لا شك أن التقارب المصري المغربي المفاجئ لا يصب في مصلحة الجزائر، رغم أن العلاقات التاريخية بين القاهرة والجزائر كانت دائماً ما توصف بالمتميزة، باعتبار أن مؤسسَيْها هما الزعيمان الراحلان جمال عبد الناصر وأحمد بن بلة.
التقارب المفاجئ بين القاهرة والرباط لعب هذه المرة على وترٍ بات حساساً للجزائر خلال السنتين الماضيتين، وهو ملف الصحراء، التي يتنازع عليها المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية التي تدعمها الجزائر.
فاللمرة الثانية خلال أشهر قليلة تؤكد مصر على وجوب احترام الوحدة الترابية (تصريح سامح شكري) للمغرب، إضافة إلى تشديدها على عدم اعترافها بجبهة البوليساريو (تصريح لسفير القاهرة في الرباط).
لكن القاهرة مازالت متحفظة بخصوص فتح قنصلية بالعيون أو الداخلة، على غرار دول عربية أخرى كالإمارات والبحرين والأردن، وكأنها تريد إيصال رسالة معينة دون أن تُحدث شرخاً كبيراً في العلاقات الثنائية بينها وبين الجزائر.
ورغم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زار القاهرة، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الخلافات بين البلدين تفاقمت بسبب فشل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا، إذ تعتقد الجزائر أن مصر لعبت دوراً مهماً في ذلك.
وكانت مصادر إعلامية عربية كشفت أن الجزائر هدّدت مؤخراً بدعم حكومة الوحدة الوطنية عسكرياً، في حال لعبت القاهرة دوراً في دخول باشاغا إلى العاصمة طرابلس بالقوة للإطاحة بالدبيبة.
واستقبلت الجزائر مؤخراً الدبيبة وقيادات أمنية وعسكرية ليبية كبيرة، وأكدت خلال اللقاء دعمها الكامل له، ورفض الاعتراف بحكومة باشاغا المدعومة مصرياً.
القمة العربية
تعرف الجزائر جيداً وزن مصر عربياً، ولا تريد التصعيد كثيراً معها، لضمان مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية، المزمع عقدها في فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وتولي الجزائر أهمية كبيرة لعقد القمة العربية على أرضها، خاصة أنها أُجلت أكثر من مرة بسبب الخلافات حول جدول أعمالها، كما أنها تخشى فشل القمة في حال تخفيض دول ما تسمى بالاعتدال العربي -على غرار مصر والإمارات والسعودية والأردن- تمثيلها.
ويرى الرئيس الجزائري عقد قمة عربية جامعة تحدياً له شخصياً، لا سيما أن محيطه بدأ يعمل على تحضير ترشحه إلى ولاية رئاسية ثانية، لذلك فهو بحاجة إلى هذا النوع من الانتصارات الدبلوماسية، لإقناع الجزائريين بأن بلادهم تغيرت وأصبحت قوة إقليمية وعربية.
القاهرة والرباط.. أسباب التقارب
من الواضح أن التحرك المصري المفاجئ تجاه المغرب لم يكن هدفه تطوير العلاقات مع الرباط بقدر ما هو رسالة إلى الجزائر.
ووفق ما كشفه "عربي بوست" في تقرير سابق، فإن تحرك الجزائر للمّ شمل الفصائل الفلسطينية على أرضها أزعج القاهرة، التي تعتبر الملف أحد أهم أوراقها الاستراتيجية في المنطقة.
وحسب مصادر "عربي بوست"، فإنه من المقرر عقد لقاء قريب بين بعض الفصائل الفلسطينية في الجزائر، وفي حال تأجيله فإن الضغط المصري سيكون قد آتى أكله ولو مرحلياً.
ومن بين أحد أهم أسباب تقارب المغرب ومصر إعلان تشكيل تحالف رباعي إفريقي، سمي مجموعة الأربع (G4)، وضم الجزائر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا.
وترى القاهرة أن وجود إثيوبيا في التحالف يقوّي موقفها في ملف سد النهضة، ويهدد أمنها المائي، فيما تنظر الرباط إلى التحالف بريبة، لا سيما أن بعض الدول الأربع تعترف بجبهة البوليساريو وتدعمها سياسياً.
ليبيا كلمة السر
لا يختلف اثنان على أن أصل الخلاف الجزائري المصري هو جارتهما ليبيا، فقبل سنوات كانت مصر تسيطر طولاً وعرضاً على ليبيا، وتدعم أمير الحرب خليفة حفتر لسحق الإسلاميين وتولي السلطة بالقوة، في الوقت الذي كانت الجزائر غائبة عن الملف تماماً لسنوات طويلة، بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وانكفاء البلاد على نفسها طيلة 5 سنوات كاملة.
ومع اندلاع الحراك الشعبي وتغير النظام ووصول الرئيس تبون لسدة الحكم نهاية 2019، أولت الجزائر أهمية كبيرة للملف الليبي، وكان أول نشاط للرئيس الجزائري بعد تنصيبه هو استقبال رئيس الحكومة المعترف بها دولياً وقتها، فايز السراج، وأطلق تصريحاً نارياً حذر فيه من دخول قوات حفتر طرابلس، واصفاً إياها بالمرتزقة، مؤكداً أن العاصمة بالنسبة للجزائر خط أحمر لا ينبغي تجاوزه.
وصرّح الرئيس الجزائري، السنة الماضية، في حوار تلفزيوني مع قناة الجزيرة أن بلاده كانت على وشك التدخل عسكرياً لمنع سقوط طرابلس في يد المرتزقة، لولا التدخل التركي الذي فكّ الحصار عنها، ومهّد لإطلاق عملية سياسية في البلاد، دعمتها فيما بعد مصر والجزائر.
وزادت حدة الخلافات بين البلدين بعد إفشال مصر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي كانت مقررة نهاية السنة الماضية، وعملها على خلق شرخ داخل قوى غرب ليبيا، باستغلال البرلمان لحجب الثقة عن حكومة الدبيبة، المعترف بها دولياً، ودعم حكومة جديدة برئاسة باشاغا.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر لحشد تأييد دولي لمساعي عبد الحميد الدبيبة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية السنة، تستضيف مصر على الجانب الآخر قِوى ليبية، من أجل وضع قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات وفقها.
ويبدو أن رؤيتي الجزائر ومصر للحل في ليبيا تشبهان خطين متوازيين، لا يُمكنهما أن يلتقيا، على الأقل على المدى المتوسط.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”