اختار الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يقف إلى جانب تغليب مصلحة الاتحاد الأوروبي في قضية الهجرة السرية من تونس باتجاه إيطاليا، والتي ارتفعت وتيرتها في السنة الأخيرة.
وسمح الرئيس قيس سعيّد، لأول مرة، بترحيل جميع التونسيين الواصلين إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، عن طريق البحر الأبيض المتوسط وإعادتهم لبلادهم.
وبين يومي 27 و28 أغسطس/آب 2022 فقط وصل 1207 مهاجرين غير نظاميين تونسيين إلى السواحل الإيطالية، وفق أرقام نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية.
التونسيون.. أولى الجنسيات الهاربة إلى إيطاليا
انتقل عدد المهاجرين التونسيين الذين وصلوا إيطاليا بطريقة غير نظامية من 5.500 في التسعة أشهر الأولى من 2020، إلى 12.288 مهاجر في نفس الفترة من سنة 2022.
هذه الأرقام غير مسبوقة، تعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبحت عليه تونس، الأمر الذي دفع أعداداً كبيرة لاختيار ركوب أمواج البحر للوصول إلى أوروبا.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة تنشط في مجال الهجرة، أكد ارتفاع أعداد المهاجرين التونسيين غير النظاميين.
ووفق إحصائيات، فإن الجنسية التونسية أصبحت تحتل المرتبة الأولى في الواصلين إلى إيطاليا بنسبة 18%، بعدما كانت في المرتبة الثالثة العام الماضي.
فيما قُدّر عدد القُصّر التونسيين الواصلين إلى إيطاليا بطريقة غير نظامية بحوالي 1242 منذ بداية 2022، حسب أرقام المنتدى التونسي.
المتحدث الرسمي باسم المنتدى رمضان بن عمر، اعتبر في حديث مع "عربي بوست" أن الارتفاع المتواصل لعدد المهاجرين غير النظاميين يعود أساساً إلى وضع البلاد.
كما اعتبر المتحدث أن السطوة الأمنية على الفضاء العام في تونس ومعاناة فئة الشباب وما تنتجه من تراجع واقع الحريات في تونس أحد أهم أسباب الهجرة غير النظامية للشباب من تونس نحو أوروبا.
وأشار بن عمر في حديثه إلى ما سماه "الإحباط" الذي يعاني منه التونسيون منذ 25 يوليو/تموز 2021 تاريخ إعلان الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيّد، والتي تبعها ارتفاع مهول في عدد المهاجرين غير النظاميين من تونس.
معاملة خاصّة وترحيل
النائب في البرلمان التونسي المنحلّ عن دائرة إيطاليا مجدي الكرباعي، قال إن ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين جعل السلطات الإيطالية تخصّ التونسيين بمعاملة مخالفة لتلك التي تعامل بها بقية الجنسيّات.
كما أشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين من إيطاليا، والمؤطّر باتفاقية بين تونس وإيطاليا منذ سنة 98 وقد تم تنقيحها العديد من المرات بإضافة بنود أو شروط جديدة للترحيل القسري، والتي كان آخرها عام 2020 خلال زيارة وزيرة الداخلية الإيطالية".
وقد تضمّنت التنقيحات الجديدة للاتفاقية، وفق ما أفاد به الكرباعي خلال حديثه مع "عربي بوست"، الترفيع في عدد المرحّلين وعدد الرحلات من إيطاليا نحو تونس في مقابل التزام إيطاليا بدفع 8 ملايين يورو سنويّاً لتونس.
وتلتزم تونس، حسب المتحدث، في المقابل، بتبادل المعطيات مع إيطاليا والتعرّف على التونسيين تمهيداً لترحيلهم نحو تونس التي تضعها الأرقام على لائحة الدول التي تستقبل مرحّلين من إيطاليا.
البحث عن رضا الأوروبيين
النائب السابق عن دائرة إيطاليا مجدي الكرباعي اعتبر في حديثه أن ملف الهجرة هو ذريعة للحكم في تونس، بداية من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وصولاً إلى قيس سعيّد، حيث يقع اعتماد ورقة الهجرة للتأثير على الاتحاد الأوروبي وقراراته.
وأضاف الكرباعي أن الرئيس قيس سعيّد منح الاتحاد الأوروبي وإيطاليا صكّاً على بياض فيما يخصّ مسألة الهجرة عبر قبوله غير المشروط بالترحيل القسري للتونسيين من الأراضي الأوروبية.
وخلص النائب السابق إلى أن الرئيس قيس سعيد يبحث عن رضا الأوروبيين والسلطات الإيطالية، بأي طريقة بما فيها القبول بعمليات الترحيل.
وأكد الكرباعي أن الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس وما صاحبها من إجراءات في التشكيك في الشرعية الشعبية والسياسية جعله يبحث عن اعتراف خارجي بأي طريقة بما فيها فتح الحدود الجوية التونسية أمام رحلات الترحيل القسري للتونسيين من إيطاليا بصفة خاصة والأراضي الأوروبية بصفة عامة.
هذه مقابل تلك.. ضغوط على سعيّد لحراسة الحدود
خلال سنتي 2020 و2021، قبلت تونس ترحيل حوالي 3500 مهاجر غير نظامي من إيطاليا، وفق ما خلصت إليه دراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالشراكة مع منظمات حقوقية إيطالية.
وخلصت نفس الدراسة إلى أن قرابة 89% من المهاجرين غير النظاميين التونسيين المرحّلين قسريّاً من إيطاليا، لم يتم إعلامهم بسبب احتجازهم قبل الترحيل.
فيما لم تصدر في شأن 80% منهم أية وثيقة من السلطات الإيطالية تبرر ترحيلهم أو توضح أسبابها، و70 % لم يتلقوا معلومات عن الحماية الدولية لحقوقهم أو حقّهم في طلب اللجوء.
ووفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريحه لـ"عربي بوست"، بأن الاتحاد الأوروبي لا يزال يعتمد نفس المقاربة الأمنية القديمة التي تنتهك حقوق المهاجرين غير النظاميين.
وحسب المتحدث، فإن أوروبا تعتمد على ابتزاز السلطات في تونس خاصة بعد 25 تموز/يوليو 2021، والذي تبعه حاجة السلطة ممثلة في الرئيس قيس سعيد إلى اعتراف سياسي، وفق تعبير بن عمر.
وأضاف المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن تونس أصبحت تلعب دور الحارس للحدود الأوروبية، تكرّس كل مواردها البشرية واللوجستية للانصياع للضغوط الأوروبية.
شعبية سعيد في تآكل
الباحث في علم الاجتماع والمحلل السياسي نسيم بن عبد الله قال في حديث مع "عربي بوست" إن تعاطي تونس والرئيس مع ملفّ الهجرة غير النظامية والقبول بترحيل المئات ضرب شعبية قيس سعيد.
وأشار بن عبد الله إلى نتائج استطلاع رأي تقوم بها مؤسسة "سيغما كونساي"، والتي تضمنت تراجعاً لنسبة الرضا عن أداء رئيس الجمهورية خلال شهر آب/أغسطس بـ5%.
كما ذكر بن عبد الله بنسبة مشاركة الشباب في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ودوره في حسم الدور الثاني لصالح الرئيس قيس سعيّد، وما شهده الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد من عزوف كبير.
وسبق للناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري أن أعلن أن نسبة تصويت الشباب لم تتجاوز 2.2 بالمئة في الاستفتاء عن الدستور.