مازالت الجزائر مستمرة في الضغط على إسبانيا، بسبب تحديد مدريد موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي، الذي يقترحه المغرب لإنهاء نزاع الصحراء مع جبهة البوليساريو الانفصالية.
وتستعمل الجزائر ورقة الغاز للضعط على مدريد لمراجعة موقفها الداعم للرباط، خصوصاً أن إسبانيا ومعها أوروبا تُعاني من أزمة الطاقة، التي خلّفتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وسبق للجزائر أن هددت إسبانيا بقطع إمدادات الغاز قبل أشهر، في حال صدّرت جزءاً منه إلى المغرب، لكن مدريد قالت إن الغاز الذي يُحول للمغرب بطريقة عكسية غير قادم من الجزائر.
وعن مغزى التصعيد الذي تقوم به الجزائر بين الفينة والأخرى تجاه جارتها الشمالية، يرى المحلل السياسي فاتح بن حمو أن الجزائر تسعى لجعل الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز دائماً في حالة قلق.
ويعتقد المحلل الذي تحدث لـ"عربي بوست" أن الجزائر تسعى لإلحاق أكبر ضرر بحكومة سانشيز، قبل الانتخابات البرلمانية السنة القادمة، للتأثير على شعبيته وحرمانه من ولاية ثانية.
وقف إمدادات الغاز المسال
أوقفت الجزائر بشكل رسمي إمداد إسبانيا بالغاز المسال (جي إن إل)، وذلك وفق وثيقة صدرت عن هيئة تسيير ومراقبة مخزونات الطاقة الإسبانية، اطلع "عربي بوست" على نسخة منها.
ووفق الوثيقة التي تحمل بيانات شهر يوليو/تموز 2022، ويحوز "عربي بوست" نسخة منها، فإن الجزائر لم تورّد قطرة واحدة من الغاز المسال عبر البواخر إلى جارتها الشمالية إسبانيا.
وكانت الجزائر تمد إسبانيا بـ2500 جيجا واط/ ساعة شهرياً من الغاز المسال، وفق الوثيقة التي اطلع عليها "عربي بوست"، قبل أن تحصل الأزمة بين البلدين بسبب نزاع الصحراء، الذي تدعم فيه الجزائر جبهة البوليساريو.
وعلى مدار العقود الماضية كانت الجزائر دائماً المصدر الأول للطاقة لإسبانيا، بنسبة تفوق 40% لتتراجع إلى 23%، بعد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بسبب تغيير مدريد موقفها التاريخي من نزاع الصحراء.
مضاعفة الأسعار
توصَّل البلدان إلى اتفاق بخصوص رفع أسعار الغاز، وفق ما أوردته صحيفة إلكونفيدنثال الإسبانية، التي قالت إن شركة الغاز والكهرباء الإسبانية "ناتورجي" وافقت على شروط نظيرتها "سوناطراك" الجزائرية بخصوص الأسعار.
وفق وسائل إعلام جزائرية، فإن شركة "سوناطراك" ستضاعف سعر الغاز الموجه إلى إسبانيا 5 أضعاف السعر التفضيلي الذي كانت تدفعه مدريد في السابق قبل اندلاع الأزمة.
ولا يمكن للطرف الإسباني الاعتراض على ذلك، لأن الأسعار الحالية أكثر بكثير، حيث وضعت الجزائر شروطاً جديدة على كل الدول الساعية لشراء غازها، أبرزها أن أسعارها لن تقل عن 75 في المائة من أسعار الأسواق العالمية.
ويمكن لإسبانيا بعد سنتين أو ثلاث سنوات أن تطلب مراجعة العقود، في حال عادت الأسعار إلى سابق عهدها.
وتبلغ العقود الآجلة في السوق الأيبيرية لعام 2024 أكثر من 114 يورو لكل ميغاواط ساعة، أي أقل من السعر الحالي.
وحسب المصدر ذاته، فإن الاتفاق بين الشركتين الإسبانية والجزائرية خلص إلى رفع الأسعار بأثر رجعي، ابتداء من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وأكدت الصحيفة أن نقطة الخلاف المتبقية بين الشركتين تتعلق بمدة زيادة الأسعار، إذ تصر الجزائر على ثلاث سنوات قادمة، فيما ترى مدريد أن سنتين مدة كافية، باعتبار أن الأسعار يمكن أن تعود إلى طبيعتها خلال تلك الفترة.
وكان الرئيس المدير العام لشركة "سوناطراك الجزائرية"، توفيق حكار، قد أكد في تصريحات إعلامية، أن بلاده سترفع أسعار الغاز بالنسبة لإسبانيا حصراً، وليس لدول أوروبية أخرى.
يذكر أن مدريد كانت تحصل على الغاز الجزائري عبر أنبوبي ميدغاز، وقبله المغاربي الأوروبي، الذي أقفلته الجزائر، بأسعار تفضيلية بالنظر للعلاقات المتميزة التي كانت تربط البلدين.
ويمتد عقد توريد الغاز الجزائري إلى إسبانيا إلى 2030، ويحق للجانبين مراجعة الأسعار كل سنتين، حسب بنود العقد المتفق عليه.
شروط التطبيع
لا تنوي الجزائر تطبيع علاقاتها مع إسبانيا في الوقت الراهن، وتفضل انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية السنة القادمة، رغم أن رئيس الحكومة الإسباني أعرب عن رغبته في زيارة الجزائر.
وتتمنى الجزائر العاصمة أن يطيح الإسبان عبر الصناديق برئيس الحكومة بيدرو سانشيز، الذي يعيش أياماً صعبة بسبب الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد جراء مخلّفات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال عمار بلاني، المبعوث الخاص المكلف بمسألة الصحراء الغربية وبلدان المغرب العربي لصحيفة "إل كونفدنثيال" الإسبانية، إن بلاده لن تتعامل مع حكومة بيدرو سانشيز وتفضل التريث إلى الانتخابات التشريعية.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”