أصبح تشكيل الحكومة اللبنانية قريباً كحل دستوري، لملء الفراغ المتوقع بعد مغادرة الرئيس اللبناني ميشال عون للقصر الرئاسي، في 31 أكتوبر/تشرين الأول القادم، فبحسب مصدر حكومي رفيع صرح لـ"عربي بوست" فإن حزب الله قرر تشكيل الحكومة بعد استشعاره أن الفراغ الرئاسي آتٍ لا محالة، وأن الفوضى التي قد يسببها التيار الوطني الحر قد تطيح بالاستقرار الأمني والاجتماعي المتفق عليه بين إيران وفرنسا، في ظل تصريح عون بعدم ترك القصر وصلاحيات رئيس الجمهورية إلا لحكومة تصريف الأعمال.
كواليس طبخة حكومة لبنانية بديلة
ويؤكد المصدر الحكومي أن الاتفاق النهائي بين عون وميقاتي ينتظر اللمسات الأخيرة، وذلك عقب عودة ميقاتي من اجتماعاته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقدة في الولايات المتحدة، وبحسب المصدر نفسه فإن حزب الله دخل خلال الأيام الماضية بكل ثقله على خط الوساطة بين ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لتذليل العقد والعقبات التي لا تزال تؤخّر إنجاز الحكومة.
في السياق ذاته اجتمع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل مع ميقاتي في جلسة دامت لأربع ساعات ونصف، تخلل اللقاء نقاشات ومصارحة حيال الأزمة الحكومية، ويشير المصدر أن الخليل شدد لميقاتي على وجوب تشكيل حكومة جديدة مهما كلف الأمر.
بعدها التقى خليل وصفا برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في منزله، واستمر اللقاء لساعتين نتج عنه موافقة باسيل على طرح الحزب، لذا طُلب من ميقاتي التوجه إلى القصر الرئاسي ولقاء عون.
تأجيل تسمية حقيبتي الاقتصاد والمهاجرين
وتوقع عون صدور مراسيم التشكيلة الحكومية في الجلسة نفسها، بعدما كان سلّم لميقاتي بالتصور الذي أراده. لكن ميقاتي أعاد طلبه بأن يشمل التغيير وزير الاقتصاد أمين سلام ووزير المهاجرين عصام شرف الدين، لكن عون لم يكن جاهزاً لتسمية بدلاء، فكان الاتفاق أن يتم تأجيل المراسيم إلى ما بعد عودته من نيويورك.
لماذا تعمد ميقاتي التأجيل؟
يشير المحلل السياسي جوني منير أنه كان واضحاً أنّ ميقاتي لو أراد إنهاء الملف الحكومي، لكان حصل ذلك خلال لقائه الأخير في قصر الرئاسة، لكنه تعمّد التأجيل واستهلاك الوقت لسببين اثنين:
الأول: لأنّه يريد إقرار الموازنة مع الحكومة، فالموازنة بند أساسي في التفاهمات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإنّ حكومة من دون موازنة لا قيمة لها، لاسيما أنه سيكون المسؤول الأول خلال مرحلة الشغور الرئاسي.
والثاني: وهو استهلاك الوقت بأكبر قدر ممكن، لجعل عمر الحكومة بوجود رئيس الجمهورية قصيراً جداً، للتخفيف من أعباء المطالب التي سيحملها إليه عون، والسبب الأساسي، بحسب منير، يجعل ميقاتي يتمهل، أنه سيجري في نيويورك سلسلة لقاءات مهمّة، على رأسها، لقاؤه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، حيث جرى إطلاع ميقاتي على لقاء باريس بين الفرنسيين والسعوديين، إضافة إلى آخر مستجدات لبنان.
خيوط التسوية
بالتوازي، يشير المحلل السياسي القريب من حزب الله عماد مرمل، أن مشروع التسوية الحكومية يتمحور في أن يتراجع عون عن طلب ضَم 6 وزراء دولة إلى الحكومة، وأن يتراجع ميقاتي عن محاولة فرض أسماء من جهته مكان الوزراء المزمع استبدالهم، الأساس هو الإبقاء على التوازنات السياسية للحكومة الحالية، مع التأكيد أن كل طرف ممثّل في الحكومة يستطيع التعديل في الأسماء المحسوبة عليه من دون التغيير في الحقائب.
ويؤكد مرمل أنه ومن الواضح أن حزب الله، يتصرّف على أساس أن الفراغ الرئاسي شبه حتمي، وأن الحزب لن يسمّي الآن مرشحاً للرئاسة، وربما لا يسميه، بحيث يكتفي بالتصويت للمرشح الذي يعتبره مناسباً في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
بالمقابل يشير المصدر الحكومي أن الخلطة الحكومية الجديدة تقتضي بأن يستبدل رئيس مجلس النواب نبيه بري وزير المال يوسف الخليل بالنائب السابق ياسين جابر، وأن يقترح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اسماً بديلاً عن وزير المهجرين عصام شرف الدين، واستبداله بشخصية درزية وسطية بينه وبين عون، فيما يستبدل عون وزير الخارجية عبد الله بوحبيب بشخصية قيادية بالتيار الوطني الحر، وعليه فإن التغيير سيشمل وزير الاقتصاد أمين سلام، إما بإعطاء حقيبته إلى وزير سني في الحكومة الحالية، أو الإتيان باسم سني مشترك بين عون وميقاتي.
في إطار متصل يشير مرمل إلى أن الاعتبارات التي لا تزال تدفع حزب الله إلى تفادي التسمية العلنية، تكمن في أنه لا يريد أن يتسبّب بوقوع مشكلة من الآن مع الحليف الذي لن يتم دعمه في رئاسة الجمهورية، ولا أن يتسبّب بمشكلة للمرشح نفسه؛ إذ سيُصنّف على الفور بأنه يتبع للحزب، الأمر الذي سيرتّب متاعب له مع جزء من الداخل والخارج.
ضبط الشارع
يشير الكاتب السياسي طوني عيسى إلى أنّ الدافع الأساسي لتشكيل حكومة جديدة يبقى خارجياً، ويتعلق بالحرص الدولي والإقليمي على توقيع اتفاق لترسيم الحدود وتقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
لأن الاتفاق وفق عيسى يتطلب وجود مرجعية دستورية قادرة على التفاوض والحسم والتوقيع، وفي لحظة معينة قد يجد حزب الله أنّ هذا الاتفاق هو المخرج الأفضل من وضعية الانهيار، وهذا ما عبّر عنه حسن نصر الله بالقول إنّ الاتفاق "فرصة ذهبية وتاريخية قد لا تتكرّر، وفرصتنا الوحيدة لكي يعالج لبنان أزمته الاقتصادية والنقدية والمالية والمعيشية".
وبحسب عيسى فإنه وعلى الأرجح، ستولد حكومة جديدة في غضون الأيام القليلة المقبلة، ستأخذ الأمور إلى ضبط سياسي وأمني واجتماعي في الداخل، سواء بوجود رئيس للجمهورية أو بعدم وجوده في أول تشرين الثاني.