تعود العلاقة بين المغرب وألمانيا إلى سابق عهدها، بزيارة عمل قامت بها وزير الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، أمس الخميس، 25 أغسطس/آب الجاري، وحملت معها عدداً من ملفات التعاون بين برلين والرباط؛ وعلى رأسها الملفات الأمنية والاستراتيجية، وسياسة الطاقة المناخ، إلى جانب التعاون في المجال الإنمائي والاقتصادي.
وتعد زيارة وزيرة الخارجية الألمانية، الأولى بعد عودة الدفء إلى العلاقات بين جمهورية ألمانيا الاتحادية والمملكة المغربية، إذ عرفت خلال العام الماضي تسعة أشهر من التوتر غير المسبوق بين البلدين، تطورت إلى استدعاء وزارة الخارجية المغربية، سفيرة الرباط في برلين شهر مايو/أيار 2021، على خلفية موقف ألماني "سلبي" من قضية الصحراء.
وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، قد تلقى في يناير/كانون الثاني الماضي، دعوة من الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينمار، للقيام بـ"زيارة دولية" إلى برلين، لإرساء شراكة جديدة بين البلدين"، ما يشير إلى تجاوز الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وبرلين.
يرى الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، محمد سعيد قروق، أن "برنامج المغرب وألمانيا فيما يخص الهيدروجين الأخضر، وطموحهما في تطوير الطاقة الهيدروجينية، يدخل ضمن جهود البلدين في التخلي عن الطاقات الأحفورية التي تضر بالمناخ، وإيجاد وتطوير طاقات بديلة للحفاظ على البيئة، واستخراج طاقات نظيفة".
وتابع قروق، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "التعاون في ميداني الطاقة والبيئة بين البلدين كان موجوداً منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأثمرت نتائج مهمة على مستوى الطاقة الريحيّة، وتشرف عليه وكالة التعاون الدولي الألماني بالمغرب".
كما أنه في مجال الطاقة الشمسية، وهنا يتضح بجلاء "مشروع الطاقة الشمسية الضخم في ورزازات جنوبي المغرب، الذي يشهد وجوداً ألمانياً مهماً جداً من الجانب التقني؛ لأن الألمان لهم باع كبير في هذا الباب، ومن ثمة لم يكن للمغرب أي مصلحة لكي يغض النظر على تعاونه مع برلين في مجال الطاقة البديلة على وجه الخصوص"، يوضح الخبير في المناخ.
خزان الهيدروجين وبوابة إفريقيا
إلى جانب ما يتعلق بالبيئة والمناخ، فالتعاون في مجال الطاقات النظيفة والهيدروجين بين المغرب وألمانيا، يدخل أيضاً في باب الاستثمار والاقتصاد.
وتعد ألمانيا من أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين للمغرب، إذ تنشط نحو 300 شركة ألمانية في المملكة، فضلاً عن كون برلين من أبرز مانحي الرباط في برامج تعاون ثنائي.
يعتقد المحلل الاقتصادي، إدريس العيساوي، أنه ما دامت الأمور تتجه نحو "إعطاء أهمية قصوى للطاقة المتجددة، والاهتمام بخزانات الهيدروجين الأخضر؛ فإنه أمام المغرب وألمانيا فرصة مهمة للاشتغال في إطار تعاون ثنائي في هذا المجال".
ولذلك "يمكن التفكير في خلق مؤسسات مشتركة مغربية ألمانية، تهتم بتطوير الطاقات المتجددة في مصانع يمكن إحداثها هنا في المملكة، وبتشغيل الأيدي العاملة المميزة الموجودة في السوق المغربية"
كما أشار المحلل الاقتصادي، أن هناك "إمكانات كبيرة أخرى على مستوى صناعة السيارات، وعلى مستوى التكنولوجيات الحديثة".
منوهاً إلى أنه في كل هذه القطاعات الحيوية التي تعزز شراكة البلدين، يتبدى "شيء مهم كون المغرب له حضور قوي ومميز على مستوى الدول الإفريقية، ما سيفتح مجالاً كبيراً لألمانيا كقوة فاعلة تبحث عن وسائل لتوطيد وجودها في القارة السمراء".
لهذا "يمكن للمغرب أن يساعد ألمانيا على الولوج إلى إفريقيا؛ إما بشكل مباشر في إطار تعاون ثلاثي، أو كطرف من خلال شراكة على مستوى القطاعين الخاص المغربي والألماني"، يذكر المحلل الاقتصادي.
تقوية وتدعيم التعاون الأمني
لا تتركز العلاقات المغربية الألمانية، على مسألة التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد فقط، بل تتضمن أيضاً التعاون في المجال الأمني، وهو ما كان فعلاً في لقاء وزير الشؤون الخارجية المغربي بنظيرته الألمانية، عندما أكدا التزامهما الخاص بمكافحة الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية، محمد شقير: "العلاقات في مجال التعاون الأمني بين البلدين سيتم تدعيمها وتقويتها مستقبلاً، على أساس اعتبارها علاقات ذات منحى استراتيجي، خاصة بعدما تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد تصحيح ألمانيا مواقفها من القضية الوطنية".
وأضاف المصدر، أن "السفير الألماني الذي يملك تجربة دبلوماسية مهمة في القارة الإفريقية والوطن العربي، كان استقبله المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف حموشي، في 08 يونيو/حزيران الماضي، إذ أكد له أن المغرب شريك استراتيجي لألمانيا في المجال الأمني والاستخباراتي ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة".
رغبة مشتركة لتعميق العلاقات
وفي الإعلان المشترك، جدد المغرب وألمانيا "رغبتهما المشتركة في مزيد من تعميق العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين منذ عدة سنوات، من أجل إقامة شراكة قوية وموجهة نحو المستقبل".
وأعلنت الوثيقة، التي اعتُمِدت عقب المباحثات التي أُجريت بين بوريطة وبربوك، يوم الخميس 25 أغسطس/آب الجاري بالرباط، عن إرادة الطرفين في إقامة "حوار استراتيجي حول القضايا الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
كما ذكر الإعلان المشترك، أن الطموح المشترك بين المغرب وألمانيا، "نابع من رغبتهما في تعزيز الحوار والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبين الأشخاص والنهوض بالديمقراطية ودولة القانون والحكامة الجيدة، وتطوير التجارة والاستثمارات، والتعاون في مجال السياسة البيئية وسياسة التنوع البيئي، وكذا الحلول الطاقية الخضراء".
الطاقات النظيفة بديل مشترك
على هذا المستوى، تعمل ألمانيا بشكل حثيث على توسيع دائرة الشراكات مع المغرب في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، باعتبار المملكة رسمت أهدافا حازمة للنهوض بهذا المجال.
ويعد الهيدروجين الأخضر أحد البدائل النظيفة المهمة التي يراهن عليها المغرب، والتي يشملها التعاون مع ألمانيا، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الألمانية، أمس بالرباط، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها المغربي.
وقالت الوزيرة الألمانية: "اتفقا على تعزيز التعاون الثنائي في ميادين الطاقات المتجددة ومكافحة التغيرات المناخية، وكذا في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر".