مرة مع الرئيس، ومرة ضده، هكذا يسير الاتحاد العام التونسي للشغل في موقفه من الأحداث السياسية التي تشهدها تونس منذ إعلان قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 عن إجراءات استثنائية في البلاد.
الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يُعتبر التنظيم النقابي الأقوى والأكثر تأثيراً ساند الإجراءات الاستثنائية، ودعم حل البرلمان، لكنه ينتقد توجهات قيس سعيّد بالانفراد بالحكم وإلغاء المؤسسات الدستورية في البلاد.
ويتوانى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي عن توجيه سهام نقده لسعيد كلّما تزايدت مؤشرات ذهاب الرئيس لتنفيذ مشروعه السياسي وتفرّده بالسلطة والإصلاحات.
الاتحاد والرئيس.. شهر العسل لم يدم طويلاً
فور إعلان قيس سعيد عن إجراءاته الاستثنائية في 25 تموز/يوليو 2021، كان الاتحاد العام التونسي للشغل أوّل المساندين له، وكان الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي أول الذين التقاهم سعيّد لتطمينه بأن الحقوق والحريات لن تُمسّ، وعلى رأسها حرية العمل النقابي.
لكن تدريجياً، وبتواتر الفعل السياسي لقيس سعيّد المُعاكس لخطاباته رأى الاتحاد العام التونسي للشغل أن سعيّد يُواصل نفس سياسة التشويه والتخوين التي كانت تعتمدها أحزاب الحكم قبل 25 تموز/يوليو 2021.
وحصلت القطيعة بين الرئيس والاتحاد بعد إصدار الحكومة لمنشور يمنع كل مؤسسات الدولة ومسؤوليها من التفاوض مع النقابات أو إمضاء أي اتفاق معها قبل العودة لرئاسة الحكومة.
وخلال فترة القطيعة بين اتحاد الشغل وقصر قرطاج، لم تخل أي كلمة ألقاها أمين عام الاتحاد من انتقادات لقيس سعيد، وانفراده بتقرير حاضر ومستقبل البلاد، وتنبيه من تواصل الوضع الخطير الذي تمرّ به البلاد على عديد المستويات وخاصة الاقتصادي.
المحلل السياسي، الذي يشغل منصب خبير مع الاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الجليل البدوي اعتبر أن "تعاطي الاتحاد مع رئيس الجمهورية يتّسم بالحذر؛ إذ ينتقده كلما انغلق سعيد على نفسه وانفرد بكلّ شيء.
لكن، وفق البدوي الذي تحدث لـ"عربي بوست" لا يذهب اتحاد الشغل بعيداً في انتقاد رئيس الجمهورية، خاصة من خلال تفادي تطرّق كل قيادات الاتحاد للملفّ في الإعلام، لترك المجال أمام عودة التيار بين الطرفين.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الاتحاد لديه عدد من الورقات التي يُمكنه الضغط بها على سعيّد، وعلى رأسها الإضرابات التي يُمكن أن تشنّها النقابات المنضوية تحت رايته.
أيضاً حسب المتحدث فإن الاتحاد العام التونسي للشغل يملك ورقة الإضراب العام، الذي يُعتبر تحرّكاً مُحرجاً لأي سلطة، باعتبار أن البلاد تشهد شللاً تاماً وكليّاً في حال نفّذ الاتحاد إضراباً عامّاً.
حلّ البرلمان والحوار الوطني
دعم الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان رسمي له قرار الرئيس سعيد بحلّ البرلمان في مارس/آذار 2022، ورأى فيه "فرصة بعد فترة من التردّد لاستعادة الثقة وطمأنة الشعب واسترجاع الأمل من أجل تصحيح المسار".
لكنه مقابل ذلك، طالب الاتحاد بضرورة اتّخاذ خطوات أساسيّة تهدف إلى تجميع القوى الوطنية والديمقراطية لحوار شامل، لضمان القدرة على تحويل إرادة التصحيح إلى قوّة فعليّة لإنقاذ تونس.
ودعا اتحاد الشغل الرئيس قيس سعيد، من خلال نفس البيان، إلى "عدم الزجّ بالقضاء في النزاع السياسي، وتجنّب سياسة التشفّي ضدّ الخصوم السياسيين، وتوفير كافة الضمانات لإنهاء الوضع الاستثنائي الذي طال أكثر من اللاّزم…".
لكن كل شيء سيتغير عندما عقد الرئيس قيس سعيد، بعد سويعات من قرار حلّ البرلمان، لقاءات مع ممثلين عن عدد من المنظمات المهنية والحقوقية المحلية الكبرى، على رأسها أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل.
لكن وبشكل مُفاجئ أعلن سعيد أن الحوار الوطني قد انطلق، في إشارة إلى تلك اللقاءات، وسيعمل وفق نتائج الاستشارة الوطنية الالكترونية والتي كان من بينها تغيير نظام الاقتراع إلى التصويت على الأفراد في دورتين عوض التصويت على القائمات باعتماد الأغلبية النسبية مع أكبر البقايا.
كما أعاد الرئيس التونسي التأكيد على انطلاق الحوار الوطني في تونس أثناء لقائه بوفد من البرلمان الأوروبي، وهو ما غيّر موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من قيس سعيد نوعيّاً.
الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري قال إن "اللقاء الذي انعقد مع رئيس الجمهورية، بطلب منه، لم يتطرّق لأي موضوع محدّد بل شمل عرضيّاً الوضع العام".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "اللقاء كان برتوكوليّاً لتلقي تهنئة الرئيس للمكتب التنفيذي الجديد الذي تم انتخابه في مؤتمر المنظمة المنعقد في فبراير/شباط 2022، ولم يُمثّل انطلاقة للحوار الوطني مثلما هو مُعلن".
لماذا يُغير الاتحاد مواقفه؟
الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، وهو يشغل كذلك خطة الناطق الرسمي للمنظمة، أوضح في حديث لـ"عربي بوست" أن "الاتحاد لا يُساند الأشخاص أو مؤسسات بعينها".
وأضاف المتحدث أن "المنظمة تبني مواقفها وتموقعها على قاعدة مضامين ومواقف الجهة المقابلة وخياراتها وتوجّهاتها ومدى تماشيها مع مصلحة البلاد وإخراجها من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومراعاة تنوّعها واختلافاتها".
وفي حالة قيس سعيد، أكد الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل، أن "المنظمة ليس لها أي مشكل مع شخص الرئيس بل مع تطورات قراراته وتغيير توجهاته، إذ ذكر أن المنظمة تساند ولا تزال مسار 25 يوليو/تموز 2021، وتعتبره فرصة للإصلاح".
لكن اعتبر القيادي في اتحاد الشغل، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "العديد من المؤشرات تدفع اليوم إلى التخوّف من إمكانية إهدار فرصة الإصلاح بسبب محاولة رئاسة الجمهورية الانفراد بالرأي والقرار والإصلاحات ومضامينها".
ومثالاً على ذلك أشار المتحدث إلى "فرض الرئيس تصوره للإصلاحات من خلال تحديد منطلقات الحوار الوطني والمشاركين فيه وحتى نتائجه"، في إشارة إلى حديث الرئيس عن "تعديل القانون الانتخابي وتغيير نظام الاقتراع".
وأكد المتحدث أن الاتحاد العام التونسي للشغل يتمسّك بتصوّره لإخراج البلاد من أزمتها الشاملة قبل فوات الأوان، عبر عقد حوار شامل تُشارك فيه الأحزاب الوطنية والجمعيات والمنظمات وكل القوى الحية في البلاد.
واعتبر أن موقف الاتحاد الثابت هو رفض وضع شروط للحوار الوطني، وتحديد مسبّق لمضمونه ونتائجه والمشاركين فيه، مما يُفرغه من معناه ويجعله مجرّد صورة وغطاء لمشروع الرئيس.
ما هو الاتحاد العام التونسي للشغل؟
يُعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية تونسية تضم ما يُقارب نصف مليون عامل، وتأسست في 20 يناير/كانون الثاني 1946 على يد زعيمه التاريخي فرحات حشاد، الذي اغتالته منظمة اليد الحمراء الفرنسية في عملية لتصفية قيادات مقاومة الاستعمار الفرنسي في تونس.
ويقع مقر اتحاد الشغل في تونس العاصمة وله هياكل جهوية ومحلية في كامل البلاد مما يجعله الأكثر تنظيماً والأقوى في تونس من خلال هيكلته المعقّدة والناجعة رغم الانتقادات التي تُوجّه للبيروقراطية النقابية.
ويفرض القانون الأساسي للمنظمة شروطاً معقدة للترشح لعضوية المكتب التنفيذي الوطني (المركزية النقابية) من أهمها قضاء أكثر من 15 سنة في العمل النقابي صلب اتحاد الشغل للترشح.
وعادة ما تُوجّه للاتحاد العام التونسي للشغل انتقادات بسبب خروجه عن دائرة العمل النقابي والعمالي وتدخله في الشأن السياسي كفاعل رئيسي ومُحدّد، لكن دأبت قياداته على مواجهة تلك الانتقادات بالتذكير بدور المنظمة الحاسم في كل المحطات الفارقة والأزمات التي مرت بها البلاد منذ بداية القرن العشرين.
كما المنظمة لها دوران؛ الأول وطني ويشمل الجوانب السياسية دون المشاركة الفعلية والمباشرة في الانتخابات، ودور ثانٍ اجتماعي عبر الدفاع عن حقوق العمال والتفاوض حول الزيادة في أجورهم.