ملتحفةً بالعلم المغربي، وممسكةً بالمصحف الشريف؛ وجهت متسلقة الجبال المغربية بشرى بايبانو رسالة للمغاربة من أعلى قمة جبل أنابورنا بسلسلة جبال الهيمالايا، تهديهم فيها هذا الإنجاز الذي جعل منها أول امرأة مغربية وعربية تنجح في الوصول إلى هذه القمة.
يطلق على هذا الجبل الذي يصل علوه إلى 8091 متراً اسم جبل الموت؛ إذ لم يستطع سوى 300 متسلق الوصول إلى قمته، بالنظر إلى وعورته وخطورته والانهيارات الثلجية التي يشهدها.
وتلقت بشرى تهنئة خاصة من العاهل المغربي محمد السادس على هذا الإنجاز المشرف، كما أنه استقبلها سنة 2015 ووشحها بوسام الاستحقاق الوطني من درجة ضابط.
ومما جاء في برقية التهنئة: "وإننا لنشيد بما فتئتِ تبذلينه من جهود كبرى، لتحقيق أفضل الإنجازات في رياضة تسلق الجبال، مجسدة بذلك عزمك وإصرارك المعهود على تشريف المرأة المغربية، وتأكيد حضورها المتميز قارِّياً ودولياً".
القمم السبع
بدأت بشرى، كما حكت لـ"عربي بوست"، التخطيط لهذه المغامرة الجديدة بعد نجاحها في إكمال مشروع تسلق قمم العالم السبع، في الفترة ما بين 2011 و2018، منهية بذلك حلماً طالما راودها وشغفها.
وكانت قمة جبل كليمنجارو (5895 متراً) بإفريقيا هي أول قمة قارِّية تتسلقها بشرى ضمن هذا المشروع سنة 2011، ثم "مون بلان" (4810 أمتار) أعلى قمة في سلسلة جبال الألب بأوروبا.
ثم تسلقت بشرى جبل "أكونكاغوا" في الأرجنتين (6962 متراً)، وهي أعلى قمة بأمريكا الجنوبية، و"ماكنلي" (6194 متراً)، أعلى قمة بأمريكا الشمالية، وجبل "ألبروز" (5642 متراً)، أعلى قمة في أوروبا.
وعام 2017 نجحت في تسلق أعلى قمة في العالم "إيفرست" (8848 متراً) بآسيا، لتنهي هذا التحدي الكبير سنة 2018 بتسلق جبل "فانسون"، أعلى قمة في القطب الجنوبي (4892 متراً)، وتصبح أول مغربية ومغاربية وعربية تُنهي تحدي القمم السبع.
مغامرة جبل الموت.. لم تكن سهلة
تقول بشرى: إنها قبل سنتين بدأت التخطيط لمغامرتها الأخيرة لتسلق جبل الموت في النيبال، غير أن جائحة كوفيد وما تلاها من إغلاق الحدود جعلها تؤجل المغامرة إلى أن حان الوقت المناسب هذا العام، بعد أن وجدت داعمين مولوا رحلتها، ونجحت في تحقيق هدفها نهاية أبريل/ نيسان 2022.
استمرت المغامرة لجبل أنابورنا، كما حكت لـ"عربي بوست"، شهراً ونصفاً وعلى مراحل، قضت منها فترة في المشي في طبيعة نيبال الساحرة، وبعدها بدأت مرحلة التأقلم بتسلق جبل أمادبلام، حيث وصلت لعلو 6550 متراً في إطار الاستعداد للمرحلة الأصعب، وهي تسلق قمة الموت.
كانت بشرى ضمن فريق من 5 نساء ورجل من جنسيات مختلفة تسلقوا معاً خلال 3 أسابيع جبل أنابورنا.
لم تكن الرحلة سهلة كما تقول، فبعض الممرات التي عبرتها ورفاقها كانت صعبة جداً ومحفوفة بالمخاطر، ولا تنسى كيف مر انهيار ثلجي بالقرب منها، وتطلب الصعود التحلي بالصبر وانتظار تحسن أحوال الطقس.
أسلوب حياة والتخطيط
بمجرد ما تنتهي من مغامرة تبدأ بشرى بايبانو التخطيط لأخرى؛ فهذه المهندسة في الاتصالات والأم والحافظة لكتاب الله تعشق التحديات، تجد في القمة الرضا عن النفس، وفي الطريق إليها مشقة بطعم الحياة بحلوها ومرها.
تقول: "دافعي الأساس لخوض هذه المغامرات أن أحقق ذاتي، وأن أشرف بلادي، وأرفع راية المغرب فوق أعلى القمم، وأن أشرف المرأة المغربية والعربية والمسلمة على وجه العموم".
لا تخوض بشرى مغامراتها عشوائياً، بل تخطط طويلاً وتستعد ذهنياً وبدنياً حتى تضمن النجاح فيها، وتتأكد من توفر عناصر السلامة.
لذلك تتبع أسلوب حياة خاصاً، فهي، كما تحكي، تذهب إلى صالة الرياضة يومياً، وتتدرب بين ساعتين و3 ساعات حتى تحافظ على لياقتها البدنية.
وإلى جانب اللياقة البدنية؛ فإنها تستعد قبل كل رحلة تسلق ذهنياً ونفسياً، وقبل خوض المغامرة تدرس الجبل الذي ستتسلقه، وتكون على دراية بالمخاطر التي قد تواجهها.
تقول بشرى لـ"عربي بوست": "أضع تصوراً وخطة عن الطريق التي ستوصلني إلى الهدف، أقوم بتدريبات مكثفة في القاعة وخارجها، آكل جيداً، وأنام نوماً كافياً، هذا الأسلوب في الحياة يمنحني القوة لتحدي الجبال".
أجنحة الحلم
كانت بشرى بايبانو تقترب من نهاية عقدها الثاني عندما تملكها الشغف بتسلق الجبال، وهو الشغف الذي وُلد في داخلها، وهي تقف على قمة جبل توبقال، أعلى قمة جبلية بالمغرب.
ومنذ ذلك الحين طارت على أجنحة الحلم، وحلقت من قمة لأخرى، ومن تحدٍّ لآخر أصعب منه، إلى أن اعتلت قمة جبل الموت في عقدها الخامس.
كانت بشرى امرأة عادية ككل النساء، درست بجد لتتخرج مهندسة اتصالات، آمنت بنفسها وبأحلامها، واتبعت شغفها، لتصبح اليوم على كل لسان، ومصدر إلهام كثير من النساء والفتيات اللواتي تنقصهن الثقة في النفس ولم يكتشفن بعد القدرات الكامنة فيهن.
تقول: إنها تعلمت من تسلق الجبال الصبر والمثابرة والثقة في النفس والإيمان بالذات.
بعد نجاحها في تسلق القمم السبع، اتجهت بشرى لتشارك تجربتها مع المجتمع، فقامت بتأطير الفتيات ومرافقتهن في رحلات جبلية.
بالنسبة لها هذا الأمر ليس مجرد رياضة أو هواية، بل إنه وسيلة لتشكيل شخصية الفتيات وصقلها، خاصة في مرحلة المراهقة الحرجة، فيتعلمن منه كيف يواجهن بصلابة وقوة التحديات الصغيرة والكبيرة التي يصادفنها في حياتهن اليومية.
وكما شاركت تجربتها مع الفتيات والنساء؛ فإنها لم تبخل بها على العالم؛ فألفت كتاباً عنوانه "طريقي نحو القمم السبع"، وفيه تعرض حكايتها مع تسلق الجبال وما رافق مغامراتها من مخاطر وصعوبات وتفاصيل لم تحكها من قبل هي بمنزلة دليل لكل من رغب في السير في هذا الطريق.