أعرب رئيس حركة "النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، عن استعداده للتخلي عن رئاسة الحركة في حال "تقدم أي طرف بتسوية للمشكلة التونسية"، مشدداً على أن "الديمقراطية يصنعها التونسيون "وليس الأمريكان ولا الفرنسيين ولا الإنجليز".
في مقابلة نشرتها وكالة الأناضول، الأربعاء 10 أغسطس/آب 2022، اعتبر الغنوشي أن "أغلبية الشعب التونسي في حالة مقاومة" لمسار رئيس البلاد قيس سعيد، و"غير مطروح التأقلم مع الواقع الجديد".
كما أضاف أن "الثورة المباركة ثورة 17 ديسمبر (2010)- 14 يناير 2011 لم تأتِ بها أمريكا ولا فرنسا، بل فوجئتا بها، ودستور 2014 أتى به الشعب التونسي ولا يجب أن نشوّه ثورتنا".
انتهاك السيادة الوطنية
بشأن المواقف الخارجية المنتقدة لنسبة المشاركة المتدنية في الاستفتاء على مشروع الدستور (30.5%)، قال راشد الغنوشي: "قبل الحديث عن مواقف الدول الغربية من الاستفتاء، نحن معتزون بمواقف الشعب التونسي إزاء الانتخابات، إنه قاطعها تعبيراً عن وعيه".
كما اعتبر أن "الشعب انتخب قيس 73% عام 2019، ونزل به إلى 23% في الاستفتاء (الرقم السمي 30.5%)، مما يدل على أن السيد قيس فقد شعبيته التي صعد بها".
الغنوشي أردف قائلاً: "العالم كان توّج الثورة التونسية والانتقال الديمقراطي التونسي بجائزة نوبل وجائزة السلام لغاندي وجوائز أخرى كثيرة تسلمها رؤساء تونس وإذا به يُفاجأ بانقلاب.. العالم كما مدح تونس في ذلك الوقت الآن ينتقدها".
فيما اعتبر الغنوشي أن "السيادة الوطنية تُنتهك في مجالات أخرى.. عندما تشترط مؤسسات دولية على تونس شروطاً معينة كأن تغلق المؤسسات العمومية وتمنع التوظيف وتمنع زيادة الأجور ونخضع لذلك، ولا أحد يقول هذا تدخل دولي"، في إشارة إلى مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي وما يشترطه من إجراءات مقابل مساعدات مالية.
أضاف: "أما عندما ينتقدنا أحد لأننا زوّرنا الانتخابات ولأننا صادرنا الحريات واعتدينا على حقوق الإنسان نقول دعونا نبطش بشعبنا كما نريد واصمتوا ولا أحد يتدخل".
الديمقراطية مصلحة غربية
وفق ما صرح به راشد الغنوشي لوكالة الأناضول، فإن "المؤسسات الغربية ليست مؤسسات خيرية ومؤسسات مثالية وأخلاقية والمواقف هي مصلحية.. هم يدافعون عن مصالحهم".
فيما أوضح أن "مصلحتهم (الدول الغربية) هي في انتشار الديمقراطية في هذه المنطقة، وهذا جيد بالنسبة لنا أن تلتقي بعض مصالح شعوبنا في نقطة معينة معهم، لا يجب أن نقول الديمقراطية سيئة؛ لأن أمريكا تدعم الديمقراطية، لكن نقول الديكتاتورية سيئة سواء دعمتها أمريكا أم لا".
تابع: "أمريكا دعمت ديكتاتوريات كثيرة في العالم وانقلابات، ولكن عندما تقف إلى جانب الديمقراطية نقول هذا موقف صح، وإذا وقفت مع الديكتاتورية كما فعلت مع بن علي نقول ذاك غلط".
موقع راشد الغنوشي من الدستور
بخصوص ماذا ستفعله "النهضة" بعد إقرار الدستور وتوجه سعيد إلى إقرار نظام سياسي جديد وإجراء انتخابات برلمانية، قال الغنوشي إن "ما حصل من استفتاء لم يغير موقفنا بل أكده، نحن كنا رافضين لهذا الاستفتاء".
تابع راشد الغنوشي قائلاً: "هي الثورة المضادة التي تآمرت على الثورة، وعلى مدار 10 سنوات من الثورة اعتبرتها سنوات سوداء وخراباً لتبرر الانقلاب". وأردف: "قلنا من البداية سنقاوم وكنا منذ سنة لوحدنا في ساحة المقاومة، والآن أغلبية الشعب التونسي في حالة مقاومة للانقلاب وما ينجر عنه".
بالنسبة لاتهام سعيد لمعارضيه بالخيانة والعمالة، قال الغنوشي: "عندما كنا في الساحة نناضل ضد (الرئيس الأسبق الحبيب) بورقيبة (1956-1987) وضد بن علي لم يكن هؤلاء الذين يصفوننا بالخيانة موجودين".
أما بخصوص الدستور الجديد، فقال الغنوشي إنه "أمر واقع نعم، هذا الدستور وهذا الاستفتاء هو أدوات لفرض أمر واقع لشرعنة الانقلاب، لكنه يبقى انقلاباً، ومن واجبنا وواجب الشعب أن يقاوم الانقلاب".
"ليس لنا مشكلة شخصية مع الرئيس"
أكد الغنوشي أنه "غير مطروح التأقلم مع الواقع الجديد ما دام قائماً على انقلاب وعلى دستور يكرس السلطة الفردية".
تابع: "ليس لنا مشكلة مع شخص السيد قيس أو مع أي شخص، بل لنا مشكلة مع نمط من الحكم يركز السلطات كلها في يد واحدة، وقد يضفي عليها مسحة من الإسلام لتسويغ الحرام وتحليله.. لا تغرّنا الكلمات والألفاظ إنما ننظر لجوهر الموضوع: هل الحكم فردي أم شوري (؟)".
كما اعتبر راشد الغنوشي أن "دستور السيد قيس هو دستور سلطاني سابق للحداثة والإصلاح الإسلامي، لأن الإصلاح الإسلامي منذ قرنين قام على فكرة أن الاستبداد منع المسلمين من التقدم (…) السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة".
"لم نحكم 10 سنوات"
حول اتهام "النهضة" بأنها حكمت طيلة 10 سنوات، قال الغنوشي: "كنا مشاركين في الحكم، كنا نقود الحكم سنتي 2012 و2013 حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض بالشراكة مع حزبين آخرين ثم خرجنا من الحكم لتتولى حكومة تكنوقراط".
راشد الغنوشي تابع: "ثم تولى (الرئيس السابق) الباجي (قايد السبسي 2014-2019) رحمه الله 5 سنوات، وتولى حزبه، حزب النداء، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وأشركنا بعدد قليل من كتاب الدولة والوزراء".
كما أردف: "وفي 2019 خرجنا من الحكم، حكومة (هشام) المشيشي (2020-2021) لم تكن حكومة نهضوية، كنا شاركنا لفترة قليلة مع حكومة (إلياس) الفخفاخ (فبراير 2020 – يوليو 2020) ثم خرجنا من الحكم".
قال راشد الغنوشي: "نتحمل مسؤوليتنا في 10 سنوات بقدر مشاركتنا في الحكم، قبل الانقلاب كنا قوة رئيسية في البرلمان دون أغلبية كنا الحزب الأول دون أغلبية".
كما شدد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على أن "العشر سنوات لم تكن 10 سوداء بل عشر سنوات حرية.. في مستوى التنمية لم تكن في مستوى انتظارات الشعب؛ لأنه في عشر سنوات هناك عشر حكومات لم يكن هناك استقرار والتنمية تتطلب استقراراً".