وصلت الإصابات بحمى القرم- الكونغو النزفية، في العراق، إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبح مشهد تعقيم البقر بمبيدات حشرية مشهداً يومياً في مزارع البلاد، كخطوة لمواجهة انتشار هذه الحُمى.
تُشير الأرقام إلى أنه منذ منذ يناير/كانون الثاني 2022، سجلت البلاد 111 إصابةً بين البشر بالمرض، بينها 19 وفاةً، وفقاً لما ذكرته منظمة الصحة العالمية.
في السنوات السابقة "كانت الحالات التي تُسجل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة سنوياً"، بحسب مدير شعبة السيطرة على الأمراض، داخل دائرة الصحة في محافظة ذي قار الجنوبية، حيدر حنتوش.
هذه المحافظة الفقيرة والريفية سجّلت وحدها نصف الإصابات الإجمالية بالحمى النزفية في العراق، وتنتشر في هذه المنطقة تربية المواشي من جواميس وبقر وماعز وغنم، وهي الحيوانات الوسيطة في نقل حمى القرم- الكونغو إلى الإنسان.
تُشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه يحدث انتقال حمى القرم- الكونغو إلى الإنسان "إما عن طريق لدغات القراد، أو بملامسة دم أو أنسجة الحيوانات المصابة خلال الذبح أو بعده مباشرة"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
تزايد الإصابات بالحمى النزفية
اكتُشف الفيروس للمرة الأولى في العام 1979 في العراق، وهو يسبّب الوفاة بنسبة تتراوح بين 10 إلى 40% من الإصابات، وتُشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الفيروس ينتقل أيضاً "من إنسان إلى آخر نتيجة الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى".
في العام 2021، سجلت محافظة ذي قار 16 إصابة، بينها 7 وفيات، في حين تسجل المحافظة هذا العام 43 إصابة بينها 8 وفيات، وأكثر المصابين من مربي المواشي والقصّابين، وفق السلطات.
يعزو ممثل منظمة الصحة العالمية، أحمد زويتن، هذا الارتفاع في أعداد الإصابات إلى "فرضيات" عدة، ويشير إلى غياب حملات التعقيم التي تجريها السلطات للحيوانات خلال عامي 2020 و2021، بسبب الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا، وبالنتيجة "نمت أعداد الحشرات".
يشرح الخبير أن "تكاثر الحشرات" بدأ هذا العام بشكل مبكر، "قبل نحو أسبوعين أو ثلاثة" عن الوقت العادي، ويرجع الارتفاع "بحذر شديد بجزء منه إلى الاحترار المناخي الذي تسبّب في تمديد فترة التكاثر عند الحشرات".
من جهته، قال الطبيب المختص بأمراض الدم السريرية في دائرة صحة ذي قار أزهر الأسدي، إن الإصابات ازدادت بسبب "قلة توعية الناس حول طرق انتقال هذا المرض وعدم أخذ الأمر بجدية، لا سيما بشأن الإرشادات التي يقدّمها الأطباء".
أشار إلى أن "انتشار الحيوانات" المشرّدة أيضاً "موضوع خطير"، موصياً القصابين خصوصاً "بذبح الحيوانات" في أماكنها الخاصة "وتنظيفها".
أضاف الطبيب أن غالبية المرضى هم في "مرحلة الشباب، فمعدّل الأعمار حوالي 33 عاماً"، رغم أن إصابتين سُجلتا عند طفل يبلغ من العمر 12 عاماً، ورجل يبلغ 75 عاماً.
في الحالات الأكثر تقدماً للمرض يعاني المريض من النزف من الفم والأنف وتحت الجلد وفي الجهاز الهضمي والجهاز البولي، كما يوضح الطبيب، ويشير إلى مخاوف من "ارتفاع أعداد الإصابات خلال فترة عيد الأضحى، بسبب ارتفاع معدّل ذبح الحيوانات والقرب من اللحوم".
خوف من اللحم الأحمر
لا يقتصر هذا الفيروس على العراق، فهو يسجّل إصابات أيضاً منذ سنوات في البلقان، وفي السودان وناميبيا وإيران وتركيا، وشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أفغانستان في العام 2018 مع 483 إصابة، وفي العام 2019 مع 583 إصابة، وفي العام 2020 سجّل 184 إصابة، بينها 15 وفاة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
يكثّف العراق، إلى جانب الأمم المتحدة، في الآونة الأخيرة، حملات التعقيم والتوعية في أوساط السكان، وأدخلت المستشفيات علاجاً جديداً بمضادات فيروسية "بدأ بإعطاء نتائج جيدة"، وفق زويتن، الذي يضيف: "يبدو أنّ معدّل الوفيات قد انخفض".
قرب مدينة النجف في جنوب العراق، تراقب السلطات الصحية إجراءات النظافة التي تعتمدها المسالخ، فيما تراجع استهلاك اللحم الأحمر في المحافظة بنسبة 50%، وقال القصاب حميد محسن للوكالة الفرنسية: "كنا نذبح بين 15 إلى 16 حيواناً في اليوم، أما حالياً فنذبح بين 7 إلى 8".
أقرّ مدير المستشفى البيطري في النجف، فارس منصور، بوجود انخفاض في نسبة الاستهلاك، وشدّد على أن "الإجراءات الصحية والبيطرية مستمرة بشكل مكثّف جداً"، داعياً السكان إلى عدم شراء اللحم سوى من "المتاجر المطابقة للمواصفات الصحية".
كذلك أكد منصور أن الناس بدأوا يتخوفون من اللحم الأحمر "ويعتقدون أن اللحم الأحمر سوف ينقل العدوى"، مضيفاً: "لاحظنا أن كميات اللحوم التي تصلنا يومياً انخفضت بنسبة 50%".