تحدّث المعارض السياسي التاريخي في تونس نجيب الشابي، في حوار خاصّ مع "عربي بوست"، عن تفاصيل الجبهة السياسية التي انطلق في بنائها لمعارضة الرئيس قيس سعيد والتي أسماها بجبهة الخلاص الوطني.
ووفق الشابي، لم يكن تقييم المرحلة الماضية نقطة التقائه مع حركة النهضة في إطار جبهة الخلاص والتي رأى فيها طرفاً رئيسياً في الأزمة؛ مما يجعل الحلّ مرتبطاً بها في جزء من حلّها، شأنها شأن الرئيس سعيد الذي أكد الشابي أنه معنيٌّ بالحوار الوطني التي ستعمل جبهته السياسية على عقده.
ولكن في حال رفض المشاركة فلن يكون ذلك عائقاً أمام الذهاب في الحوار الذي تطرحه الجبهة السياسية التي سيُعلن عن تركيبتها النهائية والرسمية في نهاية مايو/أيار الجاري، وفق ما أفاد به صاحب المبادرة بتشكيل جبهة الخلاص نجيب الشابي في الحوار الذي أدلى به لـ"عربي بوست".
لو توضح لنا طبيعة جبهة الخلاص الوطني وطرحها للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد؟
تونس تعيش أزمة حادة على العديد الأصعدة وهي في أشد الحاجة إلى الإنقاذ، وأعتقد أن الحل بيد أبنائها باعتماد التشاركية بين كل الأطراف؛ نظراً لأن لا أحد يمتلك الحل بمفرده أو قادر على فرضه بمفرده.
وإيجاد حل مسنود من كل الأطراف أو أغلبها على الأقل يستوجب حواراً وطنياً، وهو هدف جبهة الخلاص الوطني، أو دعنا نقل جبهة الخلاص تطرح إنقاذ تونس من خلال حوار وطني يقترح مخرجاً من الأزمة الاقتصادية عبر طرح حلول عملية يمكن تنفيذها في إطار برنامج يحظى بدعم سياسي واسع لضمان تنزيله في الواقع.
كما هدفنا من عقد الحوار الوطني الخروج بإصلاحات سياسية، عبر إقرار تعديلات وإصلاحات دستورية وكذلك القانون الانتخابي، كما نقترح أن يُفرز الحوار الوطني حكومة إنقاذ شرعية من خلال عرضها على تزكية البرلمان ومصادقته على مخرجات الحوار الوطني، والأمر المتعلق بالدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وأريد أن أشير في هذا السياق إلى أن قرار حل البرلمان لا معنى له.
ولكن لا أقصد هنا أن يعود البرلمان كما لو أن شيئاً لم يكن، بل ينعقد للقيام بالمهام التي ذكرتها والتي تنتهي بالدعوة لانتخابات مبكرة، بالتالي جبهة الخلاص ليست في وضع المدافع عما مضى، بل هي تطرح رؤية للمستقبل والخروج من أزمة موجودة.
حالياً أعلنت 5 أحزاب سياسية وازنة و5 جمعيات وحركات شعبية عن مساندتها وانضمامها لجبهة الخلاص وطرحها، هل هناك نقاشات مع أطراف أخرى للانضمام للجبهة المعارضة لتمشي الرئيس سعيد؟
فعلاً، الجبهة لم يقع الإعلان عن تأسيسها الأسبوع الماضي بل فقط الإعلان عن الشروع في تأسيسها؛ حيث لاتزال النقاشات متواصلة مع عديد الأطراف وعلى رأسها الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الثلاثة (الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات)، كما أن الجبهة منفتحة على الشخصيات الوطنية الاعتبارية، وبالتالي الجبهة لا تزال في طريق البناء.
أما مكوناتها إلى حد الساعة، فهي أحزاب حركة النهضة وحليفاها قلب تونس وائتلاف الكرامة، وحزب الأمل، وحركة تونس الإرادة الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، بالإضافة إلى مجموعات سياسية كـ"مواطنون ضد الانقلاب" و"توانسة من أجل الديمقراطية" التي تضم كلاً من سمير ديلو وعبد اللطيف المكي، و"اللقاء من أجل تونس" وكذلك "اللقاء الوطني للإنقاذ" الذي يضم عدداً من النواب في البرلمان كعياض اللومي ونائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي.
كما تضم جبهة الخلاص إلى الساعة مكوناً هاماً وهو تنسيقية النواب التي شاركت في الجلسة العامة الأخيرة وهي تضم 6 كتل نيابية، وقد التقيتهم وعبروا عن رغبتهم في الانخراط في المبادرة وحضروا الندوة الصحفية التي عقدتها للإعلان عن الشروع في تأسيس جبهة الخلاص الوطني.
تلك هي المكونات الأولى لجبهة الخلاص، وقد حددنا شهر مايو/أيار للقيام بجولة في كل ربوع البلاد للتعريف بالمبادرة وهدفها لكسب المزيد من التأييد الشعبي، وبعد ذلك سنجتمع للإعلان عن تأسيس الجبهة رسمياً.
كما أسسنا منتدى للحوار الاقتصادي سيعمل على مناقشة وتوحيد المقترحات للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد لطرحها في الحوار الوطني.
ما هي قاعدة الالتقاء مع حركة النهضة؟
حركة النهضة تعتبر أهم الأطراف المكونة لجبهة الخلاص، وهي أحد الطرفين الرئيسيين في الأزمة التي تعيشها البلاد، ولكن اليوم أصبحت تطالب بالعودة إلى الديمقراطية وتتحرك على قاعدة المطالبة بالعودة إلى الشرعية وحماية الحقوق والحريات، وهذه هي قاعدة الالتقاء مع حركة النهضة وليس على قاعدة تقييم المرحلة الماضية أو رؤية مستقبلية لما بعد الخروج من الأزمة الراهنة.
حركة النهضة إذن طرف رئيسي في الأزمة مما يجعلها طرفاً رئيسياً في الحل، خاصة مع ثقلها الاجتماعي، فأغلب من حضروا اجتماعاتنا في المحافظات خلال الفترة الماضية هم من جمهور حركة النهضة ولكن ليس لأجل أجندة حزبية بل في سبيل أجندة وطنية للمطالبة بالعودة إلى الديمقراطية.
وأنا أعتقد أن المحنة التي تعيشها تونس ستكون كفيلة بغرس الديمقراطية في المجتمع خاصة أن النخب ليست متشبعة بها للأسف؛ إذ نراهم يساندون احتكار السلطات وهدم المؤسسات الديمقراطية بعلة ردة الفعل على الحقبة الماضية.
هل تعتقد في نجاعة العمل الجبهوي، خاصة بعد تجربة جبهة الإنقاذ التي عارضت حكم النهضة واستفاد منها في النهاية حزب نداء تونس ورئيسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي؟
جبهة الإنقاذ التي كانت تضم المرحوم الباجي قائد السبسي والحزب الجمهوري حقّقت هدفها من خلال اعتصام الرحيل، وانعقاد الحوار الوطني وإفرازه لتسويات سياسية ودستورية وانتخابية، وبعد إنهاء الهدف من تشكيل جبهة الإنقاذ وتحقيقه ذهب كل طرف في طريق انتخابات تنافسية وتنافس خلالها قائد السبسي وحزبه نداء تونس مع كل حلفائه السابقين وكانت له الغلبة.
وبالتالي أنا أطرح نفس الأمر والتمشي عبر تشكيل جبهة سياسية تعمل على الذهاب إلى حوار وطني ينتهي باتفاقات ومخارج من الأزمة التي تعيشها البلاد وتشكيل حكومة إنقاذ، ومن بعد ذلك لكل حادث حديث سواء تعلّق الأمر بالانتخابات أو غيرها.
هل طرحتم مبادرتكم على المنظمات الوطنية، كاتحاد الشغل ومنظمة الأعراف؟
المنظمات الوطنية الكبرى معنية بالحوار الوطني الذي تهدف له جبهة الخلاص، لكن دون الانضمام إليها باعتبارها جبهة سياسية، وأنا شخصياً اتصلت بها منذ عامين، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة مع إطلاق مبادرته للحوار الوطني، ولكنه للأسف وضعها بين أيدي قيس سعيد الذي لا يؤمن بالحوار وبقيت مبادرته معلقة.
وفي اعتقادي أنه لو تعلقت همة الاتحاد العام التونسي للشغل بعقد حوار وطني ودعا للمشاركة فيه للبّت كل الأطراف دعوته نظراً لوزنه الاجتماعي والمعنوي ورصيده النضالي والتاريخي، ولكن يبدو أن للمنظمة وغيرها ظروفها الخاصة التي نتفهمها وسنعمل على الدخول معها في نقاشات للعب دورها في جمع الحوار الوطني.
بالنسبة للحوار الوطني الذي تهدف له جبهة الخلاص، هل هو بديل عن حوار الرئيس قيس سعيد؟
نحن لسنا في مناكفات مع أي كان بمن فيهم قيس سعيد، فأنا شخصياً دعيت له منذ أكثر من سنتين، فأنا أؤمن أنه الإطار الأسلم والوحيد الممثل للنخب السياسية والاجتماعية لنقاش ببُعدين من الأزمة، الأول يتمثل في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وينتهي ببرنامج إنقاذ اقتصادي وحكومة إنقاذ تنفذه بعد التوافق على تركيبتها.
فيما يتمثل البُعد الثاني في الجانب السياسي والإصلاحات القانونية والدستورية، خاصة أن الأزمة الحالية لم تندلع من العدم بل سببها النظام السياسي القائم الذي أظهر بعد اعتماده لعديد السلبيات من انقسام السلطة التنفيذية والصراع بين مؤسسات الدولة وعدم الاستقرار الحكومي، بالإضافة إلى طرح تعديل القانون الانتخابي على النقاش.
كل ذلك سيقع مناقشته في إطار الحوار الوطني بالإضافة إلى نقطة ثالثة ومهمة وهي سبل العودة إلى الشرعية.
لو توضح لنا أكثر خارطة الطريق التي تطرحونها للعودة إلى الشرعية، فمثلاً من هي الجهة التي ستعين الحكومة؟
بالنسبة للإطار فكما ذكرت لا بديل عن الحوار الوطني، وبالنسبة للمضمون فمن الممكن أن يقترح الحوار الوطني شخصية لتشكيل حكومة، ولكن الأهم هي الجهة التي ستُزكي الحكومة والتي حددها الدستور بالبرلمان وأوكل له تلك المهمة كتكليف، كما أن البرلمان أكد في آخر اجتماع له في نهاية مارس/آذار الماضي أنه يضع نفسه على ذمة الحوار الوطني ومن أجل العودة إلى الشرعية الدستورية عن طريق انتخابات.
وبالتالي هذه هي خارطة طريقنا، ففي حال تمكن البرلمان من الانعقاد للمصادقة على مخرجات الحوار الوطني والحكومة كان ذلك، وفي حال خلص الحوار الوطني إلى مسار آخر وسبل غير تلك للعودة إلى الشرعية فسيكون ذلك ونحن منفتحون على كل الصيغ الكفيلة بإغلاق القوس والعودة إلى الشرعية الدستورية وممارسة الشعب لسيادته، فالمهم هو النتيجة وإصلاح الدستور والقانون الانتخابي والذهاب إلى انتخابات حرة تحت إشراف هيئة مستقلة لممارسة الشعب سيادته.
إذن ما رأيكم بخارطة طريق الرئيس قيس سعيد؟
قيس سعيد انفرد بالحكم، واستأثر لنفسه بكل السلطات بما فيها السلطتان القضائية والتشريعية، وأصبح يدير الدولة بمفرده وباعتماد المراسيم التي لا تقبل الطعن وهو ما يعتبر تسلطاً وانفراداً بالقرار، كما أن خارطة طريقة تلغي كل الوسائط وكل الأطراف ولا يشرك أي طرف، ناهيك أنه نظم استشارة إلكترونية دون تشريك أي كان في وضع وتصور الاستشارة التي لم تلق تجاوباً شعبياً كبيراً حتى في حال صح عدد المشاركين المعلن رغم تسخير كل أجهزة الدولة.
وبالتالي قيس سعيد لا يعترف الوسائط، يعني بالمنظمات والأحزاب، كما أنه سيعلن عن لجنة لا نعرف شيئاً عن تركيبتها لتأليف وصياغة الخيارات الدستورية والقانونية التي ستطرح على الاستفتاء كإصلاحات مفروضة من طرف واحد دون منح الأحزاب والأطراف السياسية حقها القانوني والدستوري في التحضير والمشاركة فيها عبر القيام بحملات كما هو معمول به في الديمقراطيات.
وكذلك قام سعيد بتغيير تركيبة الهيئة المفترض أن تشرف على الاستفتاء والانتخابات، مما يجعل حيادها مشكوكاً فيه ولم تعد تحظى بثقة الأطراف المختلفة، ناهيك أن وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي أكدا بكل وضوح أنه لا مجال لانتخابات حرة بمثل تلك الإجراءات.
وبالتالي المسار الذي يتخذه سعيد فاقد للشرعية والمشروعية، ومقترحاتنا متباينة مع خارطة طريق ومسار قيس سعيد، فنحن نريد فتح مسار مبني على التشاركية والتشاور والاحتكام للشعب والناخب الذي يمارس سيادته عبر صندوق الاقتراع، وفي إطار دستور يضمن الفصل بين السلطات وحقوق الأفراد والأقليات، ولا يمنح الفائز في الانتخابات المجال للاستبداد بل فقط الحكم وإدارة الدولة لفترة معينة في إطار العقد الاجتماعي الذي يضع معالمه الدستور.
بحديثكم عن موقف القوى الخارجية، هل تحظى مبادرتكم بدعم الدول الكبرى خاصة أنك أعلنت منذ أيام عن لقاء مع السفير الفرنسي؟
أولاً أريد أن أؤكد أنني لم أعقد أي لقاءات مع البعثات أو ممثلي الدول الأجنبية، وأول لقاء بادر به السفير الفرنسي وزارني في هذا المكان الذي نجري فيه الحوار، وتناولنا العلاقات الثنائية بين البلدين والعقبات أمام تطويرها وسبل عودتها إلى ما كانت عليه، ولم نتطرق إلى موضوع الجبهة أو ما سنقوم به داخلياً.
وأريد أن أشير إلى كل البيانات الصادرة عن الدول الكبرى بخصوص الوضع في تونس ومواقفها لم تتضمن أي تدخل في الشأن الداخلي، حيث تضمنت مطلباً وحيداً، وهو حث كل القوى للاتفاق فيما بينهم ودعم خيار الحوار للعودة إلى الديمقراطية خاصة أنهم لا يساندون اغتصاب السلطة من طرف رئيس الجمهورية، وبالتالي لا أعتقد بصحة الحديث عن تدخل كبير في الشأن الداخلي من طرف القوى الخارجية.
الإصلاحات التي تحدثت عنها، تتحدث عنها كل الأطراف بمن فيها الرئيس قيس سعيد لكن يبدو الاختلاف في طرق تنزيلها؟
نحن لا نستبق ونعلن عن نتائج لنقاشات في أطر لم تنطلق بعد، فتنقيح القانون الانتخابي وإصلاح الدستور مثلاً سيكون في اتجاه ما يفرزه الحوار الوطني، وهذا مثال للتعارض الكبير بيننا وبين قيس سعيد، فهو مثلاً يريد أن يعلن أن النظام الانتخابي سيكون الاقتراع على الأفراد في دورتين، في حين أن الأسلم هو انتظار ما ستؤول إليه النقاشات في الحوار الوطني الذي قد يذهب فعلاً في ذلك الخيار كما يمكن ألا يوافق، ويعرض مخرجاته على الشعب للحسم.
وبالتالي هناك تعارض كلي بين تمشي انفرادي خارج الشرعية الدستورية وتمشي تشاركي منفتح على كل الأطراف وممثلي التونسيين بمختلف أطيافهم للخروج بمقترحات إصلاحات تعرض على الناخبين.
هل الحوار الوطني الذي تطرحونه مفتوح على قصر قرطاج، بمعنى آخر هل الرئيس قيس سعيد معنيٌّ بحواركم؟
بطبيعة الحال هو معنيّ، فكما قلت خلال حديثي عن حركة النهضة، أطراف الأزمة هي مفاتيح حلّها، وقيس سعيد أحد أطراف الأزمة، كما أنه لم يأت على ظهر دبابة فقد تقلد منصبه بعد تحصله في دور أول لانتخابات نزيهة على 600 ألف صوت وفي الدور الثاني وفي ظروف خاصة تحصل على ما أكثر من 3 ملايين صوت، وبالتالي نحن لا نُغلي الواقع الذي يؤكّد كذلك أن سياسته الشعبوية أو الغوغائية عمَّقت الأزمة لكن لديه ثقل لا ألغيه ونحن في نفس المركب في النهاية.
وفي حال رفض قيس سعيد المشاركة في الحوار الوطني الذي نطرحه وسنعمل على عقده، فسينعقد كما كان الحال خلال الحوار الوطني لسنة 2013 الذي لم يشارك فيه الرئيس آنذاك المنصف المرزوقي وحزبه، وستكون له مخرجات تُطبّق وتُنقذ تونس من الغرق، فمستقبل البلاد ليس رهينة شخص واحد.
يبدو أن قدرك أن تكون معارضاً سياسياً لكل الأنظمة التي مرت بالبلاد منذ الاستقلال؟
يبدو الأمر كذلك، فأنا أنشط سياسياً منذ 1965 كمعارض من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة منذ 57 عاماً، وقد تحقق جزء منها بفضل نضالات الشعب وثورة 14 يناير/كانون الثاني، وقد شاركت في الحكم بعدها مباشرة، ولكن انسحبت فور تأكدي أن البلاد في طريق خاطئ وخيرت العودة إلى المعارضة منذ ذلك التاريخ، بالتالي قدري أن أكون معارضاً واليوم أعيش وأُمارس حلقة جديدة من المعارضة الهادفة ولا أعرف إن كنت سأعيش لأرى نتائجها أو لا، ولكني متأكد أنه ستكون لها نتائج وسيتمتع بها التونسيون.