصريحات إعلامية فقط
مصادر من هيئة الدفاع عن المتهمين أكدت في حديث لـ"عربي بوست" أن أغلب الأدلة التي تعتمدها التحقيقات هي تصريحات إعلامية وصحفية وتسريبات وتدوينات وفيديوهات، تم تداولها بين سنتي 2011 و2014 لقيادات النهضة.
وكانت تصريحات لقيادات النهضة عقب الثورة تثير جدلاً، منها تصريح للحبيب اللوز، الذي تم التحقيق معه أيضاً في قضية تسفير المهاجرين، حين قال لو كنت شابّاً لذهبت للجهاد في سوريا.
كما تُوجه لقيادات أخرى في حركة النهضة باعتماد المساجد واستغلال صفتهم كأئمة لتشجيع الشباب التونسي للذهاب والجهاد في سوريا، كمحمد العفاس، ورضا الجوادي، ونور الدين الخادمي.
ملف العريّض: لا تسفير
كشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن التحقيق في الملف المتعلق بالقيادي في حزب النهضة علي العريض لم يكُن بخصوص تهمة "تسفير المهاجرين إلى بؤر التوتر"، ولكن بخصوص تعيينات في وزارة الداخلية، أشرَفَ عليها عندما كان وزيراً للداخلية.
وقرر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، فجر الخميس 22 سبتمبر/أيلول 2022، الإفراج عن رئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق والقيادي في حركة النهضة علي العريض.
وتضمن ملف الرئيس الأسبق للحكومة التونسية أدلة، عبارة عن تصريحات صحفية سابقة للعريض، ومقالات مقتطعة من جرائد ومواقع إلكترونية، حسب ما أكدته مصادر "عربي بوست".
وسبق لعلي العريض أن صرح قبل الاحتفاظ به أن فتح الملف من طرف القضاء التونسي فيه جانب كبير من التوظيف السياسي، من أجل النيل من المعارضين، وعلى رأسهم قيادة حركة النهضة.
وأضاف المتحدث أن الرئيس قيس سعيّد يسعى للتغطية على الأزمة الاقتصادية وفقدان المواد الأساسية من السوق، ووضع المواطن التونسي الذي أصبح غير قادر عن توفير قوته، وفق العريّض حينها.
ملف الغنوشي
وضع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لا يختلف عن وضع علي العريض، حيث أكدت مصادر من هيئة الدفاع لـ"عربي بوست" أن "ملفه فارغ ولا يتضمن سوى "منتجات إعلامية"، وما تم تداوله في الإعلام ووسائل التواصل حول تورطه في التسفير إلى بؤر التوتر في سوريا أساساً وليبيا بدرجة أقل.
أما الأسئلة التي طُرحت على راشد الغنوشي خلال التحقيق، حسب مصادر "عربي بوست" فـ"تتعلّق أساساً بمعرفته بهذا الشخص أو ذاك، وسبب اتصال أحدهم به، في حين أن موقعه كرئيس حزب كبير وبرلمان يجعل المئات يتصلون به دون معرفة مسبقة بهم".
وأكدت مصادر "عربي بوست" أن راشد الغنوشي أمضى ما لا يقل عن 12 ساعة خلال ليلة الثلاثاء الأربعاء في انتظار استكمال استجواب علي العريّض، والمرور لاستجوابه هو من طرف فرقة مختصة في مكافحة الإرهاب.
وقد أكدت المصادر نفسها رفض المسؤولين طلبهم يومها عودة الغنوشي لمنزله، إلى حين اقتراب موعد الاستماع له، لنيل قسط من الراحة، خاصة مع سنّه المتقدّمة، بعدها خضع لاستجواب من الخامسة مساءً حتى السادسة صباح الخميس.
راشد الغنوشي صرّح بعد مغادرته مكتب التحقيق فجر الخميس، 22 سبتمبر/أيلول 2022، أنه أمضى يومين في الإجابة عن أسئلة غير واضحة في قضية لا علاقة له بها، والمحقق حاول إلصاق تهمة التسفير بحركة النهضة دون دلائل.
واعتبر الغنوشي أن حركة النهضة هي أكبر وأعرق حزب في البلاد، وهناك محاولات لإقصائه بمحاولة اتهامها بالإرهاب بعد العجز عن مواجهتها بصناديق الاقتراع، كاشفاً أن التهمة الموجهة له هي الحشد والتجييش والتشجيع للجهاد وتسفير الشباب لبؤر التوتر.
من وراء الملف؟
إثارة ملف ما يُعرف في تونس بـ"تسفير الشباب لبؤر التوتر"، والذي جعل تونس تتصدّر قائمة الجنسيات الأكثر تواجداً في داعش، كان عقب شكوى تقدّمت بها النائبة السابقة عن حركة نداء تونس فاطمة المسدّي سنة 2021 إلى المحكمة العسكرية.
واستندت النائبة البرلمانية السابقة إلى وثائق وملفات كانت جمعتها خلال عمل لجنة تحقيق برلمانية تم تشكيلها للتحقيق في ملف التسفير لبؤر من طرف البرلمان، في فبراير/شباط 2017.
لكن لم تستكمل تلك اللجنة عملها بسبب الخلافات والتجاذبات السياسية، بين حركة النهضة التي تقول إن خصومها في اللجنة من حركة نداء تونس وغيرهم يعملون على إلصاق تهمة التسفير بها، وتوجيه أعمال وخلاصات اللجنة في ذلك الاتجاه.
النائبة السابقة، وصاحبة الشكوى، فاطمة المسدي، قالت إن الملف الذي تقدمت به في الشكوى مبني على تقارير ووثائق رسمية وفيديوهات تؤكد تورط سياسيين، وأغلبهم من قيادات حركة النهضة.
ونفت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست" أن يكون الملف مبني على تصريحات إعلامية، حيث أوضحت أن الملف مبني على تقارير ووقائع وشهادات تم جمعها من طرف لجنة برلمانية.
وذكرت المسدي أن حركة النهضة حاولت قبر القضية، خلال تشكيل وعمل لجنة التحقيق البرلمانية التي كانت المسدي عضواً فيها، إلا أنها عادت وقدمت شكاوى متتالية إلى أن تم أخذ إحداها بعين الاعتبار حالياً.
محاكمة سياسية أخرى
بالإضافة إلى حركة النهضة التي تؤكّد أن قياداتها مُستهدفة من طرف السلطة القائمة، يتّهم حزب التيار الديمقراطي المعارض ما قال عنه "سلطة الانقلاب"، بـ"مواصلة محاولاتها استعمال القضاء لترهيب المعارضين وإخماد أصواتهم".
وجاء ذلك على خلفية مثول أمين عام الحزب، غازي الشواشي، اليوم الخميس، أمام قاضي التحقيق، على خلفية تصريح إعلامي حول استقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، تقدمت إثرها وزيرة العدل بشكوى ضدّه.
واستنكر التيار الديمقراطي، في بيان حصل "عربي بوست" على نُسخة منه، ما وصفه بـ"الأساليب المتخلفة"، ونبه إلى ما رأه "استفحال النزعة الاستبدادية لدى قيس سعيد، وانشغاله بطحن معارضيه وتكميم أفواههم وتصفية كل رأي مخالف".
وسبق لغازي الشواشي أن أكد في حوار مع إحدى محطات الراديو المحلية، يوم 12مايو/أيار الماضي، أن عدداً من الوزراء قد استقالوا، وأن رئيسة الحكومة نجلاء بودن قدمت استقالتها لقيس سعيّد، وهو ما نفاه في اليوم نفسه وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”