يقف لبنان أمام مجموعة استحقاقات عاجلة واستثنائية، تتحدد معها الوجهة التي سيسلكها في المستقبل القريب، فيما سيدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية خلال المهلة الدستورية التي ستنتهي بعد أقل من عشرين يوماً.
الأمر الذي فتح الباب أمام خلط للأوراق وطرح للأسماء داخلياً وخارجياً، فيما لم يعلن حزب الله دعمه لأي مرشح رئاسي واضح، على الرغم من إعلان خليفة زعيم تيار المردة سليمان فرنجية ترشيحه من على منبر رئيس المجلس النيابي، إلا أن أوساط حزب الله تؤكد أنها منفتحة على عقد تسوية داخلية مع الأطراف الأساسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
تشير مصادر لـ"عربي بوست" أن ثمة توجهات دولية، تتوافق مع رغبة قوية من رأس الكنيسة المارونية في لبنان في أن الرئيس القادم لن يكون محسوباً على أي جهة، وبالأخص لا يكون حليفاً لحزب الله.
هواجس البطريركية المسيحية: رئيس غير ممانع
لا يخفي رأس الكنيسة المارونية في لبنان البطريرك مار بشارة الراعي مناشدته الدول الصديقة للمساعدة في الدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، ومنع دخول البلاد في فراغ رئاسي يطيح بالمنصب المسيحي الأول في البلاد بعد تجربة الرئيس ميشال عون، هذه المناشدة شجعت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لزيارة الراعي ومناقشة الأمر معه.
فالأخير يدفع، منذ أشهر، باتجاه انتخاب رئيس في أول المهلة الدستورية ودأب على وضع مواصفاته التي تكاد تتطابق مع رؤية فرنسا لذاك الرئيس وهذه المواصفات التي وضعها أعلى سلطة روحية مسيحية تطيح بأحلام رؤساء الأحزاب المسيحية بالوصول لمنصب رئاسة الجمهورية، حيث يقترح الراعي إبعاد أي مرشح من الأطراف الرئيسية عن الموقع بغية إعادة الاعتبار لمنصب رئاسة الجمهورية، ويكون أبرز اهتماماته إعادة علاقة لبنان مع الدول العربية والغربية بعد انقطاعها في عهد عون نتيجة انحيازه لفريق حزب الله.
وتشير مصادر دبلوماسية لـ"عربي بوست" أن السفيرة غريو ناقشت مع الراعي غنى الطائفة المارونية بالشخصيات المستحقة لهذا المنصب، وطرحت، كمثال، خمسة أسماء تثق بنزاهتها وجديتها وقدرتها على تولي المنصب المنشود، وهم رجل الأعمال سليم ميشال إده، أو مدير الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، أو المصرفي سمير عساف أو وزير الداخلية السابق، زياد بارود، وأخيراً قائد الجيش جوزيف عون.
بالمقابل تشير مصادر البطريرك الراعي لـ"عربي بوست" أن الملف الرئاسي وهواجس المسيحيين ناقشها الراعي في لقاء مغلق مع رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، حيث بادر الراعي لسؤال جعجع عمن هو مرشحه للرئاسة، وتؤكد المصادر أن جعجع قال أمام الراعي عن استعداده لدعم رئيس توافقي، مشترطاً فقط ألا يكون حليفاً لحزب الله أو نظام بشار الأسد، وتشير المصادر إلى أن الراعي أكد لجعجع أن نظرته لا تختلف عن نظرة البطريرك كثيراً، انطلاقاً من هذا الطرح، وأنه قال لجعجع إن موقفه بعدم الترشح واستعداده لانتخاب مرشح محايد يتفق حوله معظم اللبنانيين، هو من أبرز الأسباب التي جعلت السلطة الروحية تذهب للمطالبة برئيس توافقي، يجمع ولا يفرق.
حراك دولي: رئاسة الجمهورية والحكومة معاً
بالمقابل يتجدد الاهتمام الدولي بلبنان من بوابة حماية الاستقرار، ولا تخفي القوى الدولية قلقها من احتمال نشوب توترات أمنية أو عسكرية على الساحة اللبنانية، بعضها قد يرتبط بحسابات إقليمية ودولية، وبعضها الآخر يرتبط بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية وانعكاساتها على وضع اللاجئين السوريين، في ظل المطالبات المستمرة لإعادتهم لبلادهم دون ضمانات إنسانية.
وعليه تشير مصادر دبلوماسية غربية لـ"عربي بوست" أن الملف اللبناني في "مطبخ" يجري الإعداد له بين باريس ودولة أوروبية أخرى، وتشير معلومات المصدر إلى أن البحث عن توفر ظروف اختيار رئيس جديد للجمهورية مع رئيس للحكومة، وتقود هذه المبادرة باريس وتسعى لإطلاق منصة دولية وإقليمية تضم الدول الفاعلة، كالولايات المتحدة والسعودية وإيران وقطر والفاتيكان، وقد يجري ضم مصر إليها إذا اقتضت الحاجة لذلك، ويشير المصدر إلى أن انطلاق عمل هذه المبادرة ستنطلق بداية سبتمبر/أيلول المقبل أي مع بداية الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد.
بالمقابل يؤكد المصدر أن عاصمة أوروبية ستستضيف منتصف سبتمبر/أيلول المقبل ممثلي معظم القوى السياسية التقليدية والتغييرية إضافة إلى شخصيات قانونية ودستورية، وذلك على مدار أشهر بهدف العمل على مجموعة المسارات العالقة أهمها الإصلاحات الدستورية والأزمات السياسية بين مختلف الأطراف ومعالجة المشاكل الاقتصادية وهذا المسار سيكون مرتبطاً بجولات الحوار التي سترعاها باريس مع الدول الناشطة لبنانياً.
وهذا الاهتمام تبديه أكثر من دولة على رأسها فرنسا، لذا تشير الكاتبة اللبنانية، هيام قصيفي، إلى أن الحديث الآن بات ضرورياً عن اتجاهات فرنسية جديدة في الملف الرئاسي، فمنذ لقاء الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 28 يوليو/تموز الماضي، تذهب الاجتهادات اللبنانية في منحى دخول فرنسا على خط الرئاسة من الباب العريض، وافتراض أنها ستتحرك بخطوات ثابتة، وأن القوى السياسية بدأت تتعاطى مع الإشارات الفرنسية والتوصيفات التي تحددها دبلوماسيتها في بيروت للرئيس المقبل على أنها عنوان سياسة فرنسا الرئاسية في الاستحقاق المقبل.
تعقيدات داخلية
بالمقابل، وعلى المستوى الداخلي، لا تزال الصورة ضبابية حيال اتّضاح اتجاهات تصويت الكتل النيابية الوازنة بانتخابات الرئاسة، ذلك انّ أبرز المطروحين للانتخابات الرئاسية وهو سليمان فرنجية ما تزال حظوظه غير مكتملة وسط إشارات التصلّب التي يرسلها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حيال رفضه دعم فرنجية، كذلك الكتلة المسيحية الأكبر أي القوات اللبنانية، والتي من المستحيل دعم مرشح قريب للنظام السوري وحزب الله لهذا الموقع.
وعليه يشير المحلل السياسي، منير الربيع، إلى أنه وفي التكتيكات اليومية، يتم تداول سيناريوهات ثلاثة في الملف الرئاسي: وهو أن تتمكن القوى المعارضة من اتفاق نحو 65 نائباً لفرض نجاح رئيس غير خاضع لمحور حزب الله. وهذا يبدو شبه مستحيل، بسبب الخلافات وعدم القدرة على تأمين النصاب، السيناريو الثاني أن يتفق 42 نائباً من المعارضة على تعطيل النصاب، لمنع حزب الله وحلفائه من إيصال الرئيس الذي يريدون. أما السيناريو الثالث فيفيد -في حال تمكن حزب الله من تأمين التوافق وفرص نجاح أحد مرشحيه أو حلفائه- أن يكون ردّ خصوم الحزب وحلفائه النزول إلى الشارع.
ويرى الربيع أن الخيار السياسي يظل قائماً، في حال حصول توافق إقليمي- دولي على صيغة تسوية، قد تؤدي إلى اختيار شخصية سياسية توافقية لرئاسة الجمهورية، رغم كونها محسوبة على أحد الأطراف. وهذا يقابله أن يكون رئيس الحكومة أيضاً محسوباً على الطرف الآخر، يندرج هذا كله في خانة التكهنات والسيناريوهات واستعراضها إلى أن يحين موعد الاستحقاق.