استطاعت جموع غفيرة من الفلسطينيين تشييع جثمان الصحفية شيرين أبو عاقلة إلى مثواها الأخير في القدس المحتلة، رافعين الأعلام الفلسطينية ومرددين الشعارات المنددة بالاحتلال، على الرغم من القمع والاعتداءات الإسرائيلية التي بدأت منذ لحظة إخراج تابوت الشهيدة من المستشفى في حي الشيخ جراح، وحتى أزقة البلدة القديمة، حيث تعرض المشيعون للضرب وقنابل الصوت، كما تعرض عدد منهم للاعتقال.
وبعد يومين على اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء 11 مايو/أيار 2022، وصل جثمانها إلى مدينة القدس، بعد تشييعه بشكل رسمي في مقر رئاسة السلطة الفلسطينية برام الله، وتشييعات شعبية متفرقة ابتدأت في مخيم جنين ونابلس وعلى طول الطريق الواصل نحو القدس.
جنازة تحت القمع
ومنذ أن انطلقت مسيرة تشييع الصحفية "أبو عاقلة" من المشفى "الفرنسي" في القدس المحتلة، هرعت قوات الاحتلال لقمعها وضرب المشاركين في الجنازة داخل ساحات المستشفى؛ مما أدى إلى سقوط التابوت أرضاً.
سلطات الاحتلال كانت قد هددت منذ الخميس، بقمع الجنازة إنْ رفع المشاركون فيها الأعلام الفلسطينية أو رددوا شعارات ضد الاحتلال، وذلك خلال استدعاء لشقيق شيرين، الخميس.
في المقابل، أعلنت القوى الوطنية والإسلامية بالقدس إضراباً شاملاً؛ حداداً على روح الزميلة شيرين أبو عاقلة، كما دعت إلى أوسع مشاركة في تشييع جثمانها.
أظهرت لقطات البث المباشر على وسائل الإعلام، ضرب جنود من قوات الاحتلال للمشيعين، متجاهلين حرمة الجنازة؛ ما أدى إلى حالة ارتباك وتوتر في المستشفى الفرنسي، وتراجع المشيعين والعودة بالنعش إلى المستشفى الفرنسي بالقدس.
على أثر القمع الإسرائيلي، نُقِل جثمان "أبو عاقلة" عبر سيارة نقل الموتى بعد أن انتُزعت كل الأعلام الفلسطينية التي كانت تغطي التابوت، إلى كنيسة الروم الكاثوليك في البلدة القديمة، حيث أُدِّيت المراسم والصلوات، فيما اعتدت قوات الاحتلال مرة أخرى على المشاركين في مراسم التشييع، بمحيط الكنيسة؛ لرفعهم أعلاماً فلسطينية.
كانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد قالت إن الآلاف من ضباط الشرطة الإسرائيلية سينتشرون بشكل علني وسري، لمواكبة جنازة صحفية "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، فيما منع الجنود منذ الصباح تعليق أي صور أو لافتات تحمل صورة الصحفية شيرين في أزقة البلدة وشوارعها.
وعلى الرغم من نصب حواجزَ على الطريق المؤدي إلى الكنيسة والمقبرة، وإعاقة وصول الفلسطينيين، فإن الآلاف استطاعوا الوصول والمشاركة في تشييع الجنازة من الكنيسة للمقبرة.
مروحية تابعة للاحتلال حلَّقت فوق البلدة القديمة بالتزامن مع التشييع، الذي أظهرت فيديوهات نشرتها وسائل الإعلام وناشطون على مواقع التواصل، حشوداً فيه لم تشهدها القدس منذ فترة طويلة.
حدث استثنائي آخر شهدته المدينة تزامناً مع تشييع شيرين، وهو دقات أجراس الكنائس المسيحية، التي طُرقت في وقت واحد باختلاف طوائفها لأول مرة، بحسب ما أكد مصدر كنسي لقناة الجزيرة.
جنازة من جنين للقدس
ووصل جثمان الشهيدة "أبو عاقلة" إلى القدس المحتلة بعد انطلاق موكب التشييع الرسمي من مقر الرئاسة في رام الله، حيث أقيم لها هناك موكب تشييع رسمي.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس حمَّل خلال المراسم سلطات الاحتلال الإسرائيلية، المسؤولية الكاملة عن جريمة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة.
وقال عباس في تصريحات: "رفضنا ونرفض التحقيق المشترك مع السلطات الإسرائيلية، لأنها هي التي ارتكبت الجريمة، ولأننا لا نثق بها، وسنذهب فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ لملاحقة المجرمين".
وعلى طول الطريق من مخيم جنين حيث استُشهدت شيرين أبو عاقلة خلال تغطيتها اقتحاماً للقوات الإسرائيلية وحتى القدس، شيَّعها الآلاف على مداخل المدن والقرى والفلسطينية.
و"أبو عاقلة" من مواليد مدينة القدس عام 1971 ومن أوائل المراسلين الميدانيين لقناة "الجزيرة" القطرية التي انضمت إليها عام 1997، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالأردن.