يواصل قضاة تونس تنفيذ إضراب عام عن العمل في كافة محاكم البلاد، كانت قد دعت إلى خوضه الهياكل المهنية القضائية، منذ أمس الإثنين 6 يونيو/حزيران 2022.
وجاء هذا الإضراب، ضمن حزمة من التحركات، كردّ فعل على عزل الرئيس قيس سعيد لـ57 قاضياً، دون المرور بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء أو أي هيكل مخوّل له النظر في تجاوزات القُضاة إن وُجدت.
وسيستمرّ الإضراب مبدئيّاً إلى حدود نهاية الأسبوع الجاري، غير أنه قابل للتمديد، وفق ما أفاد به لـ"عربي بوست" رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي.
وأكد المتحدث أن نجاح الإضراب في كل المحاكم بنسبة بلغت 99%، وهي نسبة رجّح رئيس جمعية القضاة تواصلها طيلة أيام إيقاف العمل بالمحاكم؛ جاء نظراً لوعي القُضاة بخطورة الوضع، وجدية التهديدات التي تحيط باستقلالية القضاء.
وتشمل التحركات التي أقرتها الهياكل المهنية القضائية، نهاية الأسبوع الماضي، تنفيذ اعتصامات مفتوحة، لمدة غير مُحدّدة، بكل من مقرات الهياكل النقابية القضائية.
أيضاً امتنع القُضاة عن الترشح للمناصب القضائية لتعويض القضاة الـ57 المعزولين، والأمر نفسه بالنسبة للترشح للمناصب في الهيئات الفرعية التابعة لهيئة الانتخابات، والتي ينص القانون وجوباً على وجود أصناف من القضاة في تركيبتها.
كما أقرّت الهياكل النقابية القضائية من نقابة وجمعية وقضاة شبان وقضاة إداريين، دعوة الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الجمهورية (ممثلي النيابة العامة)، إلى عدم الالتزام بالتعليمات "غير القانونية" الموجهة إليهم من طرف وزيرة العدل.
رفض دخول بيت الطاعة
رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي، قال إن الرئيس اتخذ قراراته بعزل القضاة بناءً على تقارير أمنية كاذبة وكيدية ضدّ عدد من القضاة من الذين رفضوا دخول "بيت الطاعة"، ولعب دور في تصفية خصوم الرئيس سعيد.
ووفق المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"؛ فالرئيس يسعى لوضع يده على السلطة القضائية والتحكم في سير القضايا وتوجيه مساراتها والتحكم في نتائجها، كما أن ما حصل سابقة لم تحصل في تاريخ القضاء من هجمة غير مسبوقة وتشهير وتشويه.
ودعا الرئيس قيس سعيّد، وزيرة العدل خلال لقاء معها، أمس الإثنين، إلى اقتطاع أيام العمل من أجور القضاة المضربين، كما طالب باتخاذ جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في القانون؛ حتى لا يتكرر المساس بمصالح المتقاضين.
وهاجم سعيد في وقت سابق، وتحديداً خلال اجتماع لمجلس الوزراء، من أسماهم القضاة غير الشرفاء، وأكد علاقتهم بأحزاب سياسية، وتسترهم على المشتبه في تورّطهم في الأعمال الإرهابية، خاصة في ملف ما وصفه بالجهاز السري لحركة النهضة.
قُضاة معروفون
قائمة القضاة الـ57 تشمل عدداً من القُضاة المعروفين، كيوسف بوزاخر، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي حله قيس سعيد، والقاضي سفيان السليطي، وقاضي التحقيق محمد كمون، الذي كان مُتعهّداً بملفّ شبهة الفساد المتعلقة برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي.
أيضاً تضم قائمة القضاة المعزولين من طرف الرئيس التونسي كلاً من الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد، ووكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي.
وأثار كل من القاضي الطيب راشد والقاضي البشير العكرمي الجدل بعد تبادلهما الاتهامات، حيث اتهم راشد العكرمي بارتكاب إخلالات في المسار القضائي لملفي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، عندما كان يشغل منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، في حين يتهم العكرمي راشد، الذي يشغل منصب الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، وهي أعلى رتبة قضائية، بالفساد المالي.
وهو ما جعل المجلس الأعلى للقضاء، يكلف النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، بالبحث في فحوى الاتهامات بشبهات جرائم تتصل بقضايا تتعلق باغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وشبهات جرائم تتعلق بقضايا إرهابية وقضايا فساد مالي.
كما قرر المجلس تجميد عضوية الطيب راشد، وقرر مجلس القضاء العدلي رفع الحصانة عنه، حتى من قبل 25 يوليو/تموز.
قضيتا زنا
رئيس الجمهورية قيس سعيد، وخلال عرضه للتهم التي قرر على ضوئها عزل القضاة الـ57؛ ذكر قاضيتين متورطتين في قضايا أخلاقية، تتمثل في قضايا زنا، بالإضافة إلى قضية تتعلق بمنع وتعطيل المداهمات والتغطية على الملفات.
ومن بين القاضيتين خيرة بن خليفة، وهي قاضية بمحكمة الاستئناف بمحافظة صفاقس، وقد تم إخضاعها لفحص العذرية ونشر نتيجة الفحص على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما أثار جدلاً كبيراً في تونس.
القاضية خيرة بن خليفة، أكدت، في حديث لـ"عربي بوست"، أن القضيتين اللتين تم عزلها على ضوئهما كيديتان، وأوضحت أن لها إشكالاً مع أخت زوجة رئيس الجمهورية قيس سعيد، وهي محامية.
وقالت المتحدثة إن شقيقة زوجة الرئيس ضغطت عليها لغض النظر عن أدلة في ملفّ تدين أحد موكليها، وبرفضها تعرّضت للعزل من طرف رئيس الجمهورية نفسه والتشويه وهتك الأعراض وتلفيق تهمة الزنا لها، وفق تعبيرها.
وكردّ فعل على التهم الأخلاقية التي وجهها سعيد لقاضيتين؛ استنكرت عدد من المنظمات "عمليات الترويج لمحاضر ووثائق هي من أنظار القضاء؛ قصد التشهير بالقاضيتين المعفيتين من مهامهما.
واعتبرت المنظمات أن "قضايا الزنا لا تهم الرأي العام والمجتمع في شيء، حتى من الناحية القانونية"، ورأت أن اعتماد رئيس الدولة لخطاب الوصم الاجتماعي والأخلاقي، والتشهير بجوانب تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد؛ هو مؤشر خطير يدل على تعفن الحياة السياسية في البلاد.
رفض الخضوع وشبهة فساد
القاضي محمد كمون، هو القاضي الذي تعهّد بملف شبهة الفساد المتعلق برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، الذي يعتبره سعيد غريمه ورمزاً للفساد، كما أودع كمون، نبيل القروي، السجنَ لأشهر قبل تحديد مبلغ كفالة كبير لإطلاق سراحه في خطوة تعجيزية.
وكان كمون يُعتبر، تبعاً لذلك، من المحسوبين على الرئيس قيس سعيد، إلا أن اسمه كان من بين القضاة الـ57 المعزولين بتهمة تعطيل المداهمات والتغطية على الملفات.
في حين أن الأمر، وفق قاضي التحقيق نفسه محمد كمون، يتعلق برفضه إعطاء الأوامر والإذن للقيام بمداهمات لمنازل نواب، أو إيقافهم دون وجود موجب قانوني أو تهم واضحة كما يريد الرئيس قيس سعيد.
القاضي حمادي الرحماني، أحد القضاة المعزولين بتهمة الفساد، أكد لـ"عربي بوست" أنه يمارس مهنة القضاة منذ أكثر من 10 سنوات كرّسها لتحقيق العدل ومكافحة الفساد، لكنه وجد نفسه اليوم معزولاً بشبهة الفساد، دون التحقيق معه أو مجابهته بالأدلة التي ضدّه، أو ضمان حقّه في الطعن كمُتقاضٍ.