منذ أسبوع تقريباً كان اللبنانيون على موعد مع مفاجأة كبيرة في الانتخابات اللبنانية، ارتبطت بهزيمة مدوية طالت كل حلفاء النظام السوري في لبنان، وأدت إلى خروجهم من المشهد السياسي.
فقد حل مرشحو قوى التغيير مكان شخصيات سياسية لطالما ارتبطت بنظام الأسد وربطت مصيرها السياسي بدمشق، على الرغم من كل الظروف التي مرت وكادت تؤدي للإطاحة ببشار الأسد وعائلته من السلطة.
هذه الهزيمة المدوية لم تأتِ من فراغ، بل كان وراءها سياقاتها وأسبابها غير المعلنة حتى اللحظة، والتي ترتبط بحزب الله نفسه. "عربي بوست" استطاع الوصول إلى تفاصيل جديدة تكشف كيف قام حزب الله بالمساهمة في هزيمة خطة الأسد وحلفاء النظام السوري رغم أن الحزب حليف قوي للنظام السوري.
عودة الأسد إلى لبنان.. وانزعاج حزب الله
تعود القصة إلى أشهر قليلة ماضية، حين شعر حزب الله أن الرئيس السوري بشار الأسد ينوي إعادة حضوره إلى لبنان من بوابة النظام ومخابراته، وليس عبر حزب الله نفسه.
وعليه فإن ما جرى في الانتخابات لا ينفصل عن لمسات خطها الحزب بغية "تأديب" بعض حلفائه في مناطق لبنانية مختلفة.
وتشير مصادر دبلوماسية عربية رفيعة لـ"عربي بوست" إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد وخلال زيارته الأخيرة لأبوظبي ولقائه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، فاتحه بقدرة دمشق على تكوين كتلة برلمانية قوامها 10 نواب موالين لدمشق ويمكنهم لعب دور "بيضة القبان" في الملفات الحساسة.
لذا جرى استدعاء كل حلفاء دمشق بشكل متتالٍ للقاء الأسد، وهم النواب: طلال أرسلان وفيصل كرامي ووئام وهاب وإيلي الفرزلي وأسعد حردان وسليمان فرنجية ومسؤولين في حزب البعث، وهو ما أثار حفيظة حزب الله وانزعاجه.
وعود وخديعة
في إطار متصل يشير مصدر سياسي مقرب من قوى 8 مارس/آذار لـ"عربي بوست" إلى أن حزب الله وحركة أمل وعدا كلاً من إيلي الفرزلي الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب وهو مقرب من النظام السوري منذ العام 1980، بأصوات تصل إلى 2000 صوت تفضيلي لتأمين فوزه.
لكن نتيجة الانتخابات أظهرت أن إيلي الفرزلي لم يحصل إلا على 300 صوت شيعي، وهو ما يفتح الباب على أسئلة كبيرة حول عدم وفاء حزب الله وحركة أمل بالوعد المقدم له.
بالمقابل، تشير المصادر نفسها إلى أن الأصوات الشيعية التي كان قد وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري بتتجميعها للائحة تحالف التيار الوطني الحر وطلال أرسلان ووئام وهاب وهي 1500 صوت، جرى حشدها للائحة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي أمن فوز كل النواب الدروز في جبل لبنان.
بالمقابل فإن جنبلاط استطاع تأمين 1700 صوت لمرشح المعارضة مارك ضو، الذي أطاح برئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، وأغلق بيته السياسي، ما أفقد الأسد حليفيه وئام وهاب وطلال أرسلان في جبل لبنان.
بالتوازي، أضاف المصدر أن حزب الله لم يعطِ أصواته لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان والمصرفي المحسوب على الأسد مروان خير الدين، فيما أعطى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أصواته الدرزية في منطقة حاصبيا جنوب لبنان لمرشح المعارضة فراس حمدان، وسط صمت وموافقة حزب الله وحركة أمل، الأمر الذي أدى لخسارة حردان وخير الدين.
وأوضح المصدر أن حردان لم يحقق سوى 1900 صوت، ولم يجرِ إعطاؤه أي صوت شيعي، فيما حصل منافسه من قوى التغيير إلياس جرادة على حوالي 10 آلاف صوت شيعي معظمها من مناطق لحركة أمل.
ترك سليمان فرنجية وفيصل كرامي لمصيرهما
لا ينفي المصدر نفسه أن حزب الله أبدى انزعاجه من زيارة سليمان فرنجية إلى فرنسا، التي التقى خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهدف تسويق نفسه أمام الفرنسيين أنه مرشح قوي للرئاسة بدلاً من جبران باسيل.
هذه الزيارة لم يكن حزب الله على علم بها، ولم يجرِ تنسيقها معه، خاصة أن الحزب هو من يملك كلمة الفصل في اختيار مرشح قوى 8 مارس/آذار لرئاسة الجمهورية.
لذا فإن عدم ترتيب تحالف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة في دائرة الشمال الثانية قد يكون ترك سليمان فرنجية لمصيره في هذه المعركة والتي أفقدته نائبين في الدائرة ولم يستطع تكوين كتلة برلمانية.
بالمقابل فإن الخطوط المفتوحة بين دمشق وفيصل كرامي ومساعي كرامي للتواصل مع الجانب التركي دون رضى وموافقة حزب الله- حسب المصدر- قد تؤدي لعدم تدخل حزب الله في الطعن الذي ينوي النائب السابق فيصل كرامي تقديمه إلى المجلس الدستوري، ما يعني أن الجانب السوري لن يحصد أي مقعد برلماني لحلفائه.
انزعاج سوري
ويشير المصدر إلى أن الجانب السوري انزعج من قيام حزب الله باستبعاد الأمين العام لحزب البعث علي حجازي من لائحة الثنائي الشيعي.
يأتي هذا على الرغم من التدخل المباشر لنائب الرئيس السوري علي مملوك وزيارة رئيس المخابرات العامة السورية اللواء حسام لوقا ولقائه قيادات الحزب بغية ترتيب دخول حجازي إلى اللائحة، بالإضافة لضم مرشح بعثي آخر للائحة حلفاء حزب الله في عكار بدلاً من المرشح المحسوب على التيار الوطني الحر، لكنها اصطدمت برفض الحزب القاطع.
وعليه يشير مصدر قوى 8 مارس/آذار لـ"عربي بوست" إلى أن الحزب استطاع القول للنظام السوري إن أي نشاط سياسي في لبنان يمر عبره ولا يمكن بعد اليوم الرهان على تكوين حضور للابتزاز السياسي في حال جرت أي تسوية بين النظام السوري ودول الخليج العربي.
الأسد وعون في مواجهة بري
وفي معركة رئاسة المجلس النيابي، يخوض الرئيس نبيه برّي إحدى أهم معاركه السياسية وقد تكون آخر المعارك.
افتتح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس النظام السوري بشار الأسد هذه المعركة ضد بري. هنا يشير المحلل السياسي ربيع دندشلي إلى أن بري لن يسمح لنفسه بمغادرة مجلس النواب، قبل خروج ميشال عون من القصر الجمهوري.
فهو كان يعتبر أن انتخاب عون رئيساً للجمهورية يصب في سياق مشروع وهدف واضح هو تطويق برّي وإخراجه من اللعبة السياسية.
ويشير دندشلي إلى أن بري يعتبر أن هناك جواً دولياً ضاغطاً لعدم انتخابه لهذا الموقع، من دون إغفال وجود نية لدى العديد من حلفاء النظام السوري ضد انتخابه أيضاً، لذا فإن بري لن يتراجع عن خوض هذه المعركة. فما يريده هو تثبيت نفسه في رئاسة المجلس.
وهي رسالة سيوجهها بقسوة إلى عون وباسيل، وإلى حلفاء النظام السوري الذين كانوا ينوون تشكيل كتلة نيابية في هذه الانتخابات لإزاحته واختيار شخصية بديلة له، ومنع ذلك بحركات انتخابية بالتنسيق مع وليد جنبلاط.
ويعتقد المحلل السياسي اللبناني أن ثمة من يضرب على وتر الفتنة وزرعها داخل الفريق الواحد، أي بين حلفاء حزب الله على الضفتين، ضفة برّي من جهة، وضفة التيار الوطني الحرّ وبعض المحسوبين على النظام السوري من جهة أخرى.
خطة الأسد الخاسرة
هنا يشير الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع إلى أنه وفي الكواليس، وقبيل الانتخابات، كان يدور كلام كثير عن أن السعي الأساسي تركز على تكوين كتلة نيابية مؤلفة من حوالي 15 نائباً يكونون من خارج عباءة حزب الله وحركة أمل، وتوفر أكثرية لأي مرشح آخر طالما أن المراد عدم انتخاب رئيس حركة أمل رئيساً للمجلس.
غالبية هؤلاء من الذين يدينون بالولاء إلى النظام السوري، وكانوا يروّجون في السابق لنظرية أن النظام السوري سيعود إلى لعب دور أكبر في لبنان، وسيستعيد نفوذه وسيكرس تأثيره في المسارات والمجريات. وهذا أمر يتحدث به كثر من قوى الثامن من مارس/آذار.
وكان يفترض- بحسب الربيع- بتلك الكتلة أن تطرح مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس النواب، ويتم التصويت له، فيما يُستثنى من هذا الأمر تيار المردة فقط. على أن يتكافل هؤلاء النواب مع التيار الوطني الحرّ مثلاً لتوفير الأكثرية لمرشحهم.
بالتوازي يشير الربيع إلى أن وحده حزب الله لم يكن قادراً على تحمّل مثل هذا الأمر، لما سيكون له من تداعيات سلبية على الواقع الشيعي، لما سينتج عنه من توتر لا أحد قادراً على تحمّله. واستفاد برّي من اهتمام استثنائي يوليه حزب الله لتأمين فوز جبران باسيل في مختلف المناطق، وكان ذلك على حساب العديد من حلفاء النظام السوري.