في الوقت الذي تتعاطى فيه كثير من القوى السياسية اللبنانية بحذر مع فكرة إتمام الانتخابات النيابية في موعدها شهر مايو/أيار، تبدو الماكينة الدعائية الانتخابية لحزب الله نشطة بشكل يشير لتأكد الحزب من إتمامها في موعدها.
ويركز حزب الله على مرحلة ما بعد الانتخابات وما ينتظر البلاد من استحقاقات دستورية، وسياسية، واقتصادية، ومالية. خاصة أن البرلمان المقبل هو من سينتخب رئيساً جديداً للجمهورية خلفاً لميشال عون.
وتشير المعطيات المقربة من حزب الله إلى أن الحزب يعكف حالياً على دراسة خياراته للمرحلة المقبلة، ملتمساً آفاقها وما تحمله من توازنات داخلية وخارجية.
ويركز الحزب حالياً على استحقاقات أساسية أولها الانتخابات النيابية، ساعياً إلى الحصول فيها على الأكثرية، بعدما نجح في جمع معظم حلفائه في لوائح موحدة، على خلاف خصومه الذين أصابهم التشتت والصراعات.
ورغم حالة التشكيك في إتمام الانتخابات في موعدها، تؤكد دوائر حزب الله حصول الانتخابات، بدليل أن الحزب سعى لتوحيد حلفائه وشحذ هممهم للمشاركة والتواصل مع الجمهور لنيل أغلبية ساحقة في الانتخابات، التي يراهن من خلالها حزب الله على الحصول على أغلبية المقاعد مع حلفائه المسيحيين والدروز والسنة.
ثم يأتي الدور على اختيار رئيس جديد للبلاد ثم ملف ترسيم الحدود، بل يستعد الحزب أيضاً لمرحلة تغيير النظام السياسي في البلاد.
ماذا يريد الحزب بعد الانتخابات؟
تشير الباحثة والكاتبة السياسية راكيل عتيق إلى أن حزب الله يستبق نتيجة الانتخابات، معلناً أنّه مع حكومة وحدة وطنية ومع التوافق على رئيس جديد للجمهورية، وفق ما قال رئيس كتلة الحزب البرلمانية محمد رعد.
يأتي موقف حزب الله الداعي إلى التوافق بعد 15 مايو/أيار المقبل، موعد الانتخابات، استباقاً لنتيجة الانتخابات في حال خسر الأكثرية، خصوصاً أنّه يمسك أقلّه بورقة الميثاقية شيعياً. إذ إنّه وحركة أمل أمّنا المقاعد النيابية الـ27 المخصّصة للشيعة، التي من الصعب خرقها، وفي حال خُرقت وهذا احتمال ضعيف جداً، فلن يتعدّى ذلك مقعداً أو اثنين.
وتشير عتيق إلى أن حزب الله يعرف أنّه لا يمكنه أن يحكم بمفرده، وهو لم يتمكّن من ذلك سابقاً، فكيف في ظلّ الأزمة الخطيرة المستفحلة التي تكاد أن تقضي على الدولة، وهو يريد أن يحافظ على خيط من العلاقات الخارجية، رغم من توجهاته الأخرى، ويريد حكومة ورئيساً يغطّيانه، ولا يعمّقان من محاصرته وعزلة البلد.
لا رئيس حليفاً للحزب؟
تقول الباحثة اللبنانية إنه ووفقاً للمعطيات والوقائع القائمة، بات من الصعب الإتيان برئيس للجمهورية من دوائر حزب الله، رغم أنّ كلّاً من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية يُمنِّيان النفس بالكرسي الرئاسي.
وتوضح أن هذا يعود لاعتبارات عدة، منها ما يتعلّق بوضع هذا الفريق وكلّ شخصية. فرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مُدرج على لائحة العقوبات الأمريكية ويفتقد إلى امتدادات أو علاقات خارجية تساعده على الوصول إلى الموقع الرئاسي، فضلاً عن أنّ كتلته النيابية قد تتراجع، وفي هذه الحال يفقد ورقة الكتلة المسيحية الأكبر.
وفي حين أن سليمان فرنجية- وفقاً لعتيق- لا يعاني هذه المشكلات كلّها، إلّا أنّه بدوره لا إجماع مسيحياً على اسمه، ولن يحوز على أكبر كتلة نيابية مسيحية. والتوافق الذي يتحدث عنه حزب الله رئاسياً، يعني أن لا رئيس للجمهورية من فريقه السياسي.
إذ إنه لانتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون لأي طرف أكثرية الثلثين في مجلس النواب وليس النصف زائداً واحداً، وأي طرف غير قادر على أن يحصل على أكثرية الثلثين.
دور باريس مع الحزب ومؤتمر برعاية دولية
في إطار متصل متعلق باهتمامات حزب الله ما بعد الانتخابات البرلمانية، يشير المحلل السياسي ربيع دندشلي إلى أن اهتمام حزب الله بعد انتخابات البرلمان ورئاسة الجمهورية ينتقل إلى ثالث الاستحقاقات التي يركز عليها الحزب، في ظل إلزام واشنطن لباريس بمتابعة الملف اللبناني والاهتمام الذي تبديه الإدارة الفرنسية للملف اللبناني.
هذا كله يترجم- وفقاً لدندشلي- باهتمام استثنائي بلبنان ما بعد انتخابات الرئاسة الفرنسية، في حال إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون. ذلك أن الفرنسيين سيعملون على تنظيم مؤتمر خاص بلبنان، وعقد جلسات حوار ومصالحة بين اللبنانيين، بحثاً عن صيغة حلّ للأزمة القائمة.
وقد يكون ذلك شبيهاً بمؤتمر سان كلو الذي جرى العام 2007 بين الفرقاء اللبنانيين برعاية فرنسية.
لكن الأهم- وفقاً للمحلل اللبناني- يكمن في توفر الموافقة الخليجية والأمريكية على هذا المؤتمر. هناك قناعة لبنانية بأن لا خلاص للبنان بلا عقد مثل هذا المؤتمر، الذي يفترض أن يبحث في الصيغة اللبنانية. والأهم هو الموقف الخليجي والأمريكي، وهل يمنحان الغطاء لصيغة يمكن التوصل إليها والموافقة عليها في المؤتمر، علماً أن حزب الله قد يحوز فيها مكتسبات كثيرة في بنية النظام، ويرى أن الأمر يرتبط بسياق إقليمي- دولي واسع.
وفي حال توافرت ظروف دولية إيجابية للمؤتمر، يمكن القول إنه يؤدي إلى تغيير الصيغة والواقع الراهن في اتجاه هدوء واستقرار في الوضع الداخلي.
أما في حال عدم توافر ظروف ذلك، فلبنان مستمر في الدوران في حلقة مفرغة من الأزمات والانهيارات المتتالية.
السعودية وحزب الله
يأتي هذا في وقت قالت فيه مصادر دبلوماسية عربية لـ "عربي بوست" إن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يتحضر للقيام بجولات على مناطق سُنية مختلفة، مثل طرابلس والبقاع، لتحفيز الناس على المشاركة في العملية الانتخابية.
يأتي هذا وسط قناعة سعودية ترسخت مؤخراً بأن العمل على إدارة العملية الانتخابية والواقع السياسي، سيحدثان تغييرًا كبيرًا في نتائج الانتخابات، في ظل الحديث الدائر بشكل يومي عن اكتساح محتمل لحزب الله لمقاعد المجلس النيابي.
بالمقابل تشير أوساط حزب الله إلى أن الحزب لا يعتبر العودة الدبلوماسية السعودية إلى لبنان تشكل عنصر تغيير أو تأثير كبير على المسار السياسي والانتخابي، بل يعتبرها مرتبطة بالعودة عن قرار خليجي بالانسحاب وبتنسيق فرنسي- سعودي لا أكثر.
لذا ينظر حزب الله إلى حركة السفير السعودي وليد البخاري، من جولات ولقاءات وإفطارات ومحاولات استنهاض الناخبين، على أنها شكلية وفلكلورية، وبلا مردود سياسي.
تعويل على واقعية الحزب؟
في المقابل يعتقد الصحفي اللبناني جوني منير في حديثه لـ"عربي بوست" أن التواصل الفرنسي مع حزب الله تضمن تفاهماً حول ضرورة انعقاد مؤتمر حول الأزمة اللبنانية في باريس خلال الصيف المقبل. إلا أنّ هذا التداول لم يتطرق إلى تفاصيل هذا المؤتمر، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه التعديلات الدستورية كممر إلزامي لإغلاق حقبة الانهيار وتمزّق مؤسسات الدولة، وتدشين مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار، تبدأ مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
على أن يواكب ذلك إعادة إحياء مؤتمر سيدر الذي عُقد عام 2018 في باريس، والذي تضمن منح لبنان قروضاً ومنحاً بقيمة 12 مليار دولار شريطة إجراء الإصلاحات، والذي يشكّل حاجة ماسة للاقتصاد اللبناني، ولكن مع إدخال تعديلات عليه، بحيث يتلاءم مع المرحلة المنتظرة.
ويرى منير أنه لا مجال للشك لحظة واحدة، في أنّ واشنطن التي وافقت على الدور الفرنسي في لبنان، تتولّى متابعة المهمة الفرنسية عن قرب، ومن خلال قنواتها الدبلوماسية.
لكن طالما أنّ التفاهم الفرنسي مع حزب الله لا يزال في العناوين العريضة ولم يطاول بعد التفاصيل المهمّة، فإنه يُخشى من خلاف في مرحلة لاحقة، وبالتالي من صدام. والمقصود هنا- وفقاً لمنير- أنّ حزب الله وعلى الرغم من نفيه العلني والرسمي، قد يهدف إلى نسف الدستور المنبثق من اتفاق الطائف والذهاب إلى دستور المثالثة على سبيل المثال. وهناك عشرات التلميحات الجدّية في هذا الإطار.
أضف الى ذلك أنّ الحزب رحّب إيجاباً بوضوح بدعوة الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع قصر الصنوبر عقب انفجار مرفأ بيروت، بإنجاز عقد اجتماعي جديد للبنان.
ويرى منير أن الأوساط الدبلوماسية المتابعة للملف اللبناني لديها قراءة متأنية ومختلفة لموقف حزب الله. فهي تقرّ بأنّ للحزب قيادة براغماتية وتتحلّى بمقدار كبير من الذكاء والمرونة في آن معاً. وبالتالي فهي تدرك أنّ الأفق في لبنان، وإلى حدّ ما في محيطه المباشر، لم يعد مفتوحاً على الحروب.
أضِف إلى ذلك، مخاطر الاندفاع طويلاً في مواجهات دموية واستنزاف مكلف وسط بحر الانتشار السنّي في المنطقة.
وتستطرد هذه الأوساط في قراءتها بالقول إنّ التسوية الواقعية في لبنان ستؤمّن الحماية لكل الفئات اللبنانية بمن فيهم حزب الله، وبالتالي فإنّ التسوية القائمة على التعددية التي يؤمّنها اتفاق الطائف هي المظلة التي تحمي الجميع.
الخلاصة الحقيقية
وبالتالي وبعد الانتخابات البرلمانية، تأتي معركة حزب الله لتشكيل الحكومة والرئاسة في إطار التحضير أيضاً لإنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والذهاب لمرحلة اتفاق مع شركات للتنقيب والاستخراج.
أضِف إلى ذلك الخيارات السياسية لحلفاء الحزب وملف الوجود السوري والعلاقات والسياسات الخارجية وإعادة النظر في السياسات والأجهزة. هذا في حال عدم الرغبة أو حلول وقت تغيير النظام.
لكن بما أنّ أي فريق بحسب الأرقام الحالية، لا يمكنه أن يأتي بمفرده برئيس للجمهورية، وهناك حاجة إلى توافق، فهل هناك من سيمنح حزب الله فرصة جديدة لإعادة إنتاج سلطة؟