قُتل 23 شخصاً أغلبهم من المدنيين، وأصيب العشرات في اشتباكات اندلعت في أنحاء العاصمة الليبية طرابلس السبت 27 أغسطس/آب 2022، في أسوأ قتال هناك منذ عامين، مع تحول مواجهة سياسية مستمرة بين الحكومتين، إلى حرب مدن، وسط خشية من تصاعدها إلى صراع أوسع نطاقاً.
تدور المواجهة المستمرة منذ أشهر من أجل السلطة في ليبيا بين حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها برئاسة عبد الحميد الدبيبة وإدارة منافسة برئاسة فتحي باشاغا يدعمها البرلمان الذي مقره شرق البلاد.
قال شهود إن قوات متحالفة مع باشاغا حاولت انتزاع السيطرة على أراض في طرابلس من عدة اتجاهات السبت، لكن قافلته العسكرية الرئيسية عادت باتجاه مصراتة قبل أن تصل إلى العاصمة.
فيما نشر الدبيبة في وقت لاحق مقطعاً مصوراً على الإنترنت يظهر فيه خلال زيارة مقاتلين في المدينة بعد توقف الاشتباكات.
تفجر القتال ليلاً، ثم ازدادت حدته صباح السبت مع نشر أسلحة خفيفة ومدافع آلية ثقيلة ومدافع المورتر في مناطق مختلفة من وسط المدينة. وتصاعدت أعمدة من الدخان الأسود في سماء طرابلس وتردد دوي إطلاق نار وانفجارات.
بحلول فترة ما بعد الظهيرة، بدا أن القوات المتحالفة مع باشاغا تتحرك نحو طرابلس من ثلاثة اتجاهات. وفي جنزور، الواقعة شمالي غرب طرابلس وتعتبر نقطة دخول رئيسية لبعض القوات المتحالفة مع باشاغا، أفاد السكان المحليون بوقوع اشتباكات عنيفة.
في جنوب طرابلس، قال شهود في حي أبو سليم إن هناك إطلاق نار كثيفاً وذلك بعد مقطع مصور انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر على ما يبدو قوات قائد قوي متحالف مع باشاغا تشن هجوماً هناك.
في غضون ذلك، قال شاهد إن رتلاً رئيسياً تابعاً لباشاغا يضم أكثر من 300 مركبة انطلق نحو طرابلس من الشمال الشرقي على الطريق الساحلي. لكن شهوداً قالوا إنه عاد إلى قاعدته في مصراتة.
وقال عبد المنعم سالم من سكان وسط طرابلس: "هذا شيء مروع. لم أستطِع النوم أنا وعائلتي بسبب الاشتباكات. كان الصوت مرتفعاً جداً ومخيفاً للغاية. نظل مستيقظين في حال اضطررنا إلى المغادرة بسرعة".
وحشدت الجماعات المسلحة الرئيسية، التي تدعم كل طرف في النزاع السياسي، قواتها مراراً حول طرابلس في الأسابيع الأخيرة، مع تحرك قوافل من المركبات العسكرية حول المدينة والتهديد باستخدام القوة لتحقيق أهدافها.
وقال علي (23 عاماً)، وهو طالب رفض ذكر اسمه كاملاً، إنه فرّ من شقته مع أسرته أثناء الليل بعد أن أصاب الرصاص المبنى. وأضاف: "لم نتمكن من البقاء أكثر من ذلك حتى نبقى على قيد الحياة".
لم تشهد ليبيا سلاماً يذكر منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بمعمر القذافي. وانقسمت البلاد في 2014 بين فصائل شرقية وغربية متناحرة، كما تدخلت قوى إقليمية في الصراع. وتوقف إنتاج النفط الليبي، الذي يمثل جائزة كبيرة للجماعات المتحاربة، مراراً خلال سنوات الفوضى.
دعوات دولية لوقف القتال
ودعت دول عربية وغربية وإسلامية ومنظمات، الأطراف الليبية إلى ضبط النفس ووقف الاشتباكات التي تشهدها العاصمة طرابلس منذ فجر السبت.
حيث دعت الولايات المتحدة الفرقاء الليبيين إلى محادثات تسيّرها واشنطن، معربة عن إدانتها لتصاعد العنف الذي تشهده طرابلس.
وقال السفير الأمريكي، مبعوث واشنطن الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، في بيان: "ينبغي إنشاء ممرات إنسانية لإجلاء الضحايا والمدنيين المحاصرين في تقاطع النيران.. لقد استمر الجمود السياسي لفترة طويلة جداً".
من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن قلقها العميق إزاء الاشتباكات المسلحة المستمرة بمناطق مدنية في طرابلس، داعية إلى "وقفها وامتناع كافة الأطراف عن استخدام أي شكل من أشكال خطاب الكراهية والتحريض على العنف".
كما حثّت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، الأطراف الليبية كافة على "وقف العنف، وحماية المدنيين وتجنب التصعيد"، داعية إلى "التهدئة واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات".
بدورها، دعت مصر "جميع الأطراف والقوى الوطنية والمكونات الاجتماعية الليبية إلى وقف التصعيد وتغليب لغة الحوار وتجنب العنف وضبط النفس؛ حقناً للدماء".
كما دعت تونس إلى "تغليب صوت الحكمة بين كافة الفرقاء الليبيين وانتهاج الحوار سبيلاً لتسوية الخلافات".
ودعت وزارة الخارجية التركية، الأطراف الليبية إلى "ضبط النفس ووقف الاشتباكات فوراً".
فيما أبدت الجزائر "قلقها البالغ من تطور الأوضاع في العاصمة الليبية طرابلس إثر تجدد المواجهات المسلحة منذ مساء الجمعة".
أزمة سياسية
وفشل هجوم شنته في عام 2019 ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بدعم من البرلمان في شرق البلاد، في عام 2020، مما أدى إلى وقف إطلاق النار وعملية سلام تدعمها الأمم المتحدة.
تضمنت الهدنة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بزعامة الدبيبة لحكم ليبيا بالكامل والإشراف على الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن تم التخلي عنها وسط خلافات بشأن التصويت.
وقال البرلمان إن تفويض الدبيبة انتهى وعين باشاغا لتولي المنصب. وقال الدبيبة إن البرلمان ليس له الحق في استبداله وإنه لن يتنحى إلا بعد الانتخابات.
حاول باشاغا دخول طرابلس في مايو/أيار 2022، مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار وخروجه من المدينة.
لكن بعد ذلك، أدت سلسلة من الاتفاقات إلى إعادة تنظيم بعض الفصائل المسلحة داخل التحالفات الرئيسية التي تواجه بعضها البعض حول طرابلس.
وما زال حفتر متحالفاً بشكل وثيق مع البرلمان الذي مقره شرق البلاد، وبعد هجومه في 2019 و2020 لا تزال بعض الجماعات في طرابلس تعارض بشدة أي تحالف يلعب فيه دوراً.