توقع خبراء الاقتصاد في مصر أن يمثل رفع "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي أسعار الفائدة مرةً أخرى ضغطاً إضافياً على الجنيه المصري.
إذ قالوا إنّ رفع أسعار الفائدة سيجبر البنك المركزي المصري على خفض قيمة الجنيه أكثر لدعم العملة الوطنية، والحفاظ على سيولة العملات الأجنبية، ومنع العامة من تكديس الدولارات الأمريكية، في ظاهرةٍ تُعرف باسم "الدولرة".
تحذير من آثار رفع الفائدة الأمريكية على مصر
حيث صرح ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي المستقل، لموقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 6 مايو/أيار 2022 بالقول: "سيخفض البنك المركزي قيمة الجنيه تدريجياً، على الأرجح، خلال الفترة المقبلة. ويتجلى ذلك بوضوح في ظل قناعة بعض المؤسسات المالية الدولية بأن الخفض الأخير لقيمة العملة الوطنية لم يهبط بها إلى قيمتها السوقية الحقيقية".
كذلك فسوف يؤدي الخفض المتوقع لقيمة العملة الوطنية أيضاً إلى رفع تكلفة الاقتراض.
يُذكر أن ديون مصر الخارجية ارتفعت إلى 145.5 مليار دولار أواخر العام الماضي، بزيادةٍ قدرها 8.1 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام فقط.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ترتفع هذه الديون الخارجية أكثر خلال الأشهر المقبلة، بالتزامن مع محاولة مصر توفير الاحتياجات الأساسية لأعداد السكان المتزايدة، والمضي قدماً في خطط التنمية، والوفاء بالالتزامات المالية للدول والمؤسسات المالية الدولية الأخرى.
رفع أسعار الفائدة في مصر
في سياق ذي صلة، فقد سبق أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بـ100 نقطة أساس في مارس/آذار 2022؛ لتخفيف التضخم، وزيادة الطلب على العملة الوطنية، وأصدر حينها مصرفان حكوميان شهادات ادخار بنسبة فائدة تبلغ 18%، مما دفع المصريين ميسوري الحال إلى التدافع على المصارف لشراء الشهادات.
في حين أنفق المصريون مئات المليارات من الجنيهات لشراء الشهادات خلال شهرٍ ونصف الشهر من إصدارها، مما قلل السيولة داخل السوق، ولكن قتل الاستثمارات في الوقت ذاته وفتح الباب أمام موجة ركودٍ غير مسبوقة.
لا شك في أنّ تفاقم معدل التضخم -المرتفع حالياً- أكثر قد يُحول حالة الركود العادية إلى ركودٍ تضخمي في الفترة المقبلة، وقد سبق أن ارتفع معدل التضخم الرئيسي سريعاً لأعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات، ليصل إلى 8.8% في فبراير/شباط 2022، ويلامس بذلك الحدَ الأقصى للنطاق المستهدف من البنك المركزي بين 5% و9%.
مساعٍ للتحكم في معدل التضخم
مع ذلك لن يكون هناك مفرٌّ على الأرجح من رفع أسعار الفائدة في حال أراد البنك المركزي مواصلة التحكم في معدل التضخم وتقليل السيولة داخل السوق المحلية، من أجل توجيه تلك السيولة إلى الإنتاج، بحسب خبراء الاقتصاد.
حيث قال كريم العمدة، الخبير الاقتصادي المستقل، للموقع البريطاني: "سيراقب البنك المركزي أوضاع السوق عن قرب؛ لمعرفة ما يجب فعله خلال الأيام المقبلة".
كذلك من المرجح أن يؤدي رفع "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة مؤخراً إلى إضعاف شهية المستثمرين الأجانب لأدوات الدين المصرية بحسب الخبراء، كما أن الخطوة نفسها ستؤدي على الأرجح إلى هروبٍ إضافي لرؤوس الأموال الأجنبية.
حيث قالت يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، للموقع البريطاني: "هناك حاجةٌ مُلحة لتدابير سريعة من أجل تشجيع الاستثمارات والصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن سيتعين على الحكومة حينها تقديم حوافز إضافية للمستثمرين".
في حين سوف يؤدي الهروب المحتمل لرؤوس الأموال الأجنبية إلى تفاقم التأثيرات الواقعة على الاقتصاد المصري بعد سلسلةٍ من الأزمات الدولية، بدايةً بجائحة كوفيد-19 ووصولاً إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا.
تدمير مصادر العملات الأجنبية لمصر
إذ أدت الحرب إلى تدمير مصادر العملات الأجنبية لمصر، ورفعت تكلفة فاتورة الاستيراد، ودفعت بالقاهرة إلى طلب الدعم المالي عربياً ودولياً، ويُذكر أن المستثمرين الأجانب الفارين من الأسواق الناشئة باعوا سندات خزانة مصرية بقيمة 1.19 مليار دولار، خلال الأيام التي أعقبت الهجوم الروسي على أوكرانيا.
أما في فبراير/شباط 2022، فانخفض صافي الأصول الأجنبية في مصر بمقدار 3.29 مليار دولار، ويُعتبر هذا الانخفاض هو الأخير في سلسلةٍ طويلة، كما كان أكبر انخفاضٍ مسجل منذ سبعة أشهر. حيث هبط بصافي الأصول الأجنبية في مصر إلى -2.9 مليار دولار، وفقاً للبنك المركزي المصري.
وهو ما أثار المخاوف حيال قدرة البلاد على سداد ديونها الأجنبية، خاصةً في ظل معاناة قطاعات مهمة من الاقتصاد -مثل قطاع السياحة- بسبب الحرب واستمرار ترنحها نتيجة تأثيرات كوفيد-19.
كما يعتمد الاقتصاد المصري على الواردات بشكلٍ كبير، ولهذا فإنّ خفض قيمة الجنيه سيجبر البلاد على دفع مبالغ أكبر مقابل السلع المستوردة.
يُذكر أن الحرب في أوكرانيا قد رفعت تكلفة فاتورة الواردات المصرية بالفعل لتزيد تفاقم الوضع الصعب، خاصةً في ما يتعلق بسلعٍ أساسية مثل القمح.
من جانبها تُخطط مصر من ناحيتها لإدراج بعض الشركات المملوكة للجيش في البورصة، بموجب إملاءٍ من صندوق النقد الدولي على الأرجح، فضلاً عن تشجيع القطاع الخاص على المشاركة بصورةٍ أكبر في الأنشطة الاقتصادية.
يأتي ذلك في خضم تقارير عن تقدم مصر بطلبٍ للحصول على قرضٍ جديد من صندوق النقد الدولي لتخفيف الآثار الاقتصادية للحرب الأوكرانية، وكوفيد-19، واستمرار "الاحتياطي الفيدرالي" في رفع أسعار الفائدة.