طوت الولايات المتحدة الأمريكية ملف اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، في ضوء التحقيق الذي أجراه مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون في مقر السفارة الأمريكية في القدس، الإثنين 4 يوليو/تموز 2022؛ إذ قالت الولايات المتحدة إنه لا يمكن تحديد مَن أطلق النار لحظة ارتقاء أبو عاقلة، كما لا يمكن الجزم بأن إطلاق النار كان متعمداً.
بهذه الصياغة لنتائج التحقيق تكون الولايات المتحدة برأت إسرائيل من أي استحقاق حول مسؤوليتها عن جريمة الاغتيال بحق أبو عاقلة، رغم التمسك الفلسطيني بتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة استناداً لنتائج التحقيق الذي أجرته النيابة العامة الفلسطينية، وتحقيقات قناة الجزيرة القطرية، ومنظمة بيتسليم الحقوقية الإسرائيلية وغيرها من التحقيقات التي تبنتها وسائل إعلام ومنظمات حقوقية.
إلا أن السؤال المطروح: ما دلالات دخول الولايات المتحدة الأمريكية في هذا التوقيت بالتحديد لطيّ هذا الملف، قبل زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة منتصف الشهر الجاري؟ وهل يسعى بايدن لإغلاق القضية حتى لا تبقى على أجندة النقاشات في لقائه مع المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية؟
تسهيلات ومزايا إسرائيلية للفلسطينيين
الجواب كشفت عنه القناة 13 العبرية، نقلاً عن مسؤولين أمنيين في إسرائيل بأن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت من الحكومة الإسرائيلية قبل يوم واحد من بدء التحقيق الأمريكي، اتخاذ خطوات عاجلة لمساعدة السلطة الفلسطينية، والعمل على تقويتها وزيادة شعبيتها في الشارع الفلسطيني.
وجود فلسطيني على معبر الكرامة
ستتمثل المزايا الجديدة التي وافقت عليها إسرائيل السماح بتواجد فلسطيني على معبر الكرامة على الحدود الأردنية، وزيادة نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المناطق A – B التابعة لها في الضفة الغربية، والموافقة على نقل تقنية الجيل الرابع من الاتصالات 4G لتفعيلها في الضفة الغربية، والإفراج عن جزء من الأموال التي تحتجزها إسرائيل من أموال المقاصة لتحسين صرف الرواتب للموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية.
مقابل ذلك ستوافق السلطة الفلسطينية على نقل الرصاصة التي اغتيلت بها شيرين أبو عاقلة لفحصها ضمن طاقم مشترك بين مسؤولين من واشنطن وتل أبيب، ووقف إجراءات الدعوى القضائية التي رفعتها السلطة في محكمة لاهاي لإدانة إسرائيل بتهمة اغتيال أبو عاقلة.
جاء الكشف عن هذه الصفقة قبل يوم واحد من الفحص الباليستي للمقذوفة التي اغتيلت بها أبو عاقلة، والتي رفض الفلسطينيون تسليمها لإسرائيل منذ وقوع الجريمة قبل نحو شهرين من الآن، وهو ما يؤكد فرضية أن السلطة قبلت بهذه الصفقة بضغط أمريكي حتى لا يكون هذا الملف على أجندة الرئيس بايدن في زيارته المرتقبة للمنطقة منتصف الشهر الجاري.
تضليل أمريكي بحق الفلسطينيين
قال مسؤول في منظمة التحرير لـ"عربي بوست" إن "واشنطن مارست خداعاً مقصوداً لطيّ هذا الملف، حيث أكدت لنا أن الفحص الباليستي للرصاصة سيتم عبر مسؤولين أمريكيين في مقر السفارة في القدس، وهو ما قبلنا به كونها طرفاً في هذه القضية باعتبار أبو عاقلة تحمل الجنسية الأمريكية، وتقع على واشنطن مسؤولية التحقيق في مقتل أحد مواطنيها، ومن جهة أخرى تمثل واشنطن طرفاً دولياً محايداً، إلا أن المفاجأة كانت بوجود طاقم إسرائيل يشارك في عمليات التحقيق، لذلك تم تقييد القضية ضد مجهول وفقاً لبيان الخارجية الأمريكية".
وأضاف: "إسرائيل استبقت نتائج التحقيق بالإعلان عن حزمة تسهيلات اقتصادية ومعيشية للفلسطينيين مستغلة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة، كنوع من المناورة السياسية وامتصاص ردة الفعل المتوقعة لرفض ما جاء في التحقيق، ولكن موقفنا لن يتغير وستبقى إسرائيل كدولة احتلال مسؤولة عن كل الجرائم التي ترتكب في المناطق الفلسطينية".
تكمن خطورة الموقف الفلسطيني بتسليم الرصاصة للمسؤولين الأمريكيين بأنها تشكك بنتائج التحقيق التي أجرتها النيابة العامة الفلسطينية حول الظروف التي جاءت بها عملية الاغتيال، التي أكدت أن الموقع التي كانت تتمركز فيه شيرين أبو عاقلة كانت مقابلاً للجنود الإسرائيليين لحظة اقتحامهم لمخيم جنين.
أخطر من ذلك أن البيان الإسرائيلي الأول حول نتائج التحقيق الأمريكية، جاء على لسان وزير الدفاع بيني غانتس الذي حمَّل الفصائل الفلسطينية مسؤولية وقوع مثل هذه الأحداث، مكتفياً ببيان يعبّر فيه عن أسفه لاغتيال أبو عاقلة، ولكنه أصر على أن جنود الجيش سيبقون تحت دعم سياسي من الحكومة الإسرائيلية لأداء مهامهم.