فشل الرئيس التونسي قيس سعيد في جر الاتحاد العام التونسي للشغل إلى صفه للمشاركة في إعادة صياغة الدستور وما يطلق عليه "الجمهورية الجديدة"، بعد أن عبر رئيس الاتحاد رفضه علانية المشاركة في خطط الرئيس في ظل إصراره على إقصاء بعض الأطراف، خاصة الأحزاب السياسية.
وبالإضافة إلى تلويحه بورقة الإضراب العام، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه المشاركة في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهي واحدة من اللجان التي أعلن الرئيس تشكيلها بمرسوم رئاسي.
ووفق المرسوم، يترأس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية عميد المحامين الأسبق إبراهيم بودربالة، وتضم 4 ممثلين لمنظمات عمالية وطنية (اتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد المرأة، واتحاد الفلاحين، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة النقابية الأقوى في تونس، ويوصف بأنه الحزب السياسي الأكبر بغطاء نقابي، وقد تحصل مع 3 منظمات أخرى (رباعي الراعي للحوار الوطني)، على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015.
الاتحاد يدير ظهره للرئيس
أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر تجمع نقابي في تونس وذو التأثير الكبير، أن هيئته الإدارية عقدت اجتماعاً جديداً وقررت التصويت على رفض المشاركة في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
ووفق ما أكده الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري لـ"عربي بوست" فالهيئة الإدارية، التي تمثل سلطة القرار العليا في المنظمة، عقدت اجتماعاً يوم الجمعة 27 أيار/مايو 2022 لمناقشة الجانب الاقتصادي من الأزمة.
وقدمت الهيئة في اجتماعها مقترحات الاتحاد لإنقاذ البلاد من الانهيار، وتداولت تركيبة اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي شكلها الرئيس، وكان من المتوقع أن يشارك فيها ممثل عن اتحاد الشغل، وهو الأمين العام نور الدين الطبوبي.
وخلُصت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، وفق المتحدث الرسمي، إلى أن الرئيس قيس سعيد لم يستشر الاتحاد قبل تعيين ممثل عنه في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار المتحدث إلى أن الاتحاد يرفض المشاركة في تلك اللجنة، ولن يكون له أي ممثل فيها في ظل إصرار سعيد على فرض تصوّر أحادي لن يزيد غير تعميق الأزمة الخانقة التي تتخبّط فيها تونس.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أصدر مرسومين رئاسيين في الجريدة الرسمية، قرر بمقتضى الأول إحداث هيئة وطنية مستقلة ستكون إطاراً للحوار الوطني وأسماها "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".
وحدد سعيد من خلال المرسوم الثاني تركيبة الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، والتي لا تتضمن أي حزب سياسي حتى ممن يساندون الرئيس منذ إعلانه عن الإجراءات الاستثنائية.
وتتولى الهيئة، التي كُلف أستاذ القانون الدستوري العميد صادق بلعيد برئاستها (الأكبر سناً حسب المرسوم)، تقديم اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة، ويقدم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية.
كما تتكون الهيئة التي أعلنها سعيد من لجان ثلاث، وهي اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة الاستشارية القانونية، ولجنة الحوار الوطني، التي يترأسها أيضاً الصادق بلعيد وتظم كل أعضاء اللجنتين الاستشاريين.
وتقوم اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية بتقديم مشاريع إصلاحات اقتصادية واجتماعية تضم المنظمات الكبرى في البلاد، من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ويرأسها عميد المحامين ابراهيم بودربالة.
أما اللجنة الاستشارية القانونية فتتكون من أكاديميين في غالبهم من عمداء كليات الحقوق والعلوم السياسية، وقد أعلن عدد كبير منهم رفضهم المشاركة في اللجنة.
رفض المشاركة في "حوار الرئيس"
قبل اجتماعها الأخير، عقدت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل اجتماعاً بداية الأسبوع الجاري اتخذت من خلاله قراراً برفض المشاركة في الحوار الوطني الذي أعلن قيس سعيد عن إطاره والمشاركين فيه من خلال مرسوم عُرف في تونس بالمرسوم 30.
وصاحب رفض المشاركة في الحوار، قرار بتنفيذ إضراب عام بيومٍ في كامل البلاد يشمل كل موظفي الدولة والمؤسسات المملوكة لها، من المنتظر أن تُحدد المركزية النقابية تاريخه وتفاصيله.
وأكدت مصادر نقابية لـ"عربي بوست" أن تاريخ تنفيذ إضراب عام للاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الاكثر تركيباً وتأثيراً لن يتجاوز شهر يوليو/حزيران 2022.
المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، قال إن الاتحاد ساند ولازال مسار 25 تموز/يوليو 2021، ويرى استحالة العودة لما قبله، ويعتبره فرصة إصلاح حقيقي لكل المجالات في البلاد لإخراجها من الأزمة التي تعيشها منذ أكثر من 10 سنوات.
لكن في المقابل، أكد المتحدث باسم النقابة التونسية لـ"عربي بوست" أن الاتحاد لا يُمكن أن يُشارك في حوار شكلي ونتائجه مُحددة سلفاً من طرف الرئيس، الذي يريد اعتماد الحوار كغطاء لفرض مشروعه وتصوّره للإصلاحات، من خلال تحديد منطلقات الحوار والمشاركين فيه ونتائجه.
وأضاف المتحدث أن الاتحاد لن يقبل بغير حوارٍ حقيقي يشمل كل الأحزاب الوطنية، والجمعيات، والمنظمات، وكل القوى الحية في البلاد، والمنظمة ترفض فكرة إقصاء كل الأحزاب من الحوار وتتمسك بإشراكها في أي نقاش بخصوص المشروع الإصلاحي للبلاد.
الإضراب العام.. ورقة الاتحاد الناجحة
قرار الإضراب الذي اتخذته الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل بالتوازي مع قرار رفض المشاركة في الحوار الوطني، موجّه وفق ما هو مُعلن للحكومة بدرجة أولى، وذلك احتجاجاً على رفضها سحب المنشور 20.
وينص المنشور 20 في تونس، والصادر عن رئيس الحكومة التونسية نجلاء بودن في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021 بمنع على الوزراء وكل المسؤولين الكبار في الدولة التفاوض مع النقابات إلا بتفويض من رئاسة الحكومة وموافقتها.
أيضاً يسعى الاتحاد من خلال الإضراب إلى الضغط لفتح مفاوضات للزيادة في أجور موظفي الدولة، ومنع التوجه لرفع الدعم على المواد الأساسية والترفيع في أسعارها تدريجياً، بالإضافة إلى ملف التفويت في المؤسسات المملوكة من طرف الدولة.
المحلل السياسي والخبير الاقتصادي حسين الديماسي قال إن الإضراب العام من أكثر أوراق الاتحاد العام التونسي للشغل حدّة وإحراجاً للسلطة الحاكمة، بالإضافة إلى تأثيره الاقتصادي وما يتسبّب فيه من شلل تام في البلاد يشمل حتى القطاع الخاص نظراً لأن نشاطه مرتبط بالنقل العمومي والإدارات العمومية.
وقال الديماسي الذي تحدث لـ"عربي بوست" إن قرار الإضراب العام ليس موجهاً للحكومة كما هو مُعلن بل مرتبط بشكل كبير بالمسار السياسي المنغلق في البلاد، وتمسك قيس سعيد بتصوره ومشروعه وصيغة تنظيم الحوار الوطني الذي يرفضها اتحاد الشغل.
وأكد المتحدث أن قرار الإضراب لم يكن وليد بداية أسبوع، بل يعود لأكثر من شهرين وحاولت قيادات الاتحاد تفاديه لوعيها بأنه مدخل لإمكانية فتح باب الصدام مع السلطة في الشارع، ومن المرجّح أن يمثّل مُنعرجاً في علاقة الإتحاد بالرئيس قيس سعيّد.
وأشار المتحدث إلى أن الاتحاد تأكد من إصرار الرئيس على مواصلة استفراده بكل شيء، وتنفيذ مشروعه السياسي، ومحاولة تنظيم حوار وطني شكلي سيكون غطاء لتمرير تصوّراته للإصلاح، فلم يجد بُداً سوى تفعيل القرار بالإضراب العام للضغط أكثر على قيس سعيد للتراجع وتغيير صيغة تعاطيه مع الأطراف الوازنة في البلاد.
وخلص الديماسي إلى أن ورقة الإضراب العام إحدى ورقات الاتحاد وليست الوحيدة، إذ إن أهم أوراق الاتحاد للضغط على الرئيس والحكومة هي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط موافقة الاتحاد على مشروع الإصلاحات لمنح تونس قرضاً ضخماً يعول عليه سعيد كثيراً لتخفيف الضغط الاجتماعي والاقتصادي الكبير.
استباق لمعركة كسر العظام
المحلل السياسي عبد الطيف الهرماسي يرى من جانبه أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض للمشاركة في اللجان الاستشارية سيخلط كل أوراق الرئيس التونسي قيس سعيد سواء داخلياً أو خارجياً.
واعتبر المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أنه من المستبعد أن يحظى أي مشروع أو خطة لقيس سعيّد بالشرعية والقبول الداخلي والخارجي دون مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة الأقوى في تونس والأكثر تماسكاً وهيكلة.
ووصف الهرماسي قرار الإضراب العام الذي أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل بخطوة "فتح باب الصدام مع السلطة"، حيث رجّح ألا يمر الإضراب بسلاسة نظراً لطبيعة ردّ فعل سعيّد العنيفة ضد معارضي قراراته حتى وإن كانوا من حلفاء الأمس.
كما رأى المختص في الشأن السياسي التونسي في الإضراب العام خطوة استباقيّة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل على أي مخطط من طرف الرئيس قيس سعيد لضربه من الداخل وإضعافه لفسح المجال أمام توجهه لمزيد الانفراد بالسلطة.
ولم يستبعد الهرماسي أن يعيد سعيد ممارسته مع اتحاد الفلاحين من تحريض داخلي على عزل رئيسه الذي كان عضواً في مجلس شورى النهضة وتعويضه من طرف الشخصية التي التقت سعيد قبل يومين من الجلسة التي أفرزت عزل رئيس اتحاد الفلاحين.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”