تتوالى اجتماعات الأطراف السياسية الليبية في مدن عدة في العالم لحل خلافات الدبيبة وباشاغا، من دون أن تحقق أي اتفاق يحل الأزمة السياسية المتصاعدة بشكل مطرد في ليبيا، ولم يعد هناك مجال للحديث عن إمكانية حدوث انفراجة قريبة، في ظل تفاقم الأزمة بين رئيسي "الحكومتين"، عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
لكن الظهور الجديد اللافت للواء المنشق خليفة حفتر أعاده إلى المشهد من جديد في ظل تساؤلات حول ما إذا كان الصراع الدائر قد صبّ في مصلحته بالمقام الأول، فقبل عامين فقط، كانت كل المؤشرات تقول إن حفتر قد انتهى بلا عودة، وأن الرجل قد رحل من المشهد السياسي الليبي وخرج مهزوماً؛ لإفساح الطريق لحلول سياسية تنهي الحرب الأهلية التي فتكت بأرواح الآلاف منذ اندلاع الثورة الليبية وسقوط معمر القذافي.
يعود حفتر للعب على الجهتين، ويراهن على الحصان الرابح، لم يعد يكترث بسيطرة الدبيبة أو باشاغا على المشهد السياسي، فمن يحسم المعركة لصالحه حليفاً لحفتر في نهاية المطاف.
يقول محللون سياسيون إن عدة شواهد تعزز من حضور الجنرال في المشهد السياسي مجدداً أبرزها كان بعد انتهاء اجتماع جنيف بين رئيس مجلس الدولة الليبي، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بهدف التوصل إلى تفاهمات بشأن الوثيقة الدستورية، وصلت الحلول إلى طريق مسدود، ما ترتب عليه انتهاء شرعية حكومة الدبيبة وزيادة فرص استلام حكومة باشاغا، وعليه لجأت حكومة الوحدة الوطنية إلى فتح مسار تفاوضي مع حفتر مجدداً عن طريق نجل علي الدبيبة إبراهيم وصدام وبلجاسم ابنَي حفتر في أبوظبي
رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مضطر للتعامل مع الحكومتين
من جانب آخر، كانت قد قررت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تغيير رئيس ومجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، المؤسسة التي تعتبر العصب الرئيسي لضخ الأموال وسط مواجهة سياسية بين الفصائل المتناحرة بشأن السيطرة على المؤسسة المسؤولة عن إنتاج الطاقة في البلاد، وتمثل القرار في إعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات عمر بن قدارة، خلفاً لمصطفى صنع الله.
تسلم الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط (فرحات بن قدارة) مهامه رسمياً من مقر المؤسسة في طرابلس بالقوة بعد تمكينه بمساعدة قوة حماية الانتخابات والدستور في طرابلس.
وبعد أيام من تمكين رئيس المؤسسة الجديد، صرح بأنه مضطر لاستمرار تدفق النفط وتصديره وسيتعامل مع الحكومتين "الدبيبة وباشاغا"
الأمر الذي يراه مراقبون ترسيخاً لنفوذ حفتر، فالتسليم الذي تم برعاية الدبيبة لرجل محسوب على حفتر يعزز من حضوره في المشهد، لاسيما بعد تصريحات بن قدارة بأنه منفتح على الحكومتين، وهو النهج الذي يتبعه حفتر للتوافق مع الدبيبة وباشاغا تمهيداً للتعاون مع صاحب القوة، الذي سيتمكن من فرض الأمر الواقع ويحسم المعركة في النهاية لصالحه في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة.
مستشار باشاغا.. كل الخيارات مفتوحة
من جانب آخر، صرح المستشار السياسي لرئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان فتحي باشاغا السياسي أحمد الروياتي "ما زلنا نترقب المستجدات ونتريث قليلاً حتى نقطع الشك باليقين، وحتى نتأكد ونُراجع ما تبقى لنا من وسائل وأدوات لتكون خياراتنا القادمة أمام الشركاء والحلفاء والليبيين وطنية واقعية ذاتية، ولكن تأكدوا أنه لن يكون تريثاً طويلاً، وكل الخيارات مفتوحة، وسيكون مُنطلقها أننا لن نظل لفترة أطول مجرد فقط ورقة ضغط، أو تكّسب لأطراف ليبية مسلحة وسياسية.
يقول المحلل السياسي، مؤيد الصفتي، لـ"عربي بوست" إن باشاغا لن يستمر طويلاً في مسارات الحلول السلمية التي كان قد أشار إليها طويلاً في السابق، وأكد أنه لن يدخل طرابلس إلا بشكل سلمي، ودون حرب كما يريد الدبيبة.
لكنه، ووفق الصفتي، فإن باشاغا استنفد كل الحلول السلمية، ويلوح بحلول أخرى لتمكين الحكومة من ممارسة عملها، الأمر الذي يزيد من فرص تعاونه مع خليفة حفتر الذي يعتمد الحسم العسكري منهجاً للحل.
صفقة على وشك الإتمام..
في السياق، استقبل قبل يومين رئيس الأركان العامة بحكومة الوحدة الوطنية، الفريق، محمد الحداد، رئيس أركان قوات القيادة العامة، عبد الرزاق الناظوري، في مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، ويأتي اجتماع الحداد والناظوري في إطار استكمال اللقاء الذي عُقد في سرت خلال وقت سابق، ضمن المشاورات العسكرية لتوحيد المؤسسة العسكرية وإخراج المرتزقة من البلاد.
مصادر خاصة لـ"عربي بوست" صرحت أن الاجتماع كان تكملة للصفقة التي عقدها الدبيبة مع حفتر لتسليم الطيار عامر الجقم، الذي تم أسره بعد إسقاط طائرته في حرب طرابلس 2019، والمقرب من حفتر، إذ حاول حفتر محاولات مضنية منذ أسره إلى عقد صفقة تقتضي إطلاق سراحه، لكن محاولاته باءت كلها بالفشل.
يضيف المصدر أن الزيارة أسفرت عن تفاوض مبدئي لإطلاق سراح الجقم مقابل إطلاق مجموعة من المعتقلات في سجون حفتر، إضافة إلى العميد يحيى الأسطى عمر، الذي تم أسره عام 2016 بمدينة درنة، ما يفيد وفق المصدر أن حفتر يدير صفقات وتفاوضات سواء سياسية أو عسكرية بموجب حضوره الحالي القوي في المشهد الليبي.
وفي وقت يستعيد فيه حفتر نفوذه على الأرض، يناقش قادة عسكريون كبار من غرب ليبيا وشرقها في اجتماع نادر في طرابلس، تسمية رئيس أركان واحد لتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد، في سابقة من نوعها منذ غرق البلد قبل 11 عاماً في الفوضى والانقسامات.
وتجري المحادثات بين وفد يرأسه الفريق أول، عبد الرزاق الناظوري، رئيس أركان قوات المشير، خليفة حفتر، شرقي البلاد، وآخر برئاسة الفريق أول، محمد الحداد، رئيس أركان القوات العسكرية في غرب البلاد.