وجدت شركة النقل الكبيرة "أوبر" نفسها غارقة في ماضيها، الأحد 10 يوليو/تموز 2022، بسبب تحقيق أجراه صحفيون يتهم الشركة بـ"خرق القانون" واستخدام أساليب عنيفة لفرض نفسها، كما عرّض التحقيق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لانتقادات، بسبب الحديث عن "صفقة سرية" بينه وبين الشركة عندما كان وزيراً.
جيل هازلبيكر، نائبة الرئيس المكلفة الشؤون العامة في "أوبر"، قالت في بيان نُشر عبر الإنترنت: "لم نُبرّر ولا نبحث عن أعذار لسلوكيّات سابقة لا تتوافق مع قيَمنا الحالية"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
أضافت هازلبيكر: "نطلب من الجمهور أن يحكم علينا بناءً على ما فعلناه في السنوات الخمس الماضية وما سنفعله في السنوات المقبلة".
صحيفة The Guardian البريطانية حصلت على نحو 124 ألف وثيقة مؤرّخة من 2013 إلى 2017، وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيِّين الاستقصائيِّين، وضمنها رسائل بريد إلكتروني ورسائل تعود إلى مديرين بـ"أوبر" في ذلك الوقت، إضافة إلى مذكّرات وفواتير.
نشر أمس الأحد عدد كبير من المؤسسات الإعلامية، من ضمنها صحيفتا Washington Post، وLe Monde الفرنسية وهيئة الإذاعة البريطانية أول تقاريرها حول ما أُطلِقت عليه تسمية "وثائق أوبر".
سلّطت هذه الوسائل الإعلاميّة الضوء على بعض ممارسات "أوبر" خلال سنوات توسّعها السريع، وكتبت صحيفة The Guardian: "لقد خرقت الشركة القانون وخدعت الشرطة والمُنظّمين واستغلت العنف ضد السائقين وضغطت سراً على الحكومات في كل أنحاء العالم".
تُشير التقارير الإعلامية تلك خصوصاً إلى رسائل من ترافيس كالانيك، الذي كان حينها رئيساً للشركة التي تتخذ سان فرانسيسكو مقراًذ، عندما عبّر عدد من كوادر الشركة عن القلق بشأن المخاطر التي قد يتعرّض لها السائقون الذين كانت "أوبر" تشجّعهم على المشاركة في تظاهرة في باريس.
بحسب التقارير فقد أجاب كالانيك وقتذاك على تلك المخاوف بالقول :"أعتقد أن الأمر يستحقّ ذلك. العنف يضمن النجاح".
أشارت الصحيفة البريطانية أيضاً، إلى أن "أوبر" تبنّت تكتيكات متشابهة في دول أوروبية مختلفة (بلجيكا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها)، حيث عمدت إلى حشد سائقيها وتشجيعهم على تقديم شكاوى إلى الشرطة عندما كانوا يتعرّضون لاعتداءات، وذلك من أجل الاستفادة من التغطية الإعلامية، للحصول على تنازلات من السلطات.
لكنّ ديفون سبورجن المتحدّث باسم المسؤول السابق المثير للجدل ترافيس كالانيك، قال في بيان أرسله إلى الاتحاد الدولي للصحفيّين الاستقصائيّين، إنّ "كالانيك لم يقترح قط أن تستغلّ أوبر العنف على حساب سلامة السائقين".
اتُّهم كالانيك بتشجيع ممارسات إداريّة عنيفة ومشكوك فيها، واضطرّ إلى التخلّي عن دور المدير العام للمجموعة في يونيو/حزيران 2017، وعندما أعلن استقالته من مجلس الإدارة في نهاية 2019، قال إنه "فخور بكلّ ما أنجزته أوبر".
نفى المتحدث باسمه كل الاتهامات التي وردت في الصحف، وضمنها الاتهامات بعرقلة العدالة.
كذلك نشرت الصحيفة البريطانية مقتطفات مختلفة من محادثات بين مسؤولين يتحدثون خلالها عن غياب الإطار القانوني لأنشطتهم، وكتبت المديرة العالمية للاتصالات في "أوبر" نايري هورداجيان، متوجّهة لزملائها عام 2014: "أحياناً لدينا مشاكل، لأننا بصراحة خارج القانون"، في حين كان وجود المنصة مهدّداً في تايلاند والهند.
قبل أن تصبح الشركة تقدم خدمة حجز سيارات سياحية مع سائق، كافحت كي تصبح مقبولةً، وتودّدت المجموعة للمستهلكين والسائقين ووجدت حلفاء لها في دوائر السلطة على غرار ماكرون المتهم بمساعدتها.
أشارت الصحيفة أيضاً إلى أن الشركة الناشئة قد تكون قدّمت أيضاً عدداً من أسهمها لسياسيين في روسيا وألمانيا ودفعت لباحثين "مئات آلاف الدولارات لنشر دراسات حول مزايا نموذجها الاقتصادي".
وخلقت الشركة نموذج الاقتصاد القائم على المهام والذي لجأ إليه فيما بعد عدد كبير من الشركات الناشئة، إلا أنه استغرق أكثر من 12 عاماً لتحقق أول أرباح فصلية. كما أن وضع السائقين سواء كانوا مستقلين أو موظفين، لا يزال متنازعاً عليه في عدد كبير من الدول.
انتقادات لماكرون
وثائق أوبر المسربة لم تضع الشركة فقط في موقف محرج، بل أيضاً عرّضت الرئيس الفرنسي لهجوم من نواب فرنسيين، إذ أشارت الوثائق إلى وجود "صفقة سرّية" بين ماكرون عندما كان وزيراً في حكومة فرنسوا هولاند الاشتراكية، وشركة "أوبر"، معتبرين أنّ ما حصل شكّل "سرقةً للبلاد".
صحيفة Le Monde سلّطت الضوء على الروابط بين الشركة الأمريكيّة وماكرون، وقالت نقلاً عن وثائق ورسائل نصيّة وشهود، إنّ "أوبر" توصّلت إلى "صفقة" سرية مع ماكرون بين عامي 2014 و2016.
تحدّثت الصحيفة عن اجتماعات عقِدت في مكتب الوزير، وعن تبادلات كثيرة (مواعيد ومكالمات ورسائل قصيرة) بين فِرَق "أوبر فرنسا" من جهة وماكرون ومستشاريه من جهة ثانية.
أشارت الصحيفة إلى ما قالت إنها مساعدة قدّمتها الوزارة التي كان يرأسها ماكرون لشركة "أوبر" بهدف تعزيز موقع هذه الشركة في فرنسا.
نواب فرنسيون معارضون نددوا بتعاون وثيق حصل على ما يبدو بين ماكرون و"أوبر"، في وقتٍ كانت الشركة تُحاول الالتفاف على التنظيم الحكوميّ الصارم لقطاع النقل.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن شركة "أوبر فرنسا" أكدت للوكالة أن الجانبَين كانا على اتصال، وأنه تمّت الاجتماعات مع ماكرون في إطار مهماته الوزارية العاديّة.
من جانبه، قال قصر الإليزيه إنه في ذلك الوقت، كان ماكرون، بصفته وزيراً للاقتصاد، على اتصال "بطبيعة الحال" مع "كثير من الشركات المشاركة في التحوّل العميق الذي حصل على مدى تلك السنوات المذكورة في قطاع الخدمات، و(هو تحوّل) كان لا بُدّ من تسهيله عبر فتح العوائق الإدارية والتنظيمية".
لكن النائبة ماتيلد بانو، رئيسة كتلة "فرنسا الأبيّة" البرلمانية (يسار راديكالي)، ندّدت على تويتر بما اعتبرت أنها عملية "نهب للبلاد" عندما كان ماكرون "مستشاراً ووزيراً لفرنسوا هولاند".
أما زعيم الحزب الشيوعي (بي سي إف) فابيان روسيل، فاعتبر أن ما تم الكشف عنه يُبيّن "الدور النشط الذي أدّاه إيمانويل ماكرون، عندما كان وزيراً، لتسهيل تطوّر أوبر في فرنسا، ضدّ كلّ قواعدنا وكلّ حقوقنا الاجتماعيّة وضدّ كلّ حقوق عمّالنا".
من جهته، دعا النائب الشيوعي بيير داريفيل إلى إجراء تحقيق برلمانيّ في القضية.
بدوره، كتب جون بارديلا، رئيس حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرّف، على تويتر، أن ما تم الكشف عنه أظهر أن مسيرة ماكرون المهنية هدفها "خدمة المصالح الخاصة، الأجنبية منها في كثير من الأحيان، قبل المصالح الوطنية".