تجدَّدت الصدامات، الثلاثاء 19 أبريل/نيسان 2022، بين مجموعة من الرهبان الأحباش والأقباط في ساحة دير السلطان، المملوك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالقدس، بعد رفع علم إثيوبي داخل الدير، واعتدوا على الرهبان المصريين الموجودين به، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام مصرية.
وعقب الاعتداء ردَّ الأنبا أنطونيوس، مطران الكرسي الأورشليمي، بوضع علم مصر على الدير لإثبات هويته المصرية، فيما قام الرهبان المصريون باستدعاء قوات الشرطة الإسرائيلية لإجبار الإثيوبيين على إنزال علمهم والتصدي لهم.
وحاول الرهبان الأحباش الدخول في مشادة كلامية كادت أن تصل إلى اشتباكات، وقال الأنبا أنطونيوس، مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن الدير قبطي، وتعوّدنا من رهبان إثيوبيا إثارة أزمات قبل عيد الفصح واللجوء إلى حيل بهدف طمس الهوية القبطية لهذا الدير، وإظهاره أنه دير تابع للكنيسة الإثيوبية، وهو ما أثار الأقباط على منصات التواصل الاجتماعي في مصر.
وتجدد النزاع على دير السلطان في عام 2019، بين الرهبان المصريين والأحباش، بسبب خيمة رفع عليها العلم الإثيوبي، وتجمع الرهبان المصريون بالدير قبل يومين لإزالة الخيمة والعلم الإثيوبي، وسط تدخل من أفراد الشرطة الإسرائيلية.
بداية القصة
في يوم 19 أبريل/نيسان من كل عام، وقبل بدء أعياد الفصح، تقوم طائفة الأحباش بنصب خيمة لإقامة صلوات الأعياد في ساحة دير السلطان القبطي، ويمنع رفع علم إثيوبيا على الخيمة، وذلك باتفاق متبادل بين الأقباط والأحباش، وأيضاً الاتفاق هو على حجم الخيمة من ناحية الطول والعرض والارتفاع، بحسب منشور على صفحة فيسبوك لـ"أديب جواد"، مسؤول مفتاح كنيسة القيامة بالقدس.
مسؤول مفتاح كنيسة القيامة بالقدس أشار إلى أنه ومنذ أعوام بدأت طائفة الأحباش بنصب خيمة كبيرة غير المتفق عليها، في محاولة إلى نقض الاتفاقية مع الأقباط، الذين يطالبون دائماً بحقهم في استرجاع ملكية عقارهم، والذي تم وضع اليد عليه من قبل الأحباش، بمساعدة الحكومة والشرطة الإسرائيلية على حد سواء، بسبب قرار سياسي مسبق بين إثيوبيا وإسرائيل.
تاريخ دير السلطان
يعد دير السلطات أحد أهم الأماكن العربية المقدسة الواقعة في القدس، ويقع في حارة النصارى بجوار كنيسة الملكة هيلانة للأقباط الأرثوذكس، والممر الواصل إلى سور كنيسة القيامة، وتبلغ مساحته 1800م2 تقريباً، وهو متصل من الشمال بدير مار أنطونيوس، ومن الغرب بمباني كنيسة القيامة.
كما يعد دير السلطان هو الوحيد بين الأديرة المسيحية الذي له اسم إسلامي الصبغة، إذ إن كلمة أو لقب سلطان يطلق على الملوك المسلمين، وسمي نسبة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
وشهد الدير خلال تاريخه الطويل نزاعاً طويل المدى على ملكيته بين الكنيسة المصرية ونظيرتها الحبشية، رغم استضافة الرهبان المصريين الأحباش لمدة 3 قرون، لعجزهم عن دفع الضرائب المُقررة عليهم، لكنهم كانوا يثيرون قضية النزاع على الملكية في العديد من المناسبات، حتى أصدر السلطان العثماني عبد الحميد، حكماً بتثبيت ملكية دير السلطان للأقباط الأرثوذكس، لكن السلطات البريطانية رفضت تسليم الدير للكنيسة المصرية.
ومنذ عام 1654 حتى 1850، استضاف الرهبان المصريون نظراءهم الأحباش، بسبب عدم استطاعتهم دفع الجزية طلبوا من الكنيسة القبطية أن تؤويهم؛ لأن كنائسهم تحولت إلى كنائس رومانية وأرمينية، وسمح للرهبان الأحباش بالبقاء في الدير كضيوف.
محاولات "الأحباش" السيطرة على الدير
في عام 1850 حاول الرهبان الأحباش الاستحواذ على مفتاح دير السلطان، ولكن أعيد إلى الأقباط بوثيقة من الحاكم العثماني، في فبراير/شباط 1852، وأعيدت المحاولة مرة أخرى في 1862، وأعيدت المحاولة مرة ثالثة أثناء تجديد الكنيسة في عام 1888، وقرر الباب العالي، في يناير/كانون الثاني 1894، أن الأقباط المصريين هم أصحاب دير السلطان، على أن يبعد الأحباش منه تماماً.
وأثناء الانتداب البريطاني عام 1945 جدَّد الأحباش إحدى الحجرات، ولكن الحاكم رفض هذا العمل تماماً، أما في عام 1959 فقد أقنع الرهبان الأحباش المدبر الأردني للقدس، بأن الدير لهم، وبالفعل سلم إليهم الدير؛ ما دعا البابا كيرلس السادس إلى إرسال وفد إلى الملك حسين، ملك الأردن، مزوّداً بالوثائق الدالة على ملكيتهم للدير، وألغى الملك قرار المدبر وأمر بإعادة مفتاح دير السلطان إلى الأقباط.
وفي عام 1970 أثناء الاحتفال بعيد القيامة، في كنيسة القيامة، أرسلت السلطات الإسرائيلية قوة من الجيش، ليتمكن الرهبان الأحباش من دير السلطان، وأعطوا مفاتيح جديدة للرهبان الأحباش، وعندما حاول الرهبان الأقباط الدخول للدفاع عنه استعمل الجيش الإسرائيلي العنف، ومنع المطران القبطي من الدخول لدير السلطان، وهذا الأخير رفع قضيته أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، التي قررت بكامل أعضائها إعادة مفتاح الدير للرهبان الأقباط، وذلك في مارس/آذار 1971.
وفي مارس/آذار عام 1980، قرر المجمع المقدس عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس، لحين استعادة الكنيسة رسمياً ديرَ السلطان بالقدس، وذلك نتيجة رفض تسليم الدير للكنيسة المصرية.
وترفض السلطات الإسرائيلية تنفيذ الحكم، وفي عام 2017، قررت إغلاق الكنيستين في السطح، بذريعة التجديدات في كنيسة الروم الأرثوذكس الملتصقة بدير السلطان، وذلك دون إبلاغ الدير والقائمين عليه. وقد طالبت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تتم الترميمات على حسابها، ورفضت بحجة أنها هي التي ستجدده بصفتها طرفاً محايداً.
ويدعي الإثيوبيون أن الدير كان ملكهم منذ القرن السابع عشر، وأنهم فقدوا وثائق الملكية عقب حريق شب في مكتبة الدير عام 1838 بعد تفشي الطاعون، وتساندهم الحكومة الإسرائيلية بشدة.
في المقابل يقدم المصريون دلائل على ملكيتهم للدير بأكثر من 20 وثيقة ملكية، ويقول الأقباط المصريون إن الرهبان الإثيوبيين حلوا ضيوفاً على الدير بعد أزمات كبيرة في تمويل الكنيسة الإثيوبية، وفقدانهم أديرتهم في القرن السابع عشر، وما إن استضافهم الدير حتى شرعوا في نسج قصص امتلاكهم له عاماً بعد عام، بحسب رواية الأقباط المصريين هناك.
العلاقة بين الكنيستين "المصرية والإثيوبية"
تعود العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادي مع تاريخ دخول المسيحية إلى إثيوبيا، وبدأ التقليد بأن يقوم بطريرك الإسكندرية بترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية من بين الرهبان المصريين، ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره، وظلّ هذا التقليد الكنسي معمولاً به حتى عام 1950 أي طوال ما يزيد على 16 قرناً.
ورغم ذلك ظلت العلاقات الدينية مستمرة مع مصر، وإن كانت تمر بمراحل قوة وضعف، وفقاً للظروف السياسية، وعاشت الكنيستان على ذلك حتى توصلت في تاريخ ١٣ يوليو/تموز عام ١٩٤٨، إلى اتفاق مهّد لانفصال واستقلال الكنيسة الإثيوبية؛ حيث قام بطريرك الإسكندرية للأقباط في ذلك العام برسامة خمسة أساقفة لهذه الكنيسة، وفوّضهم بانتخاب بطريرك جديد لهم، يكون له السلطان لاحقاً لرسامة أساقفة جدد لكنيسته، وقال الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص بمحافظة قنا، ومسؤول لجنة إدارة الأزمات بالكنيسة الأرثوذكسية، وملف العلاقات الكنسية بين مصر وإثيوبيا: إن الكنيسة الأرثوذكسية تعضد القيادة السياسية في القاهرة، ونصلي من أجل الوصول إلى حل لأزمة سد النهضة.