قبل أسابيع أصدر النائب العام المصري حمادة الصاوي أمراً بإحالة بلاغ مقدم ضد أصحاب ثلاث قنوات بموقع "يوتيوب" للتواصل الاجتماعي، من بينهم المدعوان "حمدي ووفاء"، صاحبا قناة على اليوتيوب تحقق ملايين المشاهدات، إلى نيابة الشؤون المالية والتجارية بمكتب النائب العام للتحقيق فيه، حيث تضمَّن البلاغ ترويجهما العملات الرقمية في مصر، ومن بينها البيتكوين.
وينقل الإعلام المحلي في مصر أخباراً شبه يومية عن القبض على أشخاص أو شبكات لتعدين وتداول العملات الرقمية، ورغم الملاحقات الأمنية وتجريم وتحريم تداول البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، فإن بيانات منصات تداول العملات الرقمية تشير إلى وجود إقبال غير مسبوق من الشباب في مصر على مجال تداول العملات الرقمية.
مصر الأولى عربياً
لا توجد أرقام رسمية في مصر عن عدد مستخدمي العملات الرقمية، ولا توجد مكاتب ولا شركات ولا عناوين رسمية لأي شخص أو شركة في مصر تتعامل وتتداول العملات الرقمية، إلا أنه وفقاً لموقع TripleA، الذي نقلت عنه شبكة "cnn" إحصائية عن أكثر الشعوب إقبالاً على عمليات التعدين والتداول في العملات الرقمية، كانت مصر الأولى عربياً، وصاحبة المركز رقم 11 على مستوى العالم، ووفقاً لتلك الإحصائية فإن عدد مستخدمي العملات الرقمية في مصر قد وصل إلى 1.7 مليون شخص.
وتربّعت الهند على عرش الدول الأكثر استخداماً للعملات المشفرة بـ100 مليون مستخدم، وتلتها أمريكا بالمرتبة الثانية بأكثر من 27 مليون مستخدم. وجاءت روسيا في المرتبة الثالثة بـ17 مليون مستخدم، وبعدها نيجيريا بـ13 مليوناً، وبعدها البرازيل بأكثر من 10 ملايين مستخدم.
أما في العالم العربي، فبعد مصر جاء المغرب في المرتبة الثانية عربياً بـ878.1 ألف مستخدم، والسعودية في المرتبة الثالثة بـ452.7 ألف مستخدم، يليها العراق بـ375.7 شخص، واليمن بـ278.3 ألف مستخدم.
ضحايا العملات الرقمية
رغم كل الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لعمليات تداول وتعدين العملات الرقمية فإن قطاعات كبيرة من المصريين لا تتوقف عن اللجوء للمضاربة في تلك العملات وتداولها، من أجل تحقيق أرباح كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، وهو ما أوقع عدداً كبيراً منهم في براثن شركات وأشخاص ادعوا أنهم وكلاء للعملات الرقمية في مصر، وجمعوا ملايين الجنيهات وهربوا بها خارج البلاد.
وبحسب تصريحات صحفية للعميد إسماعيل متولي، بإدارة مباحث الأموال العامة المصرية، فإنه أكد أن هناك بلاغات كثيرة لحالات تم الاحتيال عليها تحت مسمى التجارة في "بتكوين"، وهو ما نعتبره شكلاً من أشكال جرائم توظيف الأموال، كون عملية التجارة في العملات الرقمية غير مسموح بممارستها داخل مصر.
وأضاف في تصريحات لمجلة الأهرام العربي "هناك من يحتالون على أشخاص تحت مسمى هذه التجارة غير المشروعة، التي تجذب ضحاياها بأرباح خيالية وهمية تحصل عليها بعد شراء وبيع هذه الوحدات الرقمية".
وأشار إسماعيل إلى أن هناك شركات كثيرة تعمل بالاحتيال في تجارة العملة الإلكترونية والمشفرة، غير مرخصة من الأساس، ويتم استغلال أحلام البسطاء في الأرباح الخيالية، ولا تكون هناك أي ضمانات للمبالغ المدفوعة، كونه عالَماً افتراضياً على الإنترنت، لا توجد به إثباتات ملموسة.
خسرت في البيتكوين ولكن لا يمكنني تركها
يحكي محمود لـ"عربي بوست" عن قصته مع العملات الرقمية، وكيف أنه تعرّض للنصب على يد مجموعة من الأشخاص ادّعوا أنهم وكلاء لعملات رقمية في مصر، ومع ذلك فهو مستمر في مجال التداول في تلك العملات؛ لأنها تحقق أرباحاً خيالية، على حد تعبيره.
ويضيف: "بداية الاشتراك كانت عن طريق صديق لي، قال إنه تعرّف على شركة تعمل في تداول البيتكوين، والعمل فيها في مصر يشبه التسوق الشبكي إلى حد بعيد، فكل شخص يُسهم في دفع شخص آخر للاشتراك في شراء العملة الرقمية، سواء كانت بيتكوين أو غيرها، تكون له أرباح إضافية عن ذلك الشخص".
وتابع: "هناك باقات في البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، مثل باقات التسوق الشبكي أو التسوق عبر الإنترنت، وأنا اشتركت في باقة الـ600 دولار، ودفعت لصديقي 11 ألف جنيه، قام بتحويلهم عبر فودافون كاش لمن هو فوقه في مجال التداول في العملات الرقمية".
يُكمل محمود: "بعد أن دفعت الأموال لصديقي حوّلها هو لرئيسه، تم إنشاء حساب لي باسمي، وبإيميل خاص بي ورقم سري خاص بي، وتم إثبات أنني مشترك بباقة الـ600 دولار، بعدها بأسبوع بدأت في جني أرباحٍ يومية، حيث كان يظهر في حسابي أنني ربحت 4 أو 5 دولارات يومياً، واستمر هذا الوضع لمدة 6 أشهر، وبعدها توقفت الأرباح نهائياً، ولم يعد هناك أي ربح".
وتابع: "عرفت بعد ذلك أن الأشخاص الذين حوَّلنا لهم الأموال على أساس أنهم وكلاء هربوا إلى دبي، وقمت بعمل محضر توظيف أموال لهم في نيابة الأموال العامة".
كيف يتم التعدين؟
وعن طريقة تعدين العملات الورقية، أكد محمود أنه "لم يعمل في مجال التعدين لأنه مُكلِّف؛ حيث يتطلب ذلك شراء جهاز كمبيوتر لا يقل ثمنه عن 60 ألف جنيه، والاشتراك في باقة إنترنت عالية جداً، وإحضار مولدات كهربائية عالية الطاقة وشاشات عرض، وبعدها يتم القيام بعمليات حسابية معقدة عبر الإنترنت من أجل التعدين"، وفي النهاية الربح ليس كبيراً مقارنة بالتداول.
وأكد محمود على أنه رغم تعرّضه للنصب فإنه مستمر في تداول العملات الرقمية؛ لأنها تحقق أرباحاً كبيرة، وتضيف معلومات مهمة للشخص، وتعلمه أشياء كثيرة، على حد قوله.
وعن كيفية شراء الدولار الرقمي يقول محمود: "هناك أشخاص يعرضون بيع دولارات رقمية على الإنترنت، وهناك تقييم يظهر بجانب حساباتهم، ويجب أن تتحرى عن هذا الشخص، وتتأكد أنه صادق، وأنه ليس نصاباً، وبعد أن تتأكد أن هذا الشخص ليس مزيفاً ولا يمارس النصب تتواصل معه وتلتقي به وجهاً لوجه، وتسلمه المبلغ الذي تريد بقيمته دولارات رقمية، وهو بعدها يبيع لك عبر الإنترنت الكمية المتفق عليها من الدولارات الرقمية.
يواصل محمود شرحه لكيفية التداول في العملات الرقمية: "بعد عمل حساب المنصة وامتلاك كمية من الدولارات الرقمية تقوم بمراقبة العملات الرقمية الموجودة على الإنترنت، وتتابع عن كثب، وتتوقع من تلك العملات أن تحقق أرباحاً جيدة، فتقوم بشراء تلك العملات عن طريق الخصم من حسابك من الدولار الرقمي، وحينما ترى أن هذه العملة بدأت تحقق أرباحاً وسعرها مرتفع تقوم ببيع الكمية التي تمتلكها من هذه العملة، أو جزء منها، بنفس الطريقة التي اشتريت بها.
يتداول عبر 11 عملة
وكشف محمود انه حالياً يمارس التداول عبر 11 عملة رقمية، وأنه يرفض التداول على البيتكوين لأن ثمنها مرتفع للغاية، ولكي يشتري جزءاً من البيتكوين الواحد يحتاج إلى آلاف الدولارات.
وبحسب محمود فإن هناك عملة أخرى غير البيتكوين سيكون لها شأن كبير للغاية في المستقبل، وهي عملة الإيثريوم، وهي تساوي حالياً حوالي ٣ آلاف دولار للعملة الواحدة.
ولفت إلى أن هناك عدداً ليس بالقليل من المصريين تعرضوا للنصب، بسبب رغبتهم في دخول بيزنس العملات الرقمية، وقال إن هناك سيدة من المنصورة كانت معهم في بداية اشتراكهم في البيتكوين، وإن الأشخاص الذين خدعوهم أعطوا هذه السيدة أرباحاً كبيرة في البداية، لأنها كانت مشتركة بمبلغ كبير، وهو ما أغراها بأن تشتري بيتكوين بمليون ونصف المليون من هؤلاء الأشخاص، الذين أوهمونا بأنهم وكلاء، ولكنها تعرضت للخداع والنصب مثلنا، وهربوا بأموالنا جميعاً للخارج.
لجأتُ إلى البيتكوين بحثاً عن لقمة العيش
"الأوضاع الاقتصادية في غاية الصعوبة، وجرّبت كل حاجة، مش مكفية، فلجأت للبيتكوين".. بهذه الكلمات يبدأ حسام حديثه لـ"عربي بوست"، عن رحلته مع تداول العملات الرقمية، مشيراً إلى أنه جرَّب كل شيء من أجل الحصول على لقمة العيش، وأنه اشترى "توكتوك"، ولكن مشاكله كثيرة، ودخله لا يكفي، وأنه حاول شراء سيارة وتأجيرها لشركة، ولكنه خاف من سرقتها أو هلاكها، وقرر أن يشارك في مجال تداول العملات الرقمية؛ بحثاً عن أي مَخرج أو أي حل يُحقق له ربحاً يستطيع من خلاله مجاراة حركة ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في مصر.
ويكمل: "دَلَّني صديق لي يعمل في تداول العملات الرقمية على الطريق، واشتركت في باقة للبيتكوين بـ11 ألف جنيه، وكنت أحصل على أرباح يومية، لمدة شهرين أو 3 أشهر، وبعدها توقفت الأرباح، وقالوا لنا إن العملة تخسر حالياً".
يضيف حسام "لم أنتظر كثيراً، وبحثت عن آلية أخرى ونشاط آخر، سواء كان الأشخاص الذين تداولت من خلالهم البيتكوين كاذبين أو صادقين، ليس لدي رفاهية البكاء على اللبن المسكوب، الأسعار في مصر هي والجحيم سواء".
حرام شرعاً ومجرَّمة قانوناً
وقبل 4 سنوات دخل الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية على خط المواجهة بين الدولة ومستخدمي العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين، وأفتى علام بأنه لا يجوز شرعاً تداول عملة "البيتكوين"، موضحاً أن تحريم التعامل بتلك العملة يأتي لعدم اعتبارها وسيطاً للتبادل من الجهات المختصة.
وأضاف "علام"، خلال تصريحات تلفزيونية، أن التعامل بتلك العملة جهالة وغش، ويؤدي إلى مخاطر عالية على الأفراد والدول.
إلا أن الدكتور مجدي عاشور، مستشار المفتي عاد وأكد في تصريحات صحفية أن العملات الرقمية، ومنها البيتكوين، يمكن أن تكون حلالاً في حالة واحدة فقط، وهي أن يعترف بها البنك المركزي المصري.
وتنص المادة (206) من القانون الجديد للبنك المركزي المصري، الذي أقرّه السيسي في سبتمبر/أيلول 2020، على حظر إنشاء أو تشغيل منصات لإصدار أو تداول العملات المشفرة أو النقود الرقمية، أو الترويج لها دون الحصول على ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري، وفقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها.
وكان البنك المركزي المصري قد أرسل خطاباً للبنوك المصرية، محذراً فيه من عمليات الشراء والدفع للعملات المشفرة، وشمل الخطاب قائمة بأشهر المواقع والمنصات المتعامل عليها في عمليات تداول وتعدين العملات الافتراضية المشفرة،
وضمّت القائمة نحو 55 موقعاً إلكترونياً لتداول العملات، لحظر عمليات الدفع من خلالها.
وهو ما يعني قطعاً تجريم تلك التجارة في مصر، وبالتالي تعرُّض كلٍّ من البائع والمشتري للمُساءلة القانونية.