لم تمر ساعات قليلة على إعلان نتيجة الثانوية العامة في مصر، مطلع الأسبوع الجاري، حتى اكتظت الجامعات الخاصة بطوابير أولياء الأمور والطلاب الساعين للتقديم فيها، في الوقت الذي تشهد فيه الجامعات الأهلية استمرار اختبارات القبول.
وتشير إحصاءات نتيجة الثانوية العامة إلى أن سوق الجامعات الأهلية والخاصة سيكون رائجاً؛ لأن شرائح الطلاب الذين حصلوا على مجاميع مرتفعة تزايدت عن العام الماضي، بعد تطبيق نظام الامتحانات الجديد لأول مرة.
هذه النتائج ستجعل الجامعات الحكومية غير قادرة على استيعاب كافة أعداد الطلاب، الذين سيكون عليهم اختيار كليات حكومية تقبل بمجموع أقل، أو التوجه إلى الجامعات الخاصة بحثاً عما يسمى "كليات القمة".
كل ذلك انعكس مباشرة على الحد الأدنى من تنسيق المرحلة الأولى الذي أعلنته وزارة التعليم العالي، وزاد بمعدل 1% تقريباً بالنسبة للشعبة العلمية التي حددها مكتب التنسيق هذا العام بنسبة 89.2% مقارنة بـ 88.4% العام الماضي.
أما بالنسبة للشعبة الهندسية أو "علمي رياضة"، فزادت بمعدل 3% عن العام الماضي، وقبلت بحد أدني 83.17% هذا العام مقابل 80% العام الماضي.
وفي الوقت ذاته، فإن شرائح الطلاب الحاصلين على مجاميع أقل من 60% تزايدت هذا العام وبلغت 35% من إجمالي عدد الطلاب الذين خاضوا امتحانات الثانوية العامة هذا العام وبلغ عددهم 700 ألف طالب مقارنة بـ32% العام الماضي من إجمالي عدد الطلاب.
هذه الأرقام تعني أن هناك أعداداً أكبر من الطلاب لن تجد مقاعد لها بالجامعات الحكومية وسيكون عليها التوجه إلى الجامعات الأهلية أو الخاصة وغيرها من المعاهد والأكاديميات الأخرى.
إقبال على الجامعات الأهلية والخاصة
أشار مصدر مطلع بمكتب تنسيق وزارة التعليم العالي الذي يتولى مهمة توزيع الطلاب حسب الكثافات المتاحة داخل الجامعات الحكومية والخاصة، إلى أن ارتفاع شرائح المجاميع بنسبة تصل إلى 2% سيؤدي إلى ارتفاع مماثل في الحد الأدنى للقبول بكليات المجموعة الطبية.
وأضاف المتحدث أن أعداداً أكبر من الطلاب ستتجه إلى الجامعات الأهلية والخاصة، وكذلك الوضع بالنسبة لكلية الهندسة التي تشهد انخفاضاً في نسب القبول بالكليات الحكومية هذا العام ضمن توجه عام للدولة لتقليل أعداد المقبولين فيها.
وبحسب المصدر ذاته، فإن زيادة معدلات نجاح الشعب العلمية هذا العام أفضى لوجود 45 ألف طالب إضافي يتنافسون على المقاعد، وأن قرار اللجنة العليا للتنسيق التي انعقدت بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة بعدم زيادة أعداد المقبولين بالكليات الحكومية، سيقود نسبة مهمة إلى الجامعات الخاصة والأهلية.
وكشف مصدر لـ"عربي بوست" أن اللجنة العليا للتنسيق تتجه نحو تخفيض عدد المقبولين بكليات الطب والهندسة والصيدلة، وسيُرفع الحد الأدنى للقبول بكليات التجارة والحقوق والآداب لتقليل أعداد الطلاب، ودفعهم إلى أقسام وكليات جديدة توفرها الجامعات التكنولوجية والأهلية التي أنشأتها الحكومة مؤخراً.
وكان الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي، قد أعلن أن "تخفيض عدد الطلاب الملتحقين بكليات القمة وهي كليات الهندسة والطب قيد الدراسة بالتنسيق مع مختلف الجامعات في تنسيق الجامعات 2022".
وتبرر الوزارة خفض أعداد المقبولين بكليات القمة الحكومية لـ"عدم احتياج سوق العمل لعشرات الآلاف من الخريجين سنوياً"، لكن اللافت أنها تتوسع في افتتاح كليات مماثلة بالجامعات الأهلية والخاصة، وتوافق على منح تراخيص مماثلة لنفس الكليات والأقسام بالجامعات الدولية.
ضغوطات رئاسية
تجد الحكومة المصرية نفسها في مأزق؛ لأنها تسعى تحت ضغوطات رئاسية تستهدف الاستثمار في التعليم وتحصيل عوائد مالية من ورائه لافتتاح 12 جامعة أهلية أخرى مع بداية العام الدراسي الجديد، لكن دون أن تنتهي من غالبية الإنشاءات الخاصة بها.
الأمر تسبب في عدم قدرة وزارة التعليم العالي على فتح باب القبول في هذه الجامعات الجديدة أسوة بالجامعات التي بدأت من العام الماضي، وتُسابق الزمن لإيجاد صيغة مناسبة تضمن لها إتاحة الاختبارات وقبول الطلاب في بعض البرامج الدراسية التي ستتمكن الانتهاء منها.
يقول مصدر مسؤول بتيار استقلال جامعة عين شمس إن الحكومة تستثمر في الجامعات الأهلية وتدرك أنها ستحقق مكاسب طائلة على المدى القريب أو البعيد، ويرجع ذلك لأن الدولة تشجع على التعليم الجامعي ولا تولي اهتماماً بالتعليم الفني الذي من المفترض أن يتصدر المشهد.
وأضاف المتحدث أن الأمر يجعلنا أمام زيادات مضطربة في أعداد خريجي الثانوية العامة والشهادات المعادلة في كل عام، في حين أن الحكومة لا تتوسع في إنشاء الكليات الحكومية المجانية.
ويضيف المصدر أن حصول القدر الأكبر من الطلاب على مجاميع لا تتجاوز 70% يشي بأن هؤلاء سيكون مصيرهم نحو التعليم الخاص، وأن الجامعات الحكومية تقف عند حدود 60% أو 65% على أقصى تقدير.
وأشار المتحدث إلى غياب توعية الطلاب وأولياء أمورهم بطبيعة الكليات التي تتماشى مع تطورات سوق العمل، ويبدو أن هناك قصداً في ذلك حتى يتزايد الاهتمام بما يسمى بكليات القمة التي يروج سوقها بالجامعات الأهلية والخاصة.
ويعتبر أن مصطلح الجامعات الأهلية يتنافى مع هدف الحكومة من تحقيق أرباح من ورائها، والمفترض أن تكون غير هادفة للربح ومن ثم انخفاض مصروفاتها أو تحملها بشكل كامل، لكن يمكن القول بأن تلك الجامعات بمثابة برامج خاصة تتبع الجامعات الحكومية ولكن بمصروفات في شكل كليات منفصلة.
أولياء الأمور يستبقون إعلان النتيجة
لم ينتظر أيمن محمود، ولي أمر طالبة حصلت على مجموع 64% بالشعبة العلمية علوم ظهور نتيجة ابنته، وتوقع بأنه لا مكان لها بالجامعات الحكومية، ما قاده للتقديم على اختبارات القبول بالجامعات الأهلية التي لم تنتهِ بعد أن وصلت إلى مرحلتها الثانية على أن تنتهي الأسبوع القادم.
ويتم نظام القبول بالجامعات الأهلية على أساس المجموع الاعتباري للطالب، ويتم حسابه من خلال مجموع الطالب في الثانوية العامة أو الشهادة المُعادلة، مُضافاً إليه درجات الاختبار الإلكتروني (70% لمجموع الثانوية العامة أو ما يُعادلها + 25% لاختبار المعلومات القطاعية + 5% لاختبار التفكير النقدي).
بعد ظهور النتيجة وجد ولي الأمر الذي يسعى لإلحاق ابنته بكلية الحاسبات والمعلومات أن مكانها قد لا يكون مضموناً أيضاً بالجامعات الأهلية نتيجة زيادة الإقبال عليها هذا العام، وقرر أن يسير في طريق آخر عبر التقديم في الأكاديمية البحرية (جامعة خاصة تمنح شهادة دولية).
ورغم أن مصروف الجامعة الخاصة يُضاعف نظيرتها الأهلية، لكنه اختار أن يضمن مقعداً لابنته في الكلية التي ترغب فيها إلى جانب قناعته بأن سوق العمل أضحى الآن جاذباً لخريجي الجامعات الخاصة والدولية على نظيرتها الحكومية وليس العكس كما كان سائداً منذ سنوات.
لم يختلف توجه أحمد عبدالرحيم، وهو ولي أمر طالبة حصلت على مجموع 75% بشعبة الرياضيات، كثيراً، قائلاً: "أدركت صعوبة دخول ابنتي لكلية الهندسة التي من المتوقع أن تقبل طلاباً حصلوا على مجموع 85% هذا العام".
وأضاف المتحدث في حديثه مع "عربي بوست": "كل تركيزي انصب على دعم ابنتي وتجهيزها لاستكمال اختبارات القبول بجامعة الجلالة الأهلية (شرق القاهرة)، وانتظر فتح باب التقديم على باقي الجامعات الجديدة التي من المتوقع أن تبدأ هذا العام في محافظات مختلفة أملاً في إيجاد مقعد دراسي".
لا يستطيع عبدالرحيم دفع مبالغ مالية تصل في الجامعات الخاصة إلى 90 ألف جنيه سنوياً بينما الجامعات الأهلية تبلغ مصروفاتها 65 ألف جنيه مقسمة على فصلين دراسيين، وينتظر إمكانية تخفيضها مرة أخرى، كما صرح أمس وزير التعليم العالي في ظل تشجيع الحكومة على الإقدام عليها.
لكن ولي الأمر أشار إلى أن هذا المبلغ وحتى إن تم تخفيضه يفوق طاقته أيضاً، ويضطر لتحمل الصعوبات المادية بدلاً من دخول كلية التجارة الحكومية التي تتضاءل فيها فرص العمل مع زيادة أعداد خريجيها كل عام.
وتواصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قبول رغبات الطلاب الراغبين في الدراسة في الجامعات الأهلية الدولية عبر موقع تنسيق الجامعات الأهلية الدولية الإلكتروني، في الوقت ذاته أعلنت الوزارة تضمين 12 جامعة أهلية حكومية ضمن تنسيق القبول بالجامعات المصرية 2022.
وفتحت أربع جامعات أهلية أبوابها لاستقبال الطلاب مطلع العام الدراسي الماضي، وهي جامعات "الملك سلمان الدولية، والعلمين الدولية، والمنصورة الجديدة، والجلالة"، ووجدت صعوبات جمة في جذب الطلاب إليها نتيجة ابتعاد أماكنها عن العاصمة القاهرة.
أيضاًن وجدت هذه الجامعات صعوبة استقطاب الطلاب، بعد التسرع في افتتاحها دون استكمال البرامج الدراسية والمقررات، إلى جانب أن تنسيق العام الماضي ساهم في وجود أماكن بالكليات الحكومية والخاصة دون الحاجة للإقبال عليها.
الحكومة تراقب الجامعات الخاصة
كشف الجهاز المركزي للتعبئة العـامة والإحصاء لوجود 3.4 مليون طــالب مسجلون بالتعليم العالي للعام الجامعي قبل الماضي في مقابل 3٫3 مليون طالب عام 2019/2020 بنسبة زيادة قدرها 2.6%، بينهم 2.5 مليون طالب مقيد بالجامعات الحكومية والأزهر.
وأضاف التقرير الذي خرج في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن طلاب التعليم العالي بالجامعات الحكومية والأزهر يمثلون 71٫8% من إجمالي طلاب التعليم العالي خلال العام الدراسي قبل الماضي، مقابل 2.4 مليون طالب عام 2019/2020 بنسبة زيادة قدرها 0.7%.
زيادة الطلاب المضطربة تظهر واضحة في الجامعات الخاصة بالرغم من قلة أعداد الطلاب فيها مقارنة بالجامعات الحكومية، إذ تؤكد التقرير وجود 221.7 ألف طالب مقيدون بالجامعات الخاصة في العام الدراسي قبل الماضي.
ويُمثل هؤلاء الطلاب 6.5% من إجمالي طلاب التعليم العالي العام الماضي، مقابل 207.2 ألف طالب عام 2019/ 2020 بنسبة زيادة قدرها 7%، وهو أمر تدركه الحكومة جيداً التي تراقب معدلات اتجاه الطلاب إلى الجامعات الخاصة.
يذهب خبير تربوي للتأكيد أن الجامعات الأهلية ستكون الأكثر استفادة من نتيجة الثانوية العامة؛ لأنها تحدد نسب قبول منخفضة عن الجامعات الخاصة، ما يجعل الشرائح التي حصلت على مجموع يتراوح ما بين 50% و60% يتجهون إليها.
وأضاف المتحدث أن الشرائح التي حصلت على هذا المجموع يُفضلون الجامعات الأهلية عن الجامعات والمعاهد الخاصة التي تزايدت شكواها العام الماضي نتيجة ضعف الإقبال عليها، وعدم وجود طلاب في كثير من الكليات الأدبية.
منظومة الامتحانات خطوة أولى نحو الاستثمار الحكومي في التعليم
ويضيف أن توجيه الطلاب نحو الجامعات الأهلية يبدأ منذ تطبيق منظومة امتحانات الثانوية العامة الحالية، والتي تقود نحو حصول أعداد ضئيلة من الطلاب على مجاميع مرتفعة تمكنهم من شغل مقاعد كليات المجموعة الطبية أو "كليات القمة" الحكومية، ويضطر الغالبية للبحث عن أماكن بديلة.
كما أن تسهيل عملية الغش بتطبيق الاختبارات الموضوعية (أسئلة الاختيار من متعدد)، تمنح الفرصة لطلاب ليسوا ضمن فئات المتفوقين يستحوذون على مقاعد الكليات الحكومية، في حين أن من يستحقون تلك المقاعد يجدون أنفسهم مرغمين على الذهاب للجامعات الخاصة والأهلية.
ويؤمن الخبير التربوي -الذي رفض ذكر اسمه- بأن استهتار الحكومة بعملية الامتحانات، وغياب الانضباط عن كثير من اللجان يعزز من رغبتها نحو تقليص فرص التعليم الجامعي المجاني، كما أنها تدفع باتجاه فتح المجال أمام مزاحمة الطلاب العرب للمصريين على المقاعد الحكومية المجانية.
ويرجع المتحدث السبب إلى التوسع في نسب قبول الطلاب العرب بمجاميع أقل في مقابل مصروفات تُدفع بالدولار، من الطلاب الحاصلين على شهادة الثانوية العامة المصرية.
ورفعت وزارة التعليم العالي نسبة الطلاب الوافدين من 5% من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات لتصل نسبته إلى 25% العام الماضي، فضلاً عن القبول بكليات الطب بنسب نجاح في الثانوية العامة نحو 75%.
والأكثر من ذلك فالحكومة المصرية قررت أخيراً تخفيض المصروفات الدراسية للوافدين في 5 جامعات واقعة خارج نطاق القاهرة، وهي جامعة دمنهور بنسبة تخفيض 20%، وجامعتا السويس ومطروح 30%، وجامعة بورسعيد 35%، وجامعة الوادي الجديد 40%.
التعليم سلعة وليس خدمة
ويؤكد قيادي بحزب المحافظين (معارض) أن كافة خطوات الحكومة تؤشر على أنها تتعامل مع التعليم باعتباره سلعة وليس خدمة ينص عليها الدستور بأن تقدمها مجانية، وأن معيارها في التعامل مع الجامعات والمدارس لا يقوم على الكفاءة التعليمية، ولكن المهم مدى تحقيق الربحية.
وأضاف المتحدث أن هذا هو المنطق الذي تسير على أساسه الحكومة المصرية في التعامل مع إتاحة حقوق المواطنين باعتبارها سلعاً يجب على المواطنين دفع مقابل مادي للحصول عليها.
ويضيف أن من يمتلك المال سيتمكن من تعليم أبنائه، وإذا لم يكن لديه القدرة على دفع عشرات الآلاف من الجنيهات سنوياً سيكون مصيره جامعات حكومية متهالكة ترفض الحكومة الإنفاق عليها بحجة أنها لا تحقق أرباحاً أو الاكتفاء بالشهادة الثانوية.
وأشار إلى أن الحكومة لديها مخططها يتجه نحو إلغاء مكتب التنسيق، وإتاحة دخول الجامعات عبر اختبارات قبول تدعم مزيد من خطوات دعم الأغنياء على حساب الفقراء.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”