تقدمت منظمتان دوليتان غير حكوميتين بشكوى إلى الادعاء العام الفرنسي، وأخرى إلى الأمم المتحدة، للتحقيق في تورط فرنسا ومصر بارتكاب جرائم انتهاك لحقوق الإنسان، في عملية عسكرية سرّية جرت على الحدود المصرية الليبية.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت الخميس، 15 سبتمبر/أيلول 2022، إن الشكوى التي تقدمت بها المنظمتان ضد الدولة الفرنسية والحكومة المصرية، استندت إلى تقرير صادر عن موقع "ديسكلوز" Disclose الاستقصائي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
قصف مهربين بدل "إرهابيين"
حيث ورد في التقرير تسريبات تقول إن ضباطاً فرنسيين اشتكوا أنهم طُلب منهم تقديم معلومات استخبارية لشن غارات جوية مصرية لأغراض مكافحة الإرهاب، في العملية التي تحمل الاسم الرمزي "سيرلي"، على الحدود المصرية الليبية، إلا أن المعلومات استخدمت لمهاجمة مهربين مشتبه فيهم، وأسفرت عن قتلى وجرحى بالعشرات.
بينما قالت المحامية هايدي ديكستال للصحيفة البريطانية، إنها تقدمت بالشكوى يوم الإثنين 12 سبتمبر/أيلول، إلى قسم جرائم الحرب التابع لمكتب المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب، نيابة عن منظمة "كود بينك" ومنظمة "مصريون في الخارج من أجل الديمقراطية"، اللتين تتخذان من الولايات المتحدة مقراً لهما.
طلبت المنظمتان من القضاء الفرنسي التحقيق في تواطؤ المسؤولين الفرنسيين في ارتكاب جرائم ضد مدنيين، من خلال مساعدة السلطات المصرية بالمعلومات والمراقبة الجوية والاستخبارات، ثم التقاعس عن إنهاء هذه المساعدة بمجرد العلم بأن القاهرة لم تستخدم هذه المعلومات لأغراض مكافحة الإرهاب، وإنما لشن غارات جوية على مشتبه فيهم بتهريب مخدرات وممنوعات.
فيما زعمت الشكوى أن "الهجمات أسفرت عن عمليات ممنهجة تضمنت مقتل وإصابة مدنيين يشتبه في كونهم مهرِّبين، ليس لهم علاقة بالإرهاب (في الصحراء الغربية المصرية)، وأنها انطوت على جرائم ضد الإنسانية".
كما أحالت المنظمتان شكوى أخرى إلى مقرّر الأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء (الإعدام التعسفي)، ومقرر الأمم المتحدة المعني بالتعذيب، ومقرر الأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، "لاتخاذ خطوات من أجل الحصول على مزيد من المعلومات حول هذه الهجمات، ومنها زيارة مصر".
تفاصيل عملية "سيرلي" السرية
كانت العملية "سيرلي" مهمة استخبارات سرية بدأتها فرنسا، في فبراير/شباط 2016، بالاتفاق مع السلطات المصرية، لتأمين حدود مصر مع ليبيا ومنع أي تهديدات إرهابية.
لكن وثائق عسكرية سرية تسربت من مديرية المخابرات العسكرية الفرنسية عام 2021، كشفت أن القوات المصرية انحرفت عن المهمة الأصلية للعملية، واستهدفت مئات المركبات بغارات جوية، تسببت في سقوط عدد لا يُحصى من القتلى والجرحى. وبناءً على الوثائق المسربة، أجرت الحكومة الفرنسية تحقيقاً أولياً، لكن التحقيق الداخلي تحولت وجهته إلى البحث عن مصدر التسريب، وليس استقصاء ما جاء فيه.
كما كشفت الوثائق أن الجنود الفرنسيين الذين أُرسلوا إلى القاهرة بين عام 2016 وعام 2019 نبهوا رؤساءهم في الاستخبارات العسكرية في أربع مناسبات مختلفة، إلى قلقهم بشأن تبديل وجهة الضربات الجوية إلى مدنيين مشتبه في تهريبهم المخدرات.
لكن وزارة الدفاع الفرنسية دافعت عن مشاركتها بالعملية سيرلي، وقالت إنها "خضعت لقواعد واضحة وإجراءات وقائية صارمة".
بينما تقول المنظمتان إن توجيه الشكوى إلى المدعى العام الفرنسي غرضه إحالة التحقيق في الانتهاكات إلى التقاضي، ومن ثم كبح ما وصفته المنظمتان بأنه محاولة للإفلات من العقاب من جانب مسؤولين فرنسيين، لم تُعرف هويتهم بعد، لكنهم متورطون في هذه القضية، بشأن أفعال قد تندرج تحت تصنيف جرائم التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.
تزعم الشكوى المقدمة إلى مقرري الأمم المتحدة أن القاهرة شنَّت هجمات على أفراد لا علاقة لهم بالإرهاب، منتهكة بذلك حقوقهم الإنسانية، وتطلب تحقيقاً في القضية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.