بينما تستعد سلطة إسرائيل لإطلاق أول رحلة من مطار رامون إلى تركيا مباشرة، ينتاب القلق الأردن، والذي سيتضرر من تراجع عدد السياح الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين كانوا يسافرون للأردن للسياحة، ويشكلون المرتبة الثالثة من مجمل أعداد السائحين.
ويؤكدّ مختصون في الشأن السياحي أنّ الأردن سيخسر أعداداً كبيرة من السياح بعد فتح مطار رامون، إذ يقدر عدد الفلسطينيين الذين يصلون الأردن كل سنة بـ400 ألف سائح، يتخذ غالبيتهم من المملكة ممراً للذهاب إلى وجهات أخرى سياحية كمصر وتركيا وحتى دول الخليج والدول الأوروبية بغرض الدراسة أو العمل والعلاج.
ويدفع الفلسطيني مبلغاً قدره عشرة دنانير لدى دخوله إلى الأردن عبر جسر ألنبي/جسر الملك حسين، الأمر الذي سيجعل الأردن يفقد مثل هذه الضريبة من الفلسطينيين الذين يقصدونه كمعبر أو وسيلة عبور للوجهات الأخرى.
وتؤكد المصادر أن شركتي طيران ستسيران رحلتين أسبوعياً من مطار رامون إلى إسطنبول وأنطاليا بدءاً من هذا الشهر، حيث جرت العادة أن يتوجه الفلسطينيون إلى الأردن من أجل الرحلات الجوية الدولية، لأن السفر من خلال مطار بن غوريون يتطلب موافقات خاصة.
السلطة الفلسطينية بدورها رفضت مشروع تخصيص مطار "رامون" الإسرائيلي لسفر الفلسطينيين، بسبب اعتبارات سياسية، وقالت إن من بين هذه الاعتبارات الحفاظ على العلاقات مع الأردن وعدم إضعافه.
انعكاسات القرار على الأردن
انعكاسات قرار فتح مطار رامون في وجه الفلسطينيين على السياحة والاقتصاد في الأردن ستكون واضحة، لكنّه حتماً سيُقلل السفر إلى الخارج على الفلسطينيين، حيث من الضروري على الفلسطيني التوجه للأردن كنقطة عبور ومن ثم يتجه إلى وجهته المقصودة.
الخبيرة السياحية وعضو مركز الشفافية الأردني رجاء جزار، كشفت أن عدد السياح الفلسطينيين بلغ هذا العام ولغاية اللحظة 300 ألف، مضيفة أن المنفذ الوحيد هو جسر الملك حسين ويأتون لزيارة الأقارب أو السياحة، أو للخروج من الأردن إلى بلد آخر باعتبار أنه لا يوجد أي منفذ آخر.
وأضافت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست" أن فتح مطار رامون أمام الفلسطينيين سيكون له تأثير سلبي على الأعداد القادمة إلى الأردن، وخاصة التي كانت تأتي بغرض رحلة ربط من مطار الملكة علياء إلى مقصدهم النهائي، باستثناء الذين يأتون لزيارة الأقارب وبغرض الدراسة أو العلاج فإن أعدادهم ستظل كما هي.
وأكدت المتحدثة أن الأعداد التي ستتأثر هم العابرون للخروج من مطار الملكة علياء بالأخص شركات سياحة أردنية كانت تحجز للفلسطينيين تذاكر وإقامات ورحلات وغيرها، وبطبيعة الحال فإنّ دخل البلد والعاملين بالسياحة سيتأثر بطريقة مباشرة.
وهذا لن تتم معرفته بحسب تأكيدات جزار إلا بعد مرور وقت على تسيير الرحلات، وبعدها تتم مراجعة هذه التوقعات ليرى تأثيرها على الاقتصاد الأردني وعلى عدد السياح الفلسطينيين القادمين إلى الأردن وحجم صرفهم.
واعتبرت المتحدثة أن في حالة نجحت سلطة المطارات في إسرائيل في تسيير رحلات إلى تركيا فإنه سيتم تسيير رحلات لوجهات ومناطق أخرى من مطار رامون، ومع مرور الوقت سيظهر حجم تأثير فتح المطار الإسرائيلي على الاقتصاد الأردني.
التسويق للأردن
تؤكد الخبيرة السياحية رجاء جزار أن من الضروري أن تبذل هيئة تنشيط السياحة في الأردن جهوداً أكبر بعد اتخاذ هذا القرار لتشجيع السياحة من ناحية التسويق، والتي يأتي على رأسها الأشياء الإيجابية التي سيراها الفلسطيني إذا سافر عن طريق الأردن.
وأضافت المتحدثة أن الفلسطيني يزور الأردن بشكل مستمر ويعتبرها وجهة مهمة لزيارة الأقارب والتسوق أو السفر منها للخارج بدافع الدراسة والسياحة والعمل، مشددةً على أنّ وجهة تركيا تعد مهمة ويحددها مدى نجاحها من مطار رامون سهولة السفر والتكلفة.
وتتوقع الخبيرة السياحية جزار أن تصل حجم خسائر الأردن فيما يتعلق بوجهة تركيا بعد تسيير رحلات من مطار رامون إلى أكثر من النصف، وهذا ما ينطبق على مصر أيضاً إذا ما تم إطلاق رحلات من مطار رامون باتجاهها والتي من المتوقع أن تكون أسهل من الأردن وأفضل سعراً.
وأكدت المتحدثة أن نجاح الرحلات الجديد لمطار رامون يحدده عوامل كثيرة منها عدد الخطوط التي سيتم تسييرها وأسعار التذاكر وسهولة الإجراءات، وهذه العوامل كلها ستحدد الخسائر المترتبة على الجانب الأردني والتي ستظهر من الأشهر الأولى لتطبيق الخطوة.
بدوره يؤكد رئيس جمعية السياحة الأردنية الوافدة عوني قعوار، أن هناك تأثيرات سلبية على الأردن بسبب الرحلة الجديد لمطار رامون، وأن أول الأضرار هو خسارة ضريبة المغادرة والتي تقدر بـ60 دولاراً (42 ديناراً أردنياً) تحت مسمى ضريبة مبيعات خاصة على تذاكر السفر بالجو، ويتم تقاسم هذه الضريبة بين الحكومة وشركة مجموعة المطار الدولي التي تدير المطار.
ويُعتبر مطار الملكة علياء بالعاصمة الأردنية البوابة الرئيسية الجوية للفلسطينيين الراغبين بالسفر للخارج، بل تعدّ الممر البري والجوي الوحيد لهم، ومنها إلى الدول الأخرى، سواء في رحلة البحث عن العمل أو رحلة الدراسة، أو حتى في رحلات السياحة والحج والعمرة، حيث يحتل الفلسطيني المرتبة الثالثة من نسبة أعداد السياح القادمين للأردن.
ومن هنا فإن الأردن لم يخسر فقط ضريبة المغادرة بحسب تأكيدات قعور بل سيتعداه إلى الأمور الأخرى كرسوم المبيت في الفنادق أو الشقق الفندقية؛ حيث يضطر الفلسطيني إلى البقاء ليلة أو ليلتين على أقل تقدير قبل التوجه إلى وجهته عبر الأردن، إضافة إلى أنّ الأردن سيخر الخدمات اللوجستية كرسوم التنقلات والمواصلات والمأكل والمشرب التي ينفقها الفلسطيني أثناء تواجده على الأراضي الأردنية.
وبالتالي فإنه من الضروري تطوير المنتج السياحي في الأردن، حيث يشدد قعور على أهمية السعي إلى تخفيض الضرائب والأسعار، ومنها رسوم الدخول والخروج إلى الأردن، وتسهيل استخراج الموافقات الأمنية للفلسطينيين وسرعة إنجاز المعاملات على المعابر والجسور وتسريع تنقلهم.
أيضاً يجب التخفيف من التعقيدات التي تواجه الفلسطينيين أثناء دخولهم وتواجدهم على الأراضي الأردنية، الأمر الذي سيشجعهم على التوجه للأردن والإبقاء عليه معبراً وبوابة رئيسية للتوجه والسفر إلى البلدان الأخرى، ومن شأنه أن يقطع الطريق على القرار الإسرائيلي الأخير.
كما دعا قعوار إلى إعادة فتح وتحديث جسر الأمير محمد المعروف بـ"جسر داميا" الذي يعتبر مُغلقاً والذي يقطع نهر الأردن بين الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين الأردن، حيث تمّ تجديده عدة مرات في القرن العشرين، لكن لم يعد افتتاحه مرة أخرى وبقي مغلقاً.
دور غائب لوزارة السياحة وهيئة التنشيط
دور هيئة تنشيط السياحة بعد اتخاذ هذا القرار يعتبر مهماً، لكن الهيئة لم تقُم بالإجابة عن هذا السؤال بعد تواصل مراسل "عربي بوست" مع الناطق الإعلامي لهيئة تنشيط السياحة أنس العدوان، وهل ستتخذ إجراءات الهيئة تدابير وخطوات محددة بعد القرار.
كما تمّ التواصل من "عربي بوست" مع الناطق باسم وزارة السياحة والآثار أحمد الرفاعي، الذي تعلل بالاعتذار عن الإجابة، وحملت نفس مبررات نظيره في هيئة تنشيط السياحة، وأن هذا الأمر ليس من اختصاصات الوزارة، بل إنه من المفترض من اختصاصات الهيئة.
لكنّ عضو مجلس النواب الأردني ومقرر لجنة السياحة والآثار والخدمات العامة بالمجلس المهندس سالم حسني سالم العمري، قال لـ"عربي بوست"، إن الإجراء المتخذ من الجانب الإسرائيلي من شأنه أن يؤثر سلباً على الأردن ويقلل من تدفق الفلسطينيين إليها، باعتبار أنه سيقلل من الأعباء على المسافر الفلسطيني، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية التي تعتبر إسرائيل عدواً ومحتلاً.
ومن أهم الخسائر التي سيتكبدها الأردن بعد قرار فتح مطار رامون أمام الفلسطينيين وتسيير رحلات إلى تركيا، بحسب ما يذهب إليه العمري هو خسارة الضرائب ورسوم الدخول إلى الأردن، والخدمات اللوجستية التي يدفعها المسافر الفلسطيني أثناء فترة إقامته قبل توجهه لوجهته الأخيرة من (رسوم المبيت، مأكل ومشرب، وتنقلات).
وبالتالي فإن الجهات الرسمية تحتاج- بحسب المتحدث- إلى تطوير المنتج السياحي، سواء من قبل وزارة السياحة أو من قبل هيئة تنشيط السياحة أو من قبل وزارة النقل وحتى وزارة الداخلية، فهي مسؤولية مشتركة تحتاج إلى تكاتف الجهود وتضافرها للتقليل من آثار وتبعات القرار الإسرائيلي على الأردن.
ومن بين هذه الإجراءات التي يجب أن يتخذها الأردن تحسين الأسعار المطلوبة والتقليل من الرسوم والضرائب على مستوى الدخول والخروج من وإلى الأردن وسرعة إصدار الموافقات الأمنية ليكون بمقدور الفلسطيني سرعة الحركة والتنقل.
كما يهيب العمري بضرورة سرعة إنجاز المعاملات على الجسر وتحسين مستوى جودة الخدمات على المعابر من مطاعم واستراحات، وتسهيل حركة المرور، بعيداً عن التعقيدات التي يأخذ كثير منها أبعاداً سياسية، وهذا من شأنه ألا يشجع الفلسطيني على اعتبار الأردن بوابة عبور رئيسية كما كان قبل اتخاذ القرار الإسرائيلي، وسيضطر بالتالي إلى الأخذ بالخيارات الأكثر سهولة في تنقله وسفره إلى البلدان الأخرى.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”