تتجه الحكومة الأردنية لإجراء تعديلات هيكلية على قطاع العمل، أهمها إلغاء وزارة العمل في الأردن من خلال نقل مهامها وأدوارها إلى وزارات أخرى، كالداخلية، والصناعة، والتجارة، والتموين، والتربية، وتنمية الموارد البشرية.
اتخاذ مثل هذا القرار ستكون له تبعات على أطراف الإنتاج في سوق العمل الأردني، إذ وصف خبراء اقتصاديون الخطوة بـ"الأكثر قسوة" في تاريخ الدولة، وستؤدي إلى إضعاف شروط العمل، الضعيفة أصلاً، وفتح المجال أمام لإحداث اختراقات حقيقية في السيادة الأردنية من قِبَل جهات وأطراف خارجية.
كما ستعمل الخطوة على إضعاف منظومة التفتيش وتنظيم سوق العمل، لكون الوزارة مسؤولة عن تطبيق عشرات الأنظمة والتعليمات والقرارات الناظمة لسوق العمل، وسيترتب على إلغائها "فوضى مركّبة".
وتقدر وزارة العمل عدد الوافدين الذين يعملون بصورة غير مشروعة بنحو 440 ألف شخص، وإلغاء وزارة العمل في الأردن سيؤدي إلى تفاقم المشكلات التي يعاني منها سوق العمل الأردني، وتؤدي إلى مزيد من الخلل وتراجع الأوضاع الاقتصادية.
الضغوطات الخارجية لاختراق السيادة الأردنية
الخبير والأكاديمي الاقتصادي الأردني د. مازن مرجي يرى أنّ السبب الحقيقي وراء إلغاء وزارة العمل في الأردن ودمجها ضمن قطاعات أخرى، هو الضغوطات الخارجية وخضوع الأردن لقوانين دولية.
وأصبح الاقتصاد الأردني، حسب المحلل الاقتصادي الذي تحدث لـ"عربي بوست"، يخضع لمنظومة الاقتصاد العالمي، ويعمل لصالح فئة محددة نفعية وضيقة في الأردن ممثلاً في الشركات والمؤسسات الأجنبية، وهذا كله على حساب المواطن وباقي مكونات المجتمع الأردني.
وبالتالي، يقول المتحدث إنّ "التوجه العام الدولي هو إضعاف الأردن سياسياً واقتصادياً على مستوى الإقليمي في المنطقة، وهذا ما تمثل فعلياً تجاه القضية الفلسطينية وما يعرف بـ"الوصاية الهاشمية" على المقدسات".
واعتبر المتحدث أن الأردن لم يُحرك ساكناً تجاه الكثير من القضايا في المنطقة، ولم يعد له أي دور إقليمي فاعل نتيجة الضغوطات الدولية والخليجية المتواصلة عليه.
ويرى مرجي أنّ الهدف من إلغاء وزارة العمل في الأردن هو إضعاف الدولة المركزية ودورها في تقديم الخدمات للمواطنين، وإزالة الحماية عن المستهلكين، والعاملين، والمواطنين قوة أرباب العمل من المؤسسات والشركات.
الأولوية للقطاع الخاص
الخبير والأكاديمي الاقتصادي الأردني د. مازن مرجي قال إن الحكومة تعمل لصالح القطاع الخاص والمستثمرين منذ أكثر من عقدين من الزمن، ورغم تسجيل تراجع كبير في الاقتصاد الأردني، وخصوصاً قطاع الاستثمار، إلا أنّ الحكومة بقيت على حالها.
واعتبر المتحدث أن الحكومة لم تسهم في وقف الارتفاع المتواصل في الكلف التشغيلية والضرائب وأسعار الطاقة والكثير من التعقيدات في مجال الاستثمار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 20%.
بالإضافة إلى ذلك، يرى المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أنّ إلغاء وزارة العمل في الأردن في مثل هذا التوقيت التي تحتاج الحكومة إليه يخلق علامات استفهام كبيرة، بل ويسهم في تدهور الوضع الاقتصادي وجعله أسوأ مما هو عليه.
وأشار المتحدث إلى أن وزارة العمل وزارة مهمة وأساسية لتنظيم سوق العمل والحفاظ على حقوق العمال، الذين يشكلون 70% من نسبة العاملين في القطاع الخاص.
واعتبر المتحدث أن هذه الخطوة ستعمل على رفع الغطاء والحماية الدستورية والقانونية عن هؤلاء وترك ظهرهم مكشوفاً بلا رقيب وحماية من قبل أرباب العمل.
"اختراق" خليجي لسوق العمل في الأردن
قال الخبير والأكاديمي الاقتصادي الأردني د. مازن مرجي إن إلغاء وزارة العمل في الأردن يعني خدمة لأجندات سعودية وإماراتية تهدف إلى اختراق السيادة الأردنية، وتسهيل التدخل في الشأن الاقتصادي والسياسي، إذ تسعى كل من أبوظبي والرياض إلى ضخ استثمارات وإطلاق مشاريع لها في الأردن.
وأضاف المتحدث في تصريح لــ"عربي بوست" أن هذا ما تترجم فعلياً عبر إطلاق الصندوق السعودي الأردني للاستثمار الذي تأسس عام 2017 ومن أهدافه الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنموية في الأردن.
وبلغ حجم الالتزام العام للصندوق 3 مليارات دولار عبر الاستثمار المباشر في الأردن، ويعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي المساهم الأكبر بنسبة 92%، وباقي الحصة تأتي من 16 بنكاً أردنياً.
وهذا بحد ذاته، بحسب مرجي، يحتاج إلى تذليل العقبات وتقديم تسهيلات كبيرة من قبل الدولة الأردنية، وهذا ما سيتمّ فعلياً عبر إلغاء وزارة العمل في الأردن ودمجها في القطاعات الأخرى ليسهل تمرير المشروعات الكبيرة بعيداً عن الرقابة.
ويرى مرجي أنّ الاستثمارات السعودية والإماراتية والخليجية عموماً ليس عليها أي تضييق، وأنّ الدولة الأردنية تُقدم لها تسهيلات لها، وإلغاء وزارة العمل في الأردن سيعمل على تشتيت سوق العمل وتنظيمه.
تحركات سعودية
كشفت مصادر خاصة لــ"عربي بوست" أنّ السعودية تقوم عبر سفارتها بالأردن بالتحضير مستقبلاً لتنظيم عدة ملتقيات ولقاءات مع مؤسسات وشركات ورجال أعمال بالأردن.
وتسعى السعودية إلى توفير الدعم المادي لرجال الأعمال بخلق شراكات معهم، وذلك عبر البوابة الاقتصادية وبوابة ضخ الاستثمارات بعيداً عن وصاية الحكومة وبشكل مباشر دون أي تدخلات.
وسيتم عقد هذه الملتقيات في العاصمة الأردنية، حيث ستلتقي مؤسسات وشركات وشخصيات ورموز اقتصادية، وتقوم بعرض أفكارها ومشاريعها، ومن تمّ الدخول في شراكات مع السعودية بتمويل هذه الأخيرة ودعمها.
وستكون السفارة السعودية هي حلقة الوصل بين الدولة والأداة المنفذة والممولة لتلك المشاريع.
الإخفاقات المتكررة.. السبب الرئيسي
أحد الأسباب الرئيسية التي مهدت لقرار إلغاء وزارة العمل في الأردن هو الإخفاقات المتكررة للوزارة في معالجة الكثير من القضايا ومنها توفير فرص العمل والخفض من نسبة البطالة.
أيضاً ساهم ملف العمالة الوافدة، في التسريع في إلغاء الوزارة التي ازدادت سوءاً خصوصاً في عهد الوزير العمل الحالي، نايف استيتية، الذي تفاقمت الأمور بسبب سوء إدارته للعديد من الملفات.
وقال رئيس لجنة العمل النيابية النائب حسين الحراسيس إن القرارات الأخيرة التي اتخذتها الوزارة في عهد استيتية لم تكن صائبة ومنها قطاع خادمات المنازل الأجنبيات الذي تسوده الفوضى ولم تنجح الوزارة في ضبط القطاع.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أنّ تخبط وزارة العمل في إدارة العديد من الملفات ومنها ملف برنامج التشغيل الوطني 2022، ساهم بشكل مباشر في إلغاء وزارة العمل في الأردن.
وتساءل المتحدث: "أين دور وزارة العمل في تدريب وتأهيل الأردنيين وخلق فرص العمل لهم، سواء على مستوى الإنشاءات أو الصناعات أو المهن الحرفية، أو في قطاع الزراعة والخدمات والسياحة".
إضافة إلى ذلك، وحسب المتحدث، فإنّ الوزارة فشلت فشلاً ذريعاً في ضبط العمالة السائبة وغير شرعية التي تقدر بأكثر من 400 ألف عامل يعملون بطريقة غير مشروعة، التي تشكل نسبتها أكثر من 50% من مجمل العمالة في الأردن.
واعتبر المتحدث أن الأمر يؤدي إلى تراجع الاقتصاد الأردني نحو الأسوأ، إذ اكتفت الوزارة بمعالجة هذا الملف عبر ما يسمى "تصويب الأوضاع"، وهذا لا يعتبر حلاً جذرياً في مثل هذا الملف.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”