قال محللون في "بنك جي بي مورغان" الأمريكي، إنَّ تضخم أسعار المستهلكين سينخفض إلى 5.1% في النصف الثاني من هذا العام، أي ما يقرب من نصف ما كان عليه في الأشهر الستة حتى يونيو/حزيران الماضي، ورغم ذلك ليس هناك توقع بالتوقف عن رفع أسعار الفوائد، حسب ما نقلته وكالة Bloomberg الأمريكية، الإثنين 29 أغسطس/آب 2022.
يأتي ذلك في وقت بدأ فيه التضخم العالمي أخيراً في التراجع، على الرغم أنه من المتوقع أن يظل معدله أكثر ممّا ينتظره محافظو البنوك المركزية في العالم، حسب الوكالة.
في السياق، يقول بروس كاسمان، كبير الاقتصاديين في "بنك جي بي مورغان" الأمريكي: "إنَّ حمى التضخم بدأت تهدأ". لكن هذا لا يعني عودة مبكرة لمعدل التضخم البسيط الذي تمتع به الكثير من العالم قبل الصدمات المزدوجة لـ"كوفيد-19″ والحرب في أوكرانيا، ولا نهاية التشديد النقدي في أي وقت قريب.
"الاحتياطي الفيدرالي" لا يزال عالياً
من المرجح أن تستمر الإيجارات وأسعار الخدمات كثيفة العمالة في الارتفاع، مع ضيق أسواق العمل والأجور. وهناك قوى أوسع مؤثرة، من تباطؤ العولمة إلى النمو الباهت في القوة العاملة، التي قد تحافظ على فقاعة ضغوط الأسعار.
وتستعد البنوك المركزية العالمية الرئيسية، التي فشلت في رؤية صدمة الأسعار الوبائية القادمة، للمضي قدماً في رفع أسعار الفائدة حتى مع ارتفاع التضخم الرئيسي. ومن المتوقع أن يرفع "الاحتياطي الفيدرالي" والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أسعار الفائدة مرة أخرى في سبتمبر/أيلول.
من جهة أخرى، ترك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الباب مفتوحاً أمام زيادة ضخمة أخرى بمقدار 75 نقطة أساس، الشهر المقبل، إذ أخبر زملاءه من محافظي البنوك المركزية خلال منتدى البنك المركزي في جاكسون هول، الجمعة 26 أغسطس/آب، بأنَّ التراجع الأخير للتضخم في الولايات المتحدة "يقل كثيراً" عمّا يريد صانعو السياسة رؤيته.
وفي اليوم التالي، قالت عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، إيزابيل شنابل: "إنَّ البنوك المركزية بحاجة إلى التصرف بقوة".
قد تستفيد بعض البنوك المركزية، التي استجابت أسرع من بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، من تهدئة ضغوط الأسعار لإيقاف تحركاتها التشديدية.
وترك البنك الوطني التشيكي هذا الشهر سياسته دون تغيير، بينما من المتوقع أن يفعل البنك المركزي البرازيلي الشيء نفسه في سبتمبر/أيلول المقبل. وحسبما قال الحاكم أدريان أور لقناة "تلفزيون بلومبرغ"، فإن البنك الاحتياطي النيوزيلندي يقترب من نهاية تحركاته الشرسة.
وتركت تكلفة المعيشة المرتفعة السياسيين وكذلك محافظي البنوك المركزية فوق صفيح ساخن، خاصة في أوروبا، حيث تسببت أسعار الغاز الطبيعي التي تزيد سبع مرات على ما كانت عليه قبل عام، في حالة طوارئ بمجال الطاقة.
من المتوقع أن يتسارع التضخم بمنطقة اليورو لأعلى من الرقم القياسي المُسجَّل في يوليو/تموز بنسبة 8.9%، بينما يتوقع بنك "سيتي غروب" الأمريكي أنَّ التضخم قد يتجاوز 18% في المملكة المتحدة؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى رفع سقف أسعار الطاقة. في الوقت الذي طُرِحَت فيه جميع أنواع المقترحات التي كانت غير محتملة من قبل؛ من التأميم إلى ترشيد الطاقة، لمعالجة الأزمة.
وعلى النقيض من ذلك، ستشهد الولايات المتحدة أسرع انزلاق في أسعار التضخم بين الاقتصادات المتقدمة، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى قوة الدولار، كما يقول الاقتصاديون في "بنك جي بي مورغان" الأمريكي.
ومع ذلك، لن يمنع هذا بنك الاحتياطي الفيدرالي من التشديد النقدي في منطقة مقيدة بالفعل. تتوقع آنا وونغ، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في خدمة أبحاث Bloomberg Economics، أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضطر في النهاية إلى رفع معدلات تصل إلى 5% لتخليص الولايات المتحدة من مشكلة التضخم.
"المشكلة الحقيقية"
ومع ذلك، من المفترض أن يساعد الانخفاض الأخير في العديد من أسواق السلع الأساسية المهمة في خفض الأسعار بالاقتصاد العالمي، حيث انخفضت العقود الآجلة المعيارية للنفط الخام بنحو 20% منذ أوائل يونيو/حزيران الماضي.
بينما انخفضت أسعار المعادن والأخشاب ورقائق الذاكرة من أعلى مستوياتها، وكذلك انخفض مؤشر الأمم المتحدة لتكاليف الغذاء بنسبة 9% تقريباً في يوليو/تموز، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2008.
يقول جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في بنك "غولدمان ساكس"، إنَّ تضخم السلع "سيهدأ كثيراً". ويعكس التحول في أسعار السلع أيضاً حقيقة أنَّ ميزانيات الأسر تتعرض لضغوط متزايدة، وأنَّ الاقتصادات تتباطأ في جميع أنحاء العالم.
ومن المتوقع أن تسقط معظم دول أوروبا في حالة ركود خلال الأشهر المقبلة؛ حيث سيتفاقم تأثير أزمة الطاقة في الشتاء. إضافة إلى ذلك، لا تزال الصين متعثرة بسبب سياسة "صفر كوفيد"، وسوق العقارات الراكد، مع تداعيات غير مباشرة على أسعار السلع الأساسية.
وفي الولايات المتحدة، أدت زيادة أسعار الفائدة من جانب "الاحتياطي الفيدرالي" إلى تقويض سوق الإسكان، بعدما كانت مليئة بالزخم فيما مضى، وجعلت شركات التكنولوجيا الفائقة حذرة.
حتى مع ارتفاع مخاطر الركود، لا يرى مستثمرو السندات أنَّ البنوك المركزية ستستسلم في المستقبل القريب. ويراهن المستثمرون حالياً على أنَّ "الاحتياطي الفيدرالي" سيرفع أسعار الفائدة إلى نحو 3.75% بحلول مارس/آذار المقبل، في حين أنَّ مؤشر البنك المركزي الأوروبي سوف يصل إلى 1.75% والمملكة المتحدة إلى 4%.
وقال جون فلاهايف، رئيس استثمارات الدخل الثابت في بنك BNY Mellon Wealth Management الأمريكي: "التضخم هو المشكلة الحقيقية؛ إذ لا يزال أعلى بكثير من مُستهدَف البنوك المركزية. لا تريد البنوك ارتكاب خطأ خفض أسعار الفائدة ومشاهدة التضخم يرتفع مرة أخرى".