مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تقدماً لافتاً لمعسكر اليمين، الذي من المتوقع أن يحسم هذه الانتخابات، بعد أن بات قريباً من الوصول إلى عتبة 62 مقعداً، ما يعني عودة مرتقبة لزعيم اليمين بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة في إسرائيل.
تثير هذه الاستطلاعات قلق المملكة الأردنية التي تخشى عودة نتنياهو للحكم، بالنظر لما يتبناه الرجل من مواقف يمينية متشددة، كسحب الوصاية الأردنية من المقدسات الإسلامية في القدس، والتلويح بخيار الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، وإنشاء كونفدرالية بين الضفتين الغربية والشرقية كرؤية يروج لها اليمين كمدخل لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في ظل استبعاد الوصول لخيار حل الدولتين.
لقاء عبد الله- لابيد.. مصالح مشتركة
سارع الأردن للبحث عن مأزق لتفادي هذا السيناريو، ودخل فيما يمكن وصفه بسباق مع الزمن، لخلق حالة من التأثير في هذه الانتخابات تمنع وصول نتنياهو للحكم، فزار رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد العاصمة عمان في 27 من يوليو/تموز 2022، بطلب من الملك عبد الله لمناقشة مستقبل العلاقة بين البلدين، ومدى تأثرها في ضوء نتائج الانتخابات المرتقبة.
لا يمكن اعتبار لقاء عبد الله- لابيد حدثاً عادياً، وهو ما أكدته صحيفة "معاريف" العبرية نقلاً عن مصادر أردنية رفيعة المستوى لم تسمها، قالت إن العاهل الأردني أبلغ لابيد أنه يسعى خلال الفترة القادمة للقاء قادة سياسيين إسرائيليين فاعلين ومؤثرين في الساحة الانتخابية، بهدف خلق تأثير في الساحة السياسية الإسرائيلية لقطع الطريق أمام وصول نتنياهو للحكم.
فيما أكدت مصادر دبلوماسية أردنية لـ"عربي بوست" أن "الملك عبد الله أوعز بتشكيل خلية أزمة مكونة من 10 مسؤولين بارزين في المملكة، منهم سياسيون وأكاديميون ورجال دين وشيوخ عشائر، لإجراء اتصالات مع رؤساء الأحزاب العربية في إسرائيل، لإقناعهم بضرورة التحالف في قائمة انتخابية مشتركة، بهدف زيادة عدد مقاعد هذه الأحزاب في الانتخابات القادمة، لأن من شأن ذلك التأثير على كتلة اليمين في هذه الانتخابات، وبالتالي لن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة يمينية بأغلبية 61 مقعداً".
فتح قنوات اتصال مع التيارات الإسلامية
أكد المصدر أن "الملك عبد الله طالب أيضاً بفتح قنوات اتصال مع الجماعة الإسلامية في إسرائيل- فرع الشمال، للضغط عليها بعدم تبني موقف لمقاطعة الانتخابات القادمة، والإيعاز لحركة حماس، وتحديداً رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، الذي زار الأردن بشكل مفاجئ بطلب من الملك عبد الله، لإقناع رئيس الحركة الإسلامية رائد صلاح، بعدم تبني قرار المقاطعة والطلب من أنصاره التصويت في هذه الانتخابات، حتى تستطيع الكتلة العربية في الكنيست الوصول إلى 15 مقعدا، وهي نسبة كافية لقطع الطريق أمام عودة نتنياهو للحكم".
قد يكون من اللافت أن تجبر الحالة السياسية الراهنة في إسرائيل، بأن تلتقي مصالح الأردن مع زعيم كتلة اليسار يائير لابيد لهدف مشترك، وهو الاشتباك السياسي مع نتنياهو، وهو ما يفسر تجاوز الأردن للخطوط الحمراء في سياساته المعهودة بالتعامل مع تيارات سياسية كحركة حماس والجماعة الإسلامية في إسرائيل، التي لم تكن يوماً مرحَّباً بها في الأردن.
كشف مصدر إعلامي مقرَّب من حزب التجمع الوطني في الناصرة لـ"عربي بوست" أن "اتصالات جرت مؤخراً بين قادة الكتل السياسية في القائمة العربية المشتركة ووزير الخارجية الأردني ومسؤولين آخرين، تمحورت حول دعوة أردنية لزيارة العاصمة عمان، والوقوف على صيغة مشتركة لدخول الانتخابات القادمة في قائمة موحدة تجمع الكتل البرلمانية الأربعة، ورأب الصدع مع زعيم القائمة العربية الموحدة منصور عباس، نظراً لما يمثله من تأثير في الجمهور العربي في النقب".
وأضاف المصدر، "نتوقع أن تشهد الأيام القادمة تكثيفاً لهذه الاتصالات ضمن الجهود التي يقودها مسؤولون أردنيون، على أن تنتهي باجتماعات تجمع أحمد الطيبي وأيمن عودة ومنصور عباس، تفضي بعودة التحالف العربي من جديد، بعد أن أبدى منصور عباس إشارات برغبته في التنازل عن مواقفه، وأهمها التنازل عن رئاسة القائمة، والتي كانت أحد الأسباب التي أدت لتفكك القائمة المشتركة في انتخابات مارس/آذار 2021".
ممَّ يخشى الأردن في الانتخابات الإسرائيلية ؟
هذه المصالح المشتركة نابعة من تأثير محتمل لعودة نتنياهو للحكم، إذ كانت علاقات إسرائيل بالمملكة في أوج توترها وتضاربها إبان فترة رئاسته للحكومة بين عامين 2009-2021، نظراً لما يروجه من برامج سياسية يرى الأردن أنها تتعارض مع رؤيته لحل الصراع، كخلق وطن بديل للفلسطينيين داخل المملكة.
إلا أن هذه المخاوف الأردنية تلاشت بعد تشكل حكومة التغيير في إسرائيل، فباتت زيارة المسؤولين الإسرائيليين للملكة حدثاً عادياً ومتكرراً خلال العام الأخير، ما أكسب الأردن مكانة سياسية افتقدها في فترة نتنياهو، كما وافقت إسرائيل مؤخراً على منح الأردن امتيازات تنموية كزيادة كميات المياه المحلاة بنحو 400 مليون كوب، وإنشاء مدينة صناعية على الحدود، وزيادة عدد العمال الأردنيين في مدينة إيلات جنوب فلسطين المحتلة.
داوود كتاب، المحلل السياسي الأردني المقيم في القدس قال لـ"عربي بوست" إن "الأردن متخوف من عودة نتنياهو، ومعه الجانب الأكثر تطرفاً في إسرائيل للحكم، ويعلم أن الفرق بين المخيمين قد يكون صوتاً أو صوتين، وللعرب فرصة كبيرة أن يؤثروا، ولذلك فإن الدولة الأردنية تفضل في الحد الأدنى ألا تقوم الحركة الإسلامية بالتحريض ضد المشاركة، وفي الحد الأقصى أن تشارك".
وأضاف المتحدث "يراهن الأردن أيضاً على دخول المنطقة في أجواء أكثر اعتدالاً، خاصة مع اقتراب توصل إيران والدول الغربية لاتفاق بشأن البرنامج النووي، وبالتالي يسعى الأردن إلى إحياء مشروع حل الدولتين، وألا تتشكل في إسرائيل حكومة يمينية من التيارات الحريدية المتطرفة، تروج بأن يكون الأردن الوطن البديل المحتمل للفلسطينيين، أو إبقاء الحالة السياسية الإسرائيلية مشلولة دون حكومة يمكن أن تحسم الصراع أو تتخذ مواقف ستلحق الضرر بالأردن".