مرشحو الثورة في لبنان.. لاعب سياسي جديد على خط المحاصصة، فكيف سيتعاملون مع القضايا المصيرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/13 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/13 الساعة 13:52 بتوقيت غرينتش
مرشحو الثورة في لبنان

لا شكَّ أن الانتخابات التي ستحصل في لبنان يوم الأحد المقبل بتاريخ 15 مايو/أيار 2022 ستكون مفصلية؛ إذ ستحدّد وجه لبنان السياسي بعدما شهدت البلاد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 والانهيارات الاقتصادية والمالية، وأمام تحميل القوى السياسية مسؤولية الأزمة برز مرشحو الثورة في لبنان كلاعب سياسي جديد.

و القوى الثورية هي سياسية ناشئة وغير تقليدية وُلدت من رحم الحراك الأخير، وهي التي كانت راكمت نشاطها السياسي منذ 2013 عندما  شكَّلت حالة مدنية رافضة للتمديد للبرلمان، بالإضافة لأزمة النفايات عام 2015 بما سُمي حينها انتفاضة "طلعت ريحتكم".

هذا بالإضافة لتجارب خاضتها قوى التغيير في الانتخابات البلدية 2016، والتي استطاعت الدخول لبعض البلديات وانتخابات 2018، حيث كان حضوراً طفيفاً لتلك القوى السياسية الجديدة.

واليوم بعد الثورة والأزمة وانفجار مرفأ بيروت وما تمخض عنها من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية، كان لافتاً الحضور والمشاركة لقوى تغييرية في البلاد في محاولة لطرح مشروع سياسي يواجه سياسات القوى التقليدية والمسماة "الأحزاب الطائفية".

يختلف الاستحقاق الانتخابي هذا العام عمّا كان عليه عام 2018، فتغيّر واقع البلد سياسياً واقتصادياً بشكل ملحوظ. فسجّل للبنان أضخم انهيار اقتصادي بتاريخه؛ إذ انهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي وخسرت أكثر من 80% من قيمتها، وارتفعت نسبة الفقر المدقع إلى أكثر من 50%، بالإضافة إلى أسوأ أزمة معيشية، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت الذي اغتال العاصمة وأهلها في 4 أغسطس/آب 2020.

للمرّة الأولى، توحّدت معظم القوى المعارضة التغييرية التي كرّست عملها بعد الانتفاضة اللبنانية في أغلبية المناطق اللبنانية، حتى أنّ لائحة بيروت مدينتي على سبيل المثال انسحبت لصالح لائحة بيروت التغيير في دائرة بيروت الثانية الانتخابية، منعاً للمنافسة وشرذمة الأصوات.

أمّا التحدّي الأبرز لهذه اللوائح المستقلّة اليوم فيقتضي وضع خطّة اقتصادية شاملة تقنع اللبنانيين لما فيها من عمل للخروج من النفق المظلم، بالإضافة إلى كيفية التعاطي مع ملفات سياسية ساخنة.

مرشحو الثورة في لبنان كيف يعالجون الأزمة الاقتصادية؟

يقول الأستاذ الجامعي والمرشّح عن لائحة "شمالنا" في دائرة الشمال الثالثة ميشال الدويهي لـ"عربي بوست"، إنه ما من عصا سحرية تخرج البلاد من الأزمة، الموضوع يحتاج الى عمل دؤوب ووضع مشروع للمراقبة والمحاسبة. يتابع الدويهي أنّه لا بدَّ من تكليف القضاء لتحديد الجهات المسؤولة ومن ثمّ تفصيل دور الهيئات المالية للرقابة على المصارف.

ميشال الدويهي

وأضاف الدويهي أنّ حجر الأساس يكمن بتحديد الخسائر انطلاقة من محاسبة مصرف لبنان لمعرفة مصير أموال المودعين وكيفية اختلاسها؛ لذا يجب التركيز على إعادة هيكلة النظام المصرفي وفرض ضريبة تصاعدية.

ومن جهته، أكّد المرشّح في دائرة الجنوب الثانية عن لائحة "معاً نحو التغيير" علي مراد أنّ الحل يبدأ بالمواجهة السياسية تليها العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى طرح سلسلة من القوانين تساعد على الخروج رويدا رويداً من الأزمة طويلة الأمد.

فيما يخصّ صندوق النقد الدولي الذي من المتوقّع زيادة الاجتماعات مع الأطراف المعنيّة، وأشار مراد إلى أن موقف الصندوق أفضل من الحكومة اللبنانية التي تضع في سلّم أولوياتها حماية المصارف وإنقاذها. في المقابل، أوضح إبراهيم منيمنة، المرشّح في دائرة بيروت الثانية الانتخابية، لـ"عربي بوست" أن السلطة تماطل في الاتفاق مع صندوق النقد منعاً لإلغاء الزبائنيّة والمحاصصة إلى جانب التريّث لما بعد الانتخابات ومعرفة المسار السياسي الدولي والإقليمي.

الدويهي شدّد على أنّ التواصل مع صندوق النقد والبنك الدولي سيسلّط الضوء على أنّ هذه السلطة التقليدية الحاكمة لا يجب أن تحصل على مكافآت ماديّة أو قرض؛ لأنها غير مؤتمنة عليها، وذلك استناداً للتجارب السّابقة.

رئاسة الجمهورية والحكومة

يلي الاستحقاق الانتخابي النيابي، الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر محطّة انتقالية مهمّة للشعب اللبناني، خصوصاً بعد 6 سنوات اعتبرها معظّم اللبنانيين "جهنّم". تشارك دول عربية وأوروبية في تسمية رئيس للجمهورية بطريقة غير مباشرة عبر إعطاء الضوء الأخضر أو حجبه عن المرشّح. أمّا القاعدة الأساس فتنطلق من المجلس النيابي المكلّف بإيصال رئيس للجمهورية.

فيتّفق كلّ من منيمنة، ومراد، والدويهي على أنّهم لن ينتخبوا رئيساً تابعاً للأحزاب الحاكمة في السلطة منذ أكثر من 30 عاماً، كما أنّهم سيحاولون تسمية رئيس من خارج المنظومة والتصويت له. ولكن، تبقى التفاصيل معلّقة لما بعد الانتخابات النيابية لمعرفة عدد المعارضين الذين سيتمكّنون من تخطّي عتبة المجلس.

وشدّد مراد على أنه لن يكون هناك أي مقاطعة للانتخابات الرئاسية، إنّما سيحجبون صوتهم عن أي مرشّح غير مستقلّ ويفتقد للسيادة الوطنية.

والموقف نفسه يندرج على المشاركة في الحكومة التي ستتشكّل بعد الانتخابات النيابية، إذ يؤكّد الدويهي أنّهم لن يشاركوا في أي حكومة يكون للأحزاب حصّة فيها؛ لأنها ستكون حتماً مبنيّة على المحاصصة. ويشرح الدويهي أنّه في البلاد الديمقراطية، الحزب أو الكتلة التي تحصل على أكبر تمثيل نيابي تشارك في الحكومة، والفئة الثانية تبقى في المعارضة. وعليه، يرى الدويهي أنّه من غير المنطقي أن تشارك المعارضة والموالاة في الحكومة فتغيب المساءلة والمحاسبة.

سلاح حزب الله

يبقى سلاح حزب الله غير الشرعي مثيراً للجدل ومحطّ اهتمام قبل أي استحقاق انتخابي وعمل حكومي. عندما حاولت حكومة فؤاد السنيورة في العام 2008 سحب البساط من تحت الحزب بلجم سلاحه، استخدمه الأخير في بيروت وافتعل ما عرف بـ7 أّيار واجتاح العاصمة بيروت.

بعد انتفاضة 17 تشرين، كرّست المعارضة مبدأ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وولدت رغبة عند اللبنانيين لمعرفة موقف القوى المعارضة من هذا السلاح. وفقاً لمراد، فإنّ وضع الحزب الداخلي المستند على قوّته، حامي النظام الحالي منذ اليوم الأول كما أنّه يتّبع السياسات الإقليمية.

ويستطرد مراد أنّ هذه القوة والسيطرة باتت تؤثّر على المصلحة الوطنية والعالمية؛ إذ أصبح لبنان خارج الخريطة العالمية والاهتمامات الدولية.

لذلك، يرى مراد أن الحل يبدأ بخلق ميزان قوى يسمح ببناء استراتيجية دفاعية تضمن حماية المواجهة مع كلّ المخاطر التي تواجهها لبنان ولا يتعارض مع بناء دولة وتكريس العمل المؤسساتي.

أمّا منيمنة فيعتقد أنّ تشكيل حالة وطنيّة حيادية تمكّن الشعب اللبناني من تشكيل السياسية الدفاعية التي يراها الأصح والأمثل، تساعد في مواجهة سلاح الحزب دون الانزلاق إلى محاربته كفئة أو طائفة تفادياً لتكرار سيناريو 7 أيّار 2008.

كسر التمثيل الأحادي

يعتبر منيمنة أن انكفاء الحريري أعطى فرصة لكثير من القوى التغييرية أن تتقدم. لكن الأساس، وفق منيمنة، إعطاء مؤشر لأهل بيروت أن الزعامة الأحادية تهدد وجودهم، وأن الاتكال على زعيم واحد، للحل والربط في المدينة، خطر كبير عليها، مما أدى بانسحابه لصنع فراغ كبير، بالقيادة وبالثقافة السياسية التي كانت مغيبة نتيجة التعويل على شخصه فقط.

ويقول منيمنة إن الناس بالمناطق ذات الغالبية السنية لمست تداعيات هذا الفراغ، بينما "نحن نقدم خطاباً سياسياً تغييراً ونموذجاً مختلفاً بالعمل، يتماهى مع الناس، بإطار ديمقراطي".

ويشير منيمنة إلى أن عنوان مشروعهم "مواجهة المنظومة بخطاب مبني على فكرة الدولة المدنية والحقوق والمواطنة، ومواجهة السلاح غير الشرعي، وتوزيع خسائر عادلة بالجهاز المصرفي، وإعادة هيكلة الاقتصاد كي يصبح منتجاً، ومعظمها تحتاج لدور فاعل للدولة بالشأن العام، يختلف عن الممارسات السابقة، التي تعتمد على المحاصصة الطائفية والزبائنية السياسية".

أما العلاقات الإقليمية من وجهة نظر قوى التغيير، فلا بد أن تكون مبنية على المصلحة الوطنية، والتي يقرر شكلها الشعب اللبناني، في حين أنها اليوم تفرض السياسة الخارجية من جهة أركان المنظومة.

ويعتقد منيمنة أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات سقطت نسبياً بغياب الحريري، "إذ نلحظ زخماً بالتصويت تجلى بانتخابات المغتربين، ويشير إلى أن قوى التغيير نجحت لحد كبير في لبنان، و"أثبتت أن التجارب المناطقية التغييرية هي الأنجح، قابله تشبيكٌ بين المجموعات ميدانياً ولوجيستياً وإعلامياً؛ لأن الهدف مواجهة المنظومة".

تحميل المزيد