أعاد طرح الرئيس التونسي قيس سعيّد لمشروع الدستور الجديد التونسيين إلى نقطة البداية، في البلد الذي كان مهد الثورات العربية التي نادت بالحرية ونددت بالديكتاتورية، ليعيد قيس سعيد بدستوره الجديد البلاد إلى نفق مظلم بمنح نفسه صلاحيات واسعة، في تعارض واضح مع النظام البرلماني القائم حالياً في البلاد، بحسب ما وصفته وكالة الأنباء الفرنسية.
الرئيس قيس سعيّد رفع في الجريدة الرسمية الخميس، الستار عن مشروع الدستور الجديد المثير للجدل والذي ينص على أن "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة" يعينه الرئيس، حسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وهذه الحكومة "مسؤولة عن تصرفاتها أمام رئيس الجمهورية" وليست بحاجة لأن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها، كما يمكن للرئيس أن ينهي مهام الحكومة أو مهام أي عضو منها تلقائياً، ما يعني أن البلاد ستنتقل إذا ما أقر هذا المشروع من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.
صلاحيات أوسع للرئيس!
كما يمنح مشروع الدستور الجديد، الذي أثار حالة واسعة من الجدل، رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في ميادين شتى؛ إذ إنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة" و"يضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية" و"يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة" و"يُسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية" ويتمتع بحق "عرض مشاريع القوانين" على البرلمان الذي يتعين عليه أن يوليها "أولوية النظر" فيها على سائر مشاريع القوانين.
بالمقابل يقلص مشروع الدستور الجديد إلى حد بعيد صلاحيات البرلمان الذي ستُستحدث فيه غرفة ثانية هي "المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
وجاء في الدستور أن رئيس الجمهورية "لا يُسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه" كما تنص مسودة الدستور على أن صلاحيات البرلمان الجديد لا تشمل مراقبة قرارات الرئيس التي قام بها في إطار أدائه لمهامه أو أعمال الحكومة، على أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس وليس أمام البرلمان، ما يعني تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات أكبر.
ويمنح مشروع الدستور الجديد الرئيس صلاحية تسمية القضاة بمقتضى ترشيح من مجلس القضاء الأعلى، على أن يتم تشكيل مجلسين تشريعيين هما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
الإسلام ليس ديناً لدولة تونس!
وخلافاً للدستور القديم فإن دستور سعيد الجديد لم ينص على أن الإسلام دين للدولة التونسية واكتفى بالقول في المادة الأولى على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة".
وتنص المادة الخامسة من المسودة التي ستطرح للاستفتاء على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية".
فيما جاء في المادة السادسة أن "تونس جزء من الأمة العربية واللغة الرسمية هي اللغة العربية"، في حين ورد في المادة السابعة أن "الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة".
فيما لم يصدر أي تعليق فوري على مسودة الدستور من جهة الأحزاب الرئيسية، بما في ذلك حزب النهضة الإسلامي، الذي كان يحوز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المنحل ولعب دوراً رئيسياً في الحكومات الائتلافية المتعاقبة منذ انتفاضة 2011.
جدل على تويتر
وأثار الكشف عن دستور قيس سعيد الجديد حالة من الجدل على مواقع الشبكات الاجتماعية بين معارض ومستغرب مما جاء فيه؛ إذ أعرب عدد كبير من رواد مواقع الشبكات الاجتماعية عن أن الرئيس سعيد صمم دستوراً جديداً لما يتوالى مع مصالحه لا مصالح الشعب التونسي ولا تونس.
المغرد التونسي محمد الرفراف علق في تويتر قائلاً: "يجدرُ ألاّ ننسى أن مسودّة دستور قيس تونس هي مسودّة دستور الانقلاب الدستوري المدعوم بدبابة هو الأصل/الباطل، وما نضحَ منه وتفرّع عنه باطل في باطل".
أما المغرد معاذ الطاري فأشار لنقطة مهمة في الدستور قائلاً: "بينما يحتد النقاش بشأن التصويت والمقاطعة.. الفصل 139 من مشروع دستور الانقلاب: يدخل الدستور حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
فيما قال المغرد نور الدين بحيري: "مشروع دستور سلطة الانقلاب في تونس الذي كتب في غرف مظلمة ويجهل صيغته المعلنة حتى أعضاء ما يسمى بلجنة الصياغة تراجع عن كل مكاسب ثورة الحرية والكرامة والدولة الوطنية الحديثة التي بناها بورقيبة وصحبه، رحمهم الله، في محاولة لفرض حكم فردي مطلق على التونسيين والعودة لحكم السلاطين".
الكشف عن دستور تونس الجديد
وبعد الكشف عن مسودة للدستور الجديد ينوي الرئيس التونسي قيس سعيّد، طرحَه للاستفتاء، في يوليو/تموز، يقول إن الغاية منه إصلاح الهياكل القانونية والسياسية والاقتصادية في البلاد، من أجل بناء "جمهورية جديدة"، حسب تعبيره.
كما قرر سعيّد الدفع باتجاه وضع دستور جديد يحل محل دستور 2014، الذي يعده كثير من التونسيين الركن الأساسي في التغيير الذي أحدثته الثورة التونسية نحو الديمقراطية.
فيما تلقّى قيس سعيد مسودة الدستور الجديد يوم الإثنين 20 يونيو/حزيران. وقد سلَّمها إليه الصادق بلعيد، الخبير القانوني الذي عهد إليه سعيّد برئاسة اللجنة المكلفة بصياغة الميثاق الجديد للبلاد.
بينما أعرضت الأحزاب السياسية عن المشاركة في مشاورات صياغة الدستور الجديد، وكان هذا هو موقف معظم القوى السياسية في البلاد، وأبرزها حركة النهضة، وائتلاف الكرامة، وأحزاب قلب تونس.
إذ قالت أحزاب المعارضة إنها ستقاطع الاستفتاء، ونزل آلاف التونسيين إلى الشوارع نهاية الأسبوع؛ للاحتجاج على خطوة سعيد.
تأتي مسودة الدستور في وقت مدَّد فيه القضاة إضرابهم بعموم البلاد أسبوعاً ثالثاً؛ للاحتجاج على عزل سعيّد 57 قاضياً، واتهامهم بالفساد و"حماية الإرهابيين".
كما كانت معارضة قيس سعيد الشعبية أخذت بعداً جديداً، الأسبوع الماضي، فقد نظَّم الاتحاد العام التونسي للشغل إضراباً عن العمل لمدة 24 ساعة، للمطالبة برفع أجور عماله، وأدى ذلك إلى توقف الرحلات الجوية الدولية والمحلية، وتعطيل النقل البري والبحري في عموم البلاد.