يتحضر لبنان لمرحلة مصيرية بتاريخه بعد الانتخابات البرلمانية والمقرر آخر فصولها يوم الأحد القادم 15 مايو/أيار كآخر فصول الاستحقاق الذي ينتظر نتائجه المجتمع الدولي والداخل اللبناني لتحديد التواجد السياسي للأحزاب والقوى المتنافسة على 128 مقعداً.
تتعلق الأنظار على مرحلة ما بعد الاستحقاق الانتخابي في لبنان، خاصة الانتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة خلفاً للحكومة الحالية والتحديات المرتبطة بالدخول ببرنامج صندوق النقد الدولي والتحولات السياسية الجارية على صعيد الصراع المستمر حول سلاح حزب الله ومدى إمكانية الدخول بمفاوضات داخلية وخارجية حوله بالإضافة لملف رئيسي وهو ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل للدخول بمرحلة التنقيب عن الغاز والنفط في المساحة التي سيحصل لبنان عليها.
الظروف المحيطة بما بعد الانتخابات اللبنانية
يرى المحلل السياسي اللبناني جوني منير أن تحضير الظروف لنقل لبنان من مرحلة فوضى الانهيارات الى مرحلة استعادة الاستقرار قد بدأت، وهذا يعني أنّه دخل في المرحلة الانتقالية.
وهنالك عدد من الشواهد التي تؤشر إلى ظهور مفاجآت خطيرة في المراحل المماثلة. ذلك أنّ القوى السياسية الأساسية والمتكئة على قوى إقليمية، تعمل على تعزيز حضورها ونفوذها.
ومن المفترض وفقاً لمنير أن تشكّل الانتخابات النيابية لحظة الدخول في صلب هذه المرحلة الانتقالية والتي ستكون الانتخابات الرئاسية نهايتها، لتبدأ بعدها مرحلة إعادة بناء الصرح اللبناني؛ لذا فإن لبنان دخل المرحلة التي قد تختزن مفاجآت غير متوقعة.
ويرى منير أن القوى الإقليمية والدولية ستعمد الى تفنيد النفوذ الإقليمي لتوازنات البرلمان الجديد ما بين إيران وسوريا والسعودية والقوى الغربية. فلكل مجموعة لونها وحجمها حتى ولو تداخلت في ما بينها في بعض المراحل.
بالمقابل يرى منير أنه وقبل أن يتشكل المجلس النيابي الحالي ومعه الحكومة الحالية، سيجري تمرير قرار رفع سعر الدولار الجمركي للاستيراد من الخارج من 1500 ليرة مقابل الدولار الى 10 آلاف ليرة وهو ما يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار في المرحلة المقبلة، إضافة إلى زيادات أخرى ستأتي لاحقاً لتطال أسعار الإنترنت والكهرباء، وهو ما سيرفع من مخاطر احتجاجات الناس في مرحلة ستشهد تقلّبات سياسية حادة.
ابتزاز بري وميقاتي.. باسيل يريد ضمانات الحكومة
في إطار آخر، يرى مصدر حكومي رفيع أنه وبعد الانتخابات النيابية سيكون أبرز استحقاق سياسي هو انتخاب رئيس جديد للمجلس، خاصة أن المرشح الحصري للثنائي الشيعي سيكون كالعادة الرئيس نبيه بري لما يمثله في الحالة الشيعية واللبنانية، بالمقابل يؤكد المصدر أن كباشاً سياسياً قادماً سيكون ما بين الرئيس نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، خاصة أن حزب القوات اللبنانية حسم قراره بعدم انتخاب بري بالإضافة إلى حزب الكتائب ومعه الكتلة المسيحية المعارضة والمحسوبة على الثورة أعلنت نفس الخيار السياسي.
ما يعني أن الميثاقية المسيحية لرئاسة المجلس ستكون مفقودة، وبري لن يقبل إعادة انتخابه من دون تأمين الشرعية المسيحية، وهو ما سيدفع باسيل إلى فتح أبواب الابتزاز السياسي معه في ظل الصراع المحموم بين الطرفين منذ انتخاب الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية وما شهدته العلاقة بين الطرفين من نزاع وصراع. ووفقاً للمصدر فإن هذا التفاوض يندرج في إطار محاولات باسيل الى إعادة فرض نفسه في السباق لرئاسة الجمهورية.
بالمقابل، يرى منير أن الاتجاه الغالب بأن بري لن يدخل في بازار سياسي كهذا، وهذا ما سيفتح احتمال ترؤس مجلس النواب على أساس أنّه النائب الأكبر سناً، وهي ورقة الاحتياط التي يحتفظ بها في جيبه.
وقد لا يقتصر فشل حزب الله في إيجاد توافق حول هذا الملف فقط، فهنالك معضلة تكليف من سيتولّى تشكيل حكومة جديدة.
بالمقابل، فإن المصدر الحكومي اللبناني يرى أن باسيل والذي يوجه منذ فترة رسائل سلبية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يود التفاوض مع حزب الله وبري وباقي الأطراف على اختيار رئيس للحكومة فهو يرغب بحكومة سياسية يكون هو أحد أعضائها وبرئاسة شخصية سنية مقربة منه كجواد عدرة أو فيصل كرامي، لكن "حزب الله" الذي يتواصل بشكل يومي مع الفرنسيين للتنسيق حول شكل المرحلة القادمة وفصولها حريص على الإبقاء على الرئيس نجيب ميقاتي في سدة الرئاسة لمجموعة من العوامل أبلغها للفرنسيين وهي عدم استفزاز الشارع السني باستجلاب شخصية من خارج نادي رؤساء الحكومات السابقين بالإضافة لدعم فرنسي ورضا أمريكي لميقاتي في هذا المنصب.
وهذا ما سيؤدي، وفقاً للمصدر، لفتح مفاوضات بين باسيل وميقاتي حول رئاسة الحكومة وترجمة ميقاتي منذ أيام بالقول إنه في حال عاد لرئاسة الحكومة سيعيد تسمية نفس الوزراء ما يعني إرضاء عون وباسيل، بالمقابل فإن لباسيل مجموعة من المطالب تتمحور حول تعيين موظفين كحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى وغيرها من المناصب المسيحية التي يحرص على تسميتها.
حزب الله والخيارات الاستراتيجية
بالمقابل، حسم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كل النقاشات الدائرة عن مستقبل سلاح الحزب في المعادلة اللبنانية الجديدة، فاختصر الموضوع بعبارة: "فَشروا أن ينزعوا سلاح المقاومة"، والتي لها رمزية لدى جمهوره ودلالات لدى من يُطالبون بنزع هذا السلاح. كذلك أوجَد نصرا لله دوراً جديداً لهذا السلاح وسبباً للاحتفاظ به والحفاظ عليه؛ حيث شدد أنها "لحماية الثروة البحرية النفطية" أي إيجاد سبب جديد لوجود السلاح في ظل المفاوضات الجارية.
لكن في الواقع لا يمكن فصل المسارين اللذين يعمل نصر الله على تكريسهما. ذلك أن توفير مقومات استمرار حماية الثروات النفطية في البحر، وفرض تحصيل حقوق لبنان كاملة منها في عملية الترسيم، ومنع إسرائيل من الحفر والتنقيب في مساحات متنازع عليها مستقبلاً، مقابل منع إسرائيل للبنان من الحفر والتنقيب في منطقته الاقتصادية الخالصة، من شأنه أن يطيل أمد الصراع، وعليه وكما كان تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا مسألة أساسية لتجاوز البحث في مسألة سلاح حزب الله، سيكون ملف ترسيم الحدود والتنقيب عن النفط والغاز مسألة جديدة لتجاوز البحث في السلاح، مقابل استعداد الحزب للبحث في ما عداها من مسائل وملفات داخلية بناءً على تقدم المفاوضات في فيينا وما سينتجه الحوار الإيراني-السعودي.
بالتوازي، يشير المحلل السياسي منير الربيع إلى أن نصر الله يقدم رؤية سياسية جديدة لحزبه تقوم على تجاوز من يفوز أو يخسر في الانتخابات. وفي هذا التجاوز يسعى إلى فتح البحث في مرحلة ما بعد الاستحقاق الانتخابي. وهو أراد أن يكون على تقاطع مع الجهد الفرنسي المبذول في لبنان، وقد أبدى استعداده المسبق للجلوس إلى طاولة الحوار التي يسعى الفرنسيون إلى عقدها.
ويعتقد الربيع أن نصر الله يقدم حزب الله طرفاً سياسياً، وليس عسكرياً فقط، وجاهزاً للبحث في الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي، وللانخراط أكثر في الدولة اللبنانية، من دون التخلي عن سلاحه برمزيته وأهميته كحاجة وضرورة له وللبنان وأمنه المائي والنفطي.