بات من الصعب على كثير من المناطق في جنوب إيطاليا اجتذاب الأطباء الإيطاليين للعمل بمستشفياتها، فقد استحوذت الإدارة السيئة على هذه المستشفيات، واستفحلت فيها أزمة نقص التمويل، وتغلغلت عصابات المافيا في كثير منها حتى أصبحت لها السيطرة عليها.
لذلك لجأت السلطات إلى حل غير مألوف لحل الأزمة، فقد قررت أن تستعين بنحو 500 طبيب كوبي للعمل بهذه المستشفيات. وأعلن روبرتو أوكيوتو، حاكم إقليم كالابريا الواقع في أقصى جنوبي شبه الجزيرة الإيطالية، عن توقيع اتفاق مع الحكومة الكوبية لتوظيف 497 طبيباً كوبياً؛ لتجنب الاضطرار إلى إغلاق المستشفيات في المنطقة، وذلك حسبما نشرت صحيفة The Times البريطانية في تقريرها الجمعة 19 أغسطس/آب 2022.
اقرأ أيضاً
مدن إيطاليا تستعين بأطباء من كوبا
من جانبه أعلن أوكيوتو عن خطته المفاجئة في مقطع فيديو، وقال فيه إنه ناشد في البداية أطباء كالابريا الذين يعملون خارج الإقليم أن يعودوا إلى محل نشأتهم، وأن "يمدوا يد العون"، لكن "أحداً لم يتقدم" للعمل عندما أعلنت سلطات الإقليم عنه.
كما قال أوكيوتو إن الأطباء الكوبيين أبانوا عن حُسن تدريبهم وأثبتوا براعتهم عندما جاءت مجموعة منهم إلى إيطاليا في ذروة أزمة كورونا.
في حين أنه من المقرر أن يحل الأطباء الكوبيون محل الأطباء الإيطاليين الذين أعجزتهم القيود البيروقراطية الخانقة، وتسلَّط عليهم مديرون محليون ينالون وظائفهم بالمحسوبية لا بالجدارة، علاوة على استشراء الفساد وهيمنة عصابات المافيا التي تفرض نفوذها على المستشفيات وتسرق أموالها، حتى إن كثيراً من المرضى يبقون في أقسام الطوارئ أياماً عديدة دون أن يتلقوا رعاية بسبب نقص الأسرَّة وضعف الإمكانيات.
اقرأ أيضاً
تعيين أطباء جدد
في سياق ذي صلة زعم ماسيمو سكورا، مسؤول الرعاية الصحية بالمنطقة من عام 2015 إلى عام 2018، أنه نجح في تعيين أطباء جدد من أجل العمل بمستشفيات كالابريا، إلا أن أياً منهم لم يوافق على الذهاب إلى بلدة معينة، وهي بلدة "بوكري"، التي يقع فيها المستشفى الذي تسيطر عليه مافيا "ندرانغيتا" في إقليم كالابريا.
حيث قال سكورا: "لقد قتلت المافيا طبيباً كان يحاول تغيير الأمور، ولما أراد مدير المستشفى أن ينقل ممرضات من جناح إلى آخر، قيل له إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك".
كما أوضح نيكولا ألتييرو، وهو محقق إيطالي كبير في مكافحة المافيا، في حديث أُجري معه في فبراير/شباط 2022، أن "سيطرة مافيا ندرانغيتا على مستشفيات كالابريا تضمن الأولوية لرجالهم في تلقي العلاج، واختيار الأطباء الموثوق بهم. لقد تبين لي أثناء تحقيق أجريته أن الطبيب المسؤول عن تدقيق حسابات النظام الصحي في مدينة ريدجو كالابريا متعاون مع المافيا".
سجل سيئ في الإدارة
لما كانت مستشفيات كالابريا لديها سجل سيئ في الإدارة وفي إنقاذ الأرواح، فإن السلطات لجأت منذ عام 2010 إلى إدارة المنظومة الصحية مباشرة من العاصمة الإيطالية، وآثرت عدم الاعتماد على مدير إقليمي.
فيما قالت آنا سيرجي، أستاذة علم الإجرام المولودة في كالابريا وتدرس بجامعة إسيكس البريطانية، إن إدارة النظام الصحي للإقليم من العاصمة "زادت من القيود البيروقراطية والبطء في تعيين أطباء جدد. وعلى الرغم من أن الإدارة في روما وأن المخصصات الصحية للإقليم تبلغ نحو 3.5 مليار دولار كل عام، فإن حصة كبيرة من هذه الميزانية تتلاشى بفعلِ الفساد".
كما أشارت سيرجي إلى أن القطاع الصحي هو "أكثر القطاعات العامة درّاً للأموال في الإقليم، وقد وجدت فيه عصابات المافيا والموظفون الكبار القدامى سبيلاً يسيراً لجني الأرباح".