عندما وقّعت تركيا، الأسبوع الماضي، مذكرةً في العاصمة الإسبانية مدريد، لإلغاء الحظر على انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أثار التغيير المفاجئ في موقف أنقرة الكثير من الدهشة والحماس.
لكن ما لم تخبرك به التصريحات اللاحقة للدول هو أنَّ المفاوضات التي استمرت ما يقرب من 3 ساعات لم تكُن سهلة على الإطلاق؛ حيث تصاعدت التوترات مع تزايد غضب كل زعيم من نبرة وموقف الآخر، حسب ما نشره موقع Middle East Eye البريطاني.
وبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعهد قبل أسابيع قليلة فقط بأنه لن يسمح لفنلندا والسويد بالانضمام إلى الحلف ما دام في منصبه، محادثات يوم الثلاثاء، 28 يونيو/حزيران 2022، بطريقة قاسية؛ إذ قال أردوغان، بحسب مصدر كان حاضراً في الغرفة: "لم أكن أخطط للتحدث إليكم، أنا هنا بسبب إصرار صديقي (الأمين العام لحلف الناتو ينس) ستولتنبرغ".
فيما أعرب المسؤولون الأتراك المشاركون في المحادثات الفنية قبل الاجتماع عن سعادتهم بالتقدم الذي أحرزوه، وأعرب مسؤول تركي كبير عن تقديره لجهود السويد لتعديل قوانينها لتكافح الإرهاب بقوة أكبر، رغم أنها سبقت مطالب تركيا، لكن القيادة السياسية لم تكن راضية.
فقد أدت صور أعلام حزب العمال الكردستاني، التي ترفرف بحرية في مظاهرات في شوارع ستوكهولم، ومقابلات مع قادة وحدات حماية الشعب عبر التلفزيون الحكومي السويدي، إلى إثارة قلق أردوغان؛ إذ تصنف تركيا الفصيلين الكرديين جماعتين إرهابيتين. وقبل اجتماع الثلاثاء 28 يونيو/حزيران، كان هناك نقاش داخل أروقة السلطة في أنقرة حول إعطاء فنلندا الضوء الأخضر للانضمام للحلف، مع التمسك بالحاجة إلى مزيد من المفاوضات مع السويد.
في مدريد، رأى المفاوضون القليل من الدلائل على وجود نهج تصالحي؛ إذ استخدم أردوغان ملاحظاته الافتتاحية لتكرار خطوطه الحمراء؛ وهي: السماح لحزب العمال الكردستاني بالحرية في المدن السويدية والفنلندية، وعدم تسليم المشتبه بهم المرتبطين بالجماعة، والمساعدات الممنوحة لوحدات حماية الشعب. وأشار إلى أنَّ كلا البلدين ما زالا يمنعان صادرات الأسلحة إلى تركيا.
وأثارت نبرة أردوغان حفيظة قادة دول الشمال، الذين اشتكوا من أنَّ الرئيس التركي كان شديد القسوة عليهم. وبحسب ما ورد، قال أحد زعماء بلدان الشمال الأوروبي: "نحن نحترم خطوطك الحمراء، لكن ماذا عن الدول الأخرى؟ هل تظهر نفس الحساسية؟". في إشارة إلى حقيقة أنَّ دول الناتو الأخرى لا تزال تقدم مساعدات مادية ومالية لوحدات حماية الشعب الكردي.
رد أردوغان بالقول إنَّ عضوية فنلندا والسويد في الناتو لم تكن حقاً مكتسباً، بل امتيازاً؛ لذلك لم يحق لهما وضع القواعد، وكرر أردوغان: "أريدكم أن تلتزموا بخطوطنا الحمراء"؛ ما دفع بالمفاوضات إلى طريق مسدود.
وقالت المصادر إنَّ أحد الخلافات الأساسية هو ما إذا كان ينبغي تصنيف وحدات حماية الشعب وحركة فتح الله غولن، المتهمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب التركية الفاشلة عام 2016، بأنها "جماعات إرهابية"، حيث رفضت السويد وفنلندا إعلانها ذلك، ثم أخذ الطرفان استراحة للتفكير.
وقالت وزيرة الخارجية الفنلندية بيكا هافيستو، لوكالة Reuters، في مقابلة الأسبوع الماضي: "وبعد ذلك حصلنا على استراحة لتناول القهوة، وكما هو الحال دائماً خلال استراحات القهوة، تظهر أفكار رائعة، وبعد ذلك في نهاية الاجتماع، كان من الأسهل الوصول إلى نتيجة".
وجاء الحل من رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، الذي اقترح أنَّ أردوغان لن يوقع أية صفقة ما لم تقدم السويد وفنلندا التزامات واضحة بشأن وحدات حماية الشعب وحركة أنصار غولن. وقال مصدر: "بدلاً من تصنيفهما بأنهما جماعتان إرهابيتان، قال كلا البلدين بوضوح في نص المذكرة إنهما لن يقدما الدعم لهذه الجماعات المحددة؛ ما كسر الجمود".
تذمر في الناتو
وفي النهاية، كان أردوغان والقيادة التركية سعداء بالإشارة لوحدات حماية الشعب وأتباع غولن بهذه الطريقة لأول مرة في مذكرة دولية وقعتها دول غربية، فيما قال أحد السفراء الغربيين: "لقد كان فوزاً واضحاً لهم".
ومع ذلك، كان لا يزال هناك بعض التذمر داخل الناتو؛ فقد زعمت مصادر تركية أنَّ الإدارة الأمريكية لم تكن راضية تماماً عن القرار الذي توصلت إليه فنلندا والسويد مع تركيا، رغم أنَّ واشنطن مرتاحة لأنَّ تركيا قررت رفع الحظر عن طلب العضوية لدولتي الشمال الأوروبي.
وقال السفير الغربي: "من الواضح أنهم كانوا منزعجين. لكن الفنلنديين والسويديين أوضحوا أنه لا توجد طريقة أخرى لكسر الجمود".