أثار الصعود الكبير، الذي حققه اليمين المتطرف الفرنسي في انتخابات البرلمان الفرنسي مخاوف كبيرة لدى المسلمين والمهاجرين في فرنسا على حد سواء؛ بسبب أساس الحزب المبني على معاداة الإسلام ومنع الهجرة.
وحصل حزب التجمع الوطني، المحسوب على اليمين المتطرف، بقيادة زعيمته مارين لوبان، على 89 مقعداً في الجمعية الوطنية، ما يعني قدرته على تشكيل فريق برلماني قوي ومؤثر داخل المؤسسة التشريعية، وإمكانية تقدمه بملتمس سحب الثقة رفقة أحزاب المعارضة الأخرى، من أغلبية يرى مراقبون أنها ستكون هشة.
ورغم وجود حزب التجمع الوطني في المعارضة، فإن كثيراً من المتابعين للشأن السياسي الفرنسي يرجحون أن يكون الصعود له تأثيره على مشاريع القوانين والنصوص المقترحة للتصويت عليها.
في هذا السياق يرى الصحفي في إذاعة مونت كارلو علاء بونجار؛ أن سعي الرئيس ماكرون إلى قطع الطريق على اليمين المتطرف، والتماهي مع بعض أفكار ناخبيه، لاعتبارات سياسية بدرجة أولى، سيدفعه للحرص على تضمين القوانين المستقبلية إشارات إيجابية لهم، من خلال فرض شروط إضافية على قانون التجنيس مثلاً، أو إدخال تغيرات على قوانين الهجرة وحرية تنقل الأفراد داخل فضاء "شنغن".
المسلمون يواجهون أزمة بعد انتخابات البرلمان الفرنسي
ما ذكره بونجار، يجد له أصلاً في خطوة الرئيس الفرنسي شهر أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2020، حين أشار في خطاب له إلى أن مسلمي فرنسا، يمكن أن يشكلوا "مجتمعاً مضاداً"، وأن الإسلام يواجه "أزمة" في جميع أنحاء العالم، قبل الكشف عن خطته لمعالجة ما اعتبره "مجتمعاً موازياً" في فرنسا.
ثم تلا ذلك، تبني الجمعية الوطنية في فرنسا، شهر يوليو/تموز من العام الماضي، مشروع قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" المثير للجدل، والذي عرف باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي".
ولقي القانون الذي أعدته حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون آنذاك، انتقادات كثيرة، اعتبرت أنه يستهدف المسلمين في البلاد، ويفرض قيوداً عليهم.
"أحس بالغربة في وطني"
رئيس مؤسسة إسلام فرنسا، ورئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، غالب بن الشيخ، أكد من جانبه على ضرورة الفصل بين قضيتي الهجرة والإسلام في فرنسا، خلافاً لما يفعل اليمين المتطرف متعمداً؛ فذكر أنه فيما يخص المواطنين الفرنسيين، "علينا أن نتعامل معهم داخل الإطار القانوني، أخذاً بعين الاعتبار أنهم فرنسيون يلزمهم احترام القانون، ومن حقهم التمتع بكامل حقوقهم، بغض النظر عن دينهم أو أصلهم العرقي، أما فيما يرتبط بغيرهم؛ فإني أرى أن صعود اليمين المتطرف سيزيد لا محالة حدة التضييق على المغتربين من المسلمين والمهاجرين عموماً، وأخشى أن تكون السياسة المتبناة من قبل البرلمانيين بمختلف انتماءاتهم ضد مصالح المسلمين والمهاجرين".
من جهة أخرى، عبّر بن الشيخ عن أسفه، لعزوف المسلمين عن المشاركة في الحياة السياسية وعن التصويت، خاصة أنهم يشكلون كتلة ناخبة مهمة في فرنسا. ويمضي بن الشيخ مفسراً ما ذهب إليه فيقول: "على المسلمين أن ينتظروا أياماً صعبة، لا سيما أن الجهات التي من الممكن أن تدافع عن مصالحهم والإطارات المدنية التي أسست من أجل هذا الغرض، باعت ضميرها، وانبطحت أمام تمدد تيار اليمين المتطرف".
ما ذكره بن الشيخ حول الانخراط والوعي السياسي لدى فئات معينة داخل المجتمع الفرنسي، تجسده بوضوح نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة بمنطقة سين سان دوني، حيث يتركز العدد الأكبر من الفرنسيين من أصول أجنبية؛ إذ لم تتجاوز 36,61%، لتكون بذلك أضعف نسبة مشاركة في فرنسا.
أبو بكر؛ شاب فرنسي من أصل سنغالي في ربيعه الثاني، لا يخفي مخاوفه من تنامي أفكار اليمين المتطرف وتصاعد الأصوات المؤيدة له في المجتمع الفرنسي، يقول لـ"عربي بوست": "ولدت في فرنسا، وتعلمت في مدارسها، ونشأت وسط مجتمع فرنسي، لكني أشعر بالغربة في وطني أحياناً حينما أسمع تصريحات بعض السياسيين، أشعر أني مستهدف شخصياً، رغم عدم ارتكابي لأي ذنب أو مخالفة".
قيود على الهجرة
في المقابل يرى الشاب السوري حسن، أن "انتشار الجريمة في فرنسا، وتصاعد موجة العنف في بعض الأحياء الشعبية، يقتضيان خطاباً سياسياً صارماً، يضع قيوداً على الهجرة، ويفرض احترام فرنسا". ويضيف موضحاً: "قد يستغرب البعض أن يصدر كلام مثل هذا من شخص هو نفسه مهاجر، لكني أراه الأقرب إلى الصواب والأكثر عقلانية، لم أرتكب قط أي سلوك مخل أو مشين، وأحاول قدر استطاعتي الاندماج في المجتمع الذي فتح لي أبوابه عندما قدمت طالباً اللجوء".
مستقبل مجهول
يتجاوز عدد المسلمين في فرنسا 7 ملايين فرد تقريباً، يعانون اليوم من تداعيات ارتفاع صوت اليمين المتطرف بعدما كان محصوراً خلال السنوات الماضية، عبر اضطرارهم إلى تحمل اتهامات بالدفاع عن الإرهاب أو التسامح معه، خاصة حينما يرتكب مسلم جريمة أو مخالفة، مثلما حدث خلال الاعتداءات الدامية التي شهدتها فرنسا على مر السنوات الأخيرة الماضية.
هذا الوضع، يرجح مراقبون أن يستمر بعد استقواء حزب مارين لوبان وتحقيقه فوزاً كاسحاً لم يكن متوقعاً في الاستحقاقات النيابية الأخيرة؛ إذ رغم حصول أحزاب يمين الوسط واليسار على المراتب الأولى، فإن القفزة التي قام بها حزب التجمع الوطني بانتقاله من 18 نائباً سنة 2017 إلى 89 خلال هذه الدورة، تؤكد عمق امتداده داخل النسيج الاجتماعي الفرنسي وانتشار أفكاره.
مجيد بودن، المحامي المتخصص في القانون الدولي بباريس، يعتبر أن اليمين المتطرف انعكاس للجانب الفكري للأنظمة الدكتاتورية، ويؤكد أن نتيجة الانتخابات الأخيرة تمثل زلزالاً سياسياً في الحياة الديمقراطية الفرنسية.
في هذا السياق، يرى المتحدث أن وضع البرلمان الحالي وتركيبته المنتظرة، سيتركان مجالاً جديداً لأقصى اليمين كي يستمر في تقويض الديمقراطية، وهذا حسب رأيه، له انعكاسات سلبية على المهاجرين وعلى الفرنسيين من أصل أجنبي؛ إذ يقول إن الأمر سيؤدي إلى تقسيم المجتمع وضرب وحدته وانسجامه.
هذه الوحدة، يرى الشاب الجزائري قادر، أنها قد بدأت تنتفي بالفعل داخل المجتمع الفرنسي، وأن مشاعر الكراهية حلت محلها، ويرجع سبب ذلك إلى تأثر شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي بأفكار اليمين المتطرف، وتخلي الأحزاب السياسية الأخرى عن أدوارها الأصيلة المتمثلة في الدفاع عن قيم الجمهورية، وتوحيد المواطنين تحت سقف المواطنة، مهما اختلفت أديانهم وأصولهم.